الأحداث في إسرائيل تعزز مفهوم نصر الله “خيوط العنكبوت”

معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي
ترجمة/عزيز حمدي المصري

الأحداث الداخلية في إسرائيل منذ تشكيل الحكومة الجديدة، وفي مقدمتها الأزمة الدستورية التي أدت إلى اتساع الصدع في المجتمع الإسرائيلي، ونتائج اقتصادية وسياسية خطيرة، إضافة إلى تزايد حجم الأحداث الإرهابية الفلسطينية وتداعياتها. وينظر حزب الله إلى الخلافات الداخلية بشأن طريقة التعامل معها على أنها مؤشرات واضحة على استمرار ضعف إسرائيل. نصرالله يفرك يديه بسرور ويشير إلى ذلك صراحة في خطاباته الأخيرة. في خطاب ألقاه في 16 فبراير، وصف هذه الأحداث بأنها أزمات خطيرة، سببتها “الحكومة الإسرائيلية الغبية الحالية”، التي تدفع باتجاه صراعين رئيسيين: أحدهما داخل إسرائيل والآخر بين إسرائيل والفلسطينيين. وأشار إلى حقيقة أن العديد من المسؤولين الإسرائيليين – الرئيس هرتسوغ، ورؤساء الوزراء السابقين، ورؤساء الأركان وجميع الجنرالات والمؤرخين – يتحدثون عن “حرب أهلية” وشيكة، مستشهدا بكلمات الرئيس بأن هذا وضع سابق الخطورة، وأن إسرائيل على وشك انفجار داخلي وهناك قلق وجودي بين سكانها.
كما تطرق نصرالله في سلسلة خطاباته الأسبوع الماضي إلى الموضوع. وفي كلمة ألقاها في 6 آذار بمناسبة “يوم الجرحى والأسرى”، كرر تقييمه بأنه بسبب الأحداث الداخلية يقترب نهاية “الكيان الصهيوني”. في هذا الخطاب، أشار على وجه التحديد إلى إصدار عقوبة الإعدام لمنفذي العمليات ضد إسرائيل في الكنيست وادعى أن العقوبة لن تردع “أشخاص مثلنا”، قد نكون نخاف من السجن، ولكننا لا نخاف من الموت. وشدد في خطاب ألقاه في 10 آذار / مارس على أن هذه أحداث تاريخية يجب متابعتها عن كثب. وعلى حد قوله فإن “الأحداث في إسرائيل تبعث آمالاً كبيرة”. كما أرجع أزمة المجتمع الإسرائيلي إلى موقف المقاومة الحازم في المنطقة. وبحسب روايته فإن “الكيان الصهيوني يواجه صراعات داخلية وتهديدات خارجية ستؤدي إلى تدميره ولن يعيش بعد 80 عامًا”، على غرار الممالك اليهودية السابقة التي لم تدم أكثر من ذلك. كما دعا دول المنطقة إلى مساعدة الجهد الفلسطيني (على خلفية الهجوم الذي وقع في قلب تل أبيب في 9 آذار) للقضاء على إسرائيل.
يبدو أن هذا الإحساس بالأمن كان أيضًا أساسًا لتهديدات نصر الله عشية التوقيع على اتفاق تحديد الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان (يوليو – سبتمبر 2022) بأن حزب الله سيهاجم إسرائيل إذا بدأت في إنتاج الغاز من حقل حريش قبل ضمان حقوق لبنان. نصرالله لديه شعور بالإنجاز لأن تهديداته، في رأيه، حتى من دون الحاجة إلى استخدام القوة، هي التي طغت على الحكومة الإسرائيلية وأجبرتها على التوقيع على الاتفاق حسب مطالب لبنان. يضاف إلى ذلك التقدم في بناء قدرة دفاع جوي في لبنان من قبل التنظيم بمساعدة إيرانية، مما أدى إلى تقليص نشاط سلاح الجو الإسرائيلي في الأجواء اللبنانية، وعزز ثقته في قدرته على ردع إسرائيل والتعامل معها. في حالة نشوب نزاع عسكري في المستقبل.
من المحتمل أن يكون إحساس نصر الله المتزايد بالأمن هو السبب الجذري لجرأته في توسيع وجود عناصر حزب الله في الآونة الأخيرة بالقرب من الحدود مع إسرائيل – حتى لو كانوا يرتدون ملابس مدنية – وبناء عدد كبير من أبراج المراقبة الجديدة التابعة لحزب الله تحت ستار أعضاء المنظمة الأهلية “أخضر بلا حدود”. كما تزايدت في الآونة الأخيرة حوادث الاحتكاك مع جنود الجيش الإسرائيلي العاملين على طول الحدود (العمل على استكمال الجدار وكشف المنطقة وتعليم الحدود)، حيث اجتازوا الخط الأزرق إلى الأراضي اللبنانية في منطقة القرية، في عيتا الشعب، وفي 7 آذار (مارس)، وقعت حادثة مماثلة، تم خلالها اختطاف خرطوشة من جندي إسرائيلي بعد تجمع مجموعة لبنانية حول جنود كانوا يشاركون في أنشطة هندسية هناك. تم عرض هذه الخرطوشة على قناة المنار باعتبارها نهبًا للجيش الإسرائيلي. وفي إشارة إلى هذه الحوادث، ادعى نصر الله في 6 آذار / مارس أن إسرائيل تحاول تحريك الخط الأزرق عدة أمتار أخرى، لكن لبنان لن يتنازل عن حبة واحدة من الأرض. في الوقت نفسه، يروج حزب الله لحملة دعائية على وسائل التواصل الاجتماعي، ويمدح قدرات مقاتليه القادرين على اختراق الأراضي الإسرائيلية والسيطرة على مناطق ضمن نطاقه.
كلام نصر الله، الذي ينظر إليه هو نفسه وإيران والآخرون على أنه خبير في الشؤون الإسرائيلية – يعكس مرة أخرى رصده الدقيق لما يحدث في إسرائيل من خلال المنشورات في وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تعزز تقييمه للوضع الخطير فيها. استنتاجه أن الأزمة الداخلية الحالية تضعف إسرائيل بشكل كبير، ويزيد من إحساسه بالأمن في قدرة المنظمة على ردع الجيش الإسرائيلي والتعامل معه بنجاح. إلا أن تفسير نصرالله لضعف إسرائيل لا يعكس بالضرورة الواقع الفعلي، بل هو في الواقع شعور زائف بالأمن لا يأخذ بعين الاعتبار علاقات القوة الحقيقية بين الجيش الإسرائيلي وحزب الله، وقوة تماسك المجتمع الإسرائيلي عندما يواجه تهديدات أمنية من الخارج.
رغم ذلك، ورغم استمرار الاحتجاج الداخلي في إسرائيل، تشير التقديرات إلى أن حزب الله ليس لديه مصلحة في صراع عسكري حتى في الوقت الحاضر. بالإضافة إلى إدراك المخاطر التي يتعرض لها لبنان والتنظيم نفسه في أعقاب مواجهة مكثفة مع الجيش الإسرائيلي، يتأثر التنظيم أيضًا بالوضع المزرى للبنان الفاشل، الذي يعاني من أزمة اقتصادية، أشدها حدة في تاريخه. ومن أزمة سياسية وصعوبات في الحكم، من المهم الإشارة إلى أنه منذ الانتخابات النيابية الأخيرة التي أجريت في مايو 2022، وحتى أكثر من ذلك في الأشهر الأخيرة، كان هناك انخفاض في قيمة مكانة حزب الله السياسية في لبنان. لا يزال لدى التنظيم القدرة على نقض القرارات في البلاد، ويواجه صعوبة في فرض موقفه على خصومه السياسيين في قضايا تشكيل الحكومة وتعيين رئيس جديد، والتي تأجلت منذ أكتوبر 2022. تحقيق اتفاق واسع لانتخاب سليمان فرنجيه، الموالي لسوريا والمقرب من حزب الله، قد فشل فشلا ذريعا حتى الآن. نصر الله منزعج من هذا، لكنه لا يزال يرغب في تجنب استخدام قوة السلاح في يده للترويج لحله الخاص مشاكل لبنان الداخلية.
في هذا الوضع، يتمسك نصرالله بالاستراتيجية التي وجهته في السنوات الأخيرة تجاه إسرائيل – إقامة “معادلة الردع” بين حزب الله والجيش الإسرائيلي. كل أنشطة المنظمة وتصريحات نصر الله تهدف بالفعل إلى تأسيس مكانة المدافع عن لبنان في أوساط الجمهور اللبناني، ولكن أولاً وقبل كل شيء ردع إسرائيل عن تغيير قواعد اللعبة ضده في البر والجو والبحر. رغم أن نصرالله غير مهتم بمواجهة عسكرية شاملة مع إسرائيل في هذه المرحلة، يريد استفزازها على طول الحدود وربما أيضًا من خلال شن هجمات داخل البلاد، ربما بالتعاون مع الفلسطينيين. قد يؤدي ذلك إلى احتكاك عسكري وتصعيد بسبب سوء تقدير من الجانبين.