يافا يا نور العين.. عروس البحر في قلوب المحبين

سعاد صائب سكيك – مصدر الإخبارية
تلك المدينة الرائعة التي يتغنى بها الجميع “يافا”، هي من أجمل المدن الفلسطينية التاريخية التي تعرضت للاحتلال والسرقة من قبل جماعات اليهود والإسرائيليين إلى أن أصبحت ضمن “حلم العودة”.
يحمل كثير من الأجداد مفتاح باب منزله القديم في يافا والذي تركه قسراً بسبب الاحتلال والتهجير، ويورثه لأبنائه وأحفاده من أجل التأكيد على حق الأرض والدار.
يافا “الجمال”
من يتكلم عن يافا محق جداً حين يحكي عنها كعاشق، وقبل أن نعيش مع قلوب المحبين، دعونا نتعرف أكثر عن تاريخ وجغرافية تلك المدينة الرائعة التي تنشدها الجدات الكبار في الأغاني التراثية “يافا يا نور العين”.
جاءت كلمة يافا من “يافي” الكنعانية، أي الجميلة، وأطلق عليها الكنعانيون اسم “جوبي”، والفرنجة اسم “جافا”، وورد اسمها “يوبا” أوم “يبو” في عهد “تحتمس الثالث” أي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد وهو باللغة الهيروغليفية.
وتشير الأدلة التاريخية جميعها إلى أن تسميات المدينة التي وردت في المصادر القديمة، كلها تعبر عن معنى “الجمال”.
تقع يافا على ساحل البحر الأبيض المتوسط، وتبعد عن القدس العاصمة الفلسطينية حوالي 55 كم من جهة الغرب، وتحتل موقعاً تجارياً متميزاً لوقوعها على مفترق طرق المواصلات بين القارات الثلاث آسيا وأورويا وأفريقيا، ويمر من أراضيها نهر العوجا.
أسّسها الكنعانيون في الألف الرابع قبل الميلاد، وقام الاحتلال الإسرائيلي بالاستيلاء عليها، وطرد سكانها في نكبة عام 1948م.
تبلغ المساحة الكلية لمدينة يافا حوالي 6.4 كم²، بينما بلغ عدد سكانها الإجمالي حوالي 60.000 نسمة، معظمهم من اليهود، ونسبة قليلة فقط من الفلسطينيين بين مسلمين ومسيحيين.
البلدة القديمة
تتميز البلدة القديمة في يافا بسحرها المبهر ومناظرها الخلابة، حيث تبدو هذه البلدة كمتحف تاريخي مفتوح بما فيه من معالم أثرية ومواقع رائعة بممراتها الضيقة التي تشبه المتاهة.
كما أنها تشمل منازل قديمة عتيقة ذات أحجار كبيرة، برسومات تاريخية على الأرضيات.
وعند زيارتها، ستجد أنها تحوي عدة مطاعم مميزة تقدم أشهى المأكولات، وبعض المتاجر الرائعة، التي ستستمتع حقاً فيها أثناء زيارتها.
ومن أهم معالم مدينة يافا مسجد المحمودية، أو مسجد يافا الكبير، ومسجد حسن بيك، وكنيسة القلعة، وساحة الساعة، وساحة العيد، والكثير من المزارات الدينية، عدا عن الحمامات القديمة وطرازها القديم في البناء.
ميناء يافا
تتميز يافا بميناء اُعتبر من أهم الموانئ وأقدمها في تاريخ فلسطين، والميناء الوحيد في تلك المنطقة منذ العهد العثماني أي قبل أكثر من 4 آلاف سنة.
كان يسمى بـ “شط العرب” ويتميز بجماله وروعته، حيث يحتوي على منارة فوقه، ومسجد البحر قرب مدخله الشمالي، إضافة إلى مسجد يافا الكبير.
وكانت تتواجد فيه عدة سفن، وقوارب صيد محلية، بعضها للجولات في البحر الأبيض المتوسط، وتمر من خلاله البضائع المختلفة مثل تصدير الحمضيات أشهرها برتقال يافا، إضافة إلى الصابون والحبوب.
ويوجد فيه عدد متشكل من المطاعم والمقاهي المحلية المتميزة، مثل مطاعم السمك أشهرها مطعم العجوز والبحر الشهير، إضافة إلى بعض العروض الخاصة بالسيرك والغناء، حيث كان مزاراً للعائلات والرحلات المدرسية.
وبقي الميناء كأحد أهم الموانئ للتجارة، إلى أن أنشأ ميناء أسدود، ثم في أواخر الستينات أقيم ميناء “تل أبيب” بقصد ضرب الميناء العربي، وكسر إرادة الصيادين العرب والتجار فيها.
ويقع اليوم ضمن بلدية “تل أبيب” على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط، وبعد النكبة عام 1948 أصبح ميناءً ثانوياً للقوارب الصغيرة والمتوسطة.
وأصدر الاحتلال قراراً عام 1965 يمنع السفن الكبيرة من الرسو عليه، بعد أن كان بوابة الفلسطينيين إلى العالم الخارجي في العهد العثماني وخلال فترة الانتداب البريطاني.
يذكر أن ميناء يافا ذُكرت في عدة نصوص تاريخية قديمة، بما فيها التوارة وعند الفراعنة.
برتقال يافا
تشتهر يافا بالزراعة بسبب تربتها ومناخها الحار صيفاً والبارد شتاءً، والرطب لقربه من البحر، وتوفر المياه على الدوام، وتنتشر فيها بيارات الحمضيات خاصة البرتقال، والذي يتم تصديره إلى الأسواق العالمية.
ويعتبر برتقال يافا المشهور من أفضل أنواع البرتقال، فهو ذو قشرة سميكة من شأنها أن تحفظ الثمرة مدة طويلة، وكثير العصارة، وحلو المذاق، ما جعله علامة تجارية مميزة تُصدر إلى دول العالم.
ما دعا الاحتلال الإسرائيلي للأسف إلى استغلال علامته التجارية بغرض الدعاية، ووضعها على لوحيات الدعاية السياحية.
وتشتهر في يافا أيضاً عدد من الصناعات مثل صناعة القرميد، والبلاط، والمنسوجات، والحلويات، وغيرها.
يافا الروح (كلمات أصحاب الأرض)
يرتبط القلب والعقل في يافا سواء ولدت فيها أم لم تُولد، فمجرد ذكرها تحن الروح لها، وتقول مرام توفيق شابة ثلاثينية تعيش في غزة: “رغم أني لم أولد فيها ولا أزرها إلا أنني بمجرد أن أسمع اسمها وأرى صورها يدق قلبي حباً”.
وتابعت: “أشعر بنبضات قلبي تتسارع كشعور المحبوب حينما يرى محبوبته”، وأكدت أنها تتمنى بشدة زيارتها قائلة: “أتمنى زيارتها حتى لو كان آخر يوم بعمري، وألتقط صوراً تذكارية تحت شجر البرتقال الذي كنا نقرأ عنه في كتب المدرسة صغاراً”، وأضافت: “أتمنى أن أمشي بشوارعها القديمة”.
آملة أن تحقق مرادها قريباً بوعد الله في التحرير للأرض الفلسطينية من الاحتلال الإسرائيلي.
وعن وصفها وجمالها قالت نجاح الشرحي: “ما أحلاها وما أغلاها على قلوبنا، زرناها وزرنا كل المواقع في أرضنا المحتلة فلسطين”، وأعربت أنها جزء لا يتجرأ من الروح والجسد، وأنها عنوان الأرض، ورائحة الأجداد وأصلهم وأصالتهم.
وأوضحت أنه مهما بعدت الأجساد عنها تبقى الأرواح قريبة منها، وقالت: “لا بد أن نعود يوماً، وسيعوضنا الله بأيام جميلة وستنتفح الطرق، وسنجتاز الحدود دون إذا وبلا تصريحات بالتأكيد”.
“يافا يا روح الروح، يا القلب المجروح”، كلمات بدأت بها الحاجة التسعينية ام محمد مزجت فيها بين العشق والاشتياق ليافا البعيدة القريبة، والتي أخذت تسرد فيها حكاياتها منذ الصغر والتي تتذكرها رغم عمرها الكبير.
عيون ام محمد اغرورقت بالدمع وهي تحكي لنا عن تسلقها شجر البرتقال في “حوش الدار” فناء بيت والدها، الذي كان من أعيان مدينة يافا، وعادت بالوراء عشرات السنوات لتخبرنا كيف هاجرت عائلتها مع عدد من الأسر بسبب تهديد المحتل.
وقالت: “طلعت امي ومعها الجاجة راقدة”، وتابعت: “كنت صغيرة وبفكر طالعين رحلة أخدت الطابة وطلعت، لو بعرف كان أخدت عروستي، تركتها ع سريري”، وصمتت للحظة، وتنهدت واكتفت بنظرة سارحة عبر شباك غرفتها، وهي تلازم الفراش تتأمل العودة لتحتضن عروستها في بيتها بيافا.
اقرأ أيضاً: افتتاح حزام ناقل جديد في ميناء اسدود بتكلفة 240 مليون شيكل