القدس، الضفة، وغزة: رذاذ الوقود في الهواء

ترجمة عبرية – مصدر الإخبارية
القدس، الضفة، وغزة: رذاذ الوقود في الهواء، بقلم أوهاد حمو مراسل القناة 12، ترجمة: عبد الكريم أبو ربيع، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:
السؤال الآن ليس “هل؟”، وإنما “متى؟”، حتى مختل الشم سيجد صعوبة في ألا يشعر برذاذ الوقود في الهواء والمهووسون بإشعال الحرائق من الطرفيْن، والذين يفركون أيديهم الآن ويتأهبون، أسمع هذا كل يوم في محادثات مع الفلسطينيين: أعضاء فتح، والسلطة، نشطاء حماس، وغيرهم الكثير، كلهم على قناعة بأمر واحد: الأمر بات قريبًا.
المركز الإشكالي الأول هو القدس؛ ليس من قبيل الصدفة تحوّل هذا المكان ليصبح خاصرة إسرائيل الرخوة، إنه مكان مهمل، يعاني من الشعور بالحرمان، يركز خطاب الـ 360 ألف من مواطنيها على تهويد المدينة، وعلى تغيير الوضع القائم في الأقصى (مقابل 1000 يهودي اقتحموا المسجد الأقصى في سنة 2000 يرون اليوم 50 ألف كل عام). في المقابل، يرون تدمير البيوت المتزايد تحت الحكومة الجديدة.
القرار الأخير، بإلغاء تدمير البنيان العملاق في سلوان، والذي تسكنه 11 عائلة، كان مطلوبًا في ظل الاستعداد الفلسطيني للخروج في مواجهة موسعة في القدس الشرقية في حال تدمير المبنى. ذاكرة موجة العنف الفلسطيني في شرقي المدينة، والتي اندلعت في أعقاب الطوق الذي فرض على مخيم اللاجئين “شعفاط” وقت مطاردة قاتل نوعا ليزر ما تزال رطبة.
المتفجر الثاني هو الضفة؛ 42 شهيد فلسطيني، منذ بداية هذه السنة، 5 أسابيع فقط، يدور الحديث عمّا معدله حوالي 500 إنسان في السنة، أغلبيتهم العظمى من المسلحين، الذين تجاوزوا الروبيكون (أول نهر تم قطعه قبل الميلاد خلال الحرب الأهلية اليونانية 45 ق. م. أيام خراب الهيكل)، كرسوا أنفسهم لم يعرف في المناطق بـ “المقاومة” ومستعدون لأن يضحوا بأنفسهم في المعركة.
آخر مرة شهدنا فيها مثل هذه ظواهر الشباب الذين لا يسلمون أنفسهم، وإنما يختارون أن يقاتلوا حتى الموت كانت في الانتفاضة الثانية، قبل حوالي 20 سنة. غالبية المسلحين؛ أعضاء فتح والجهاد الإسلامي، لكن في الأسبوع الأخير حماس أيضًا تعود لتتصدر المسرح.
القدس، الضفة، وغزة: رذاذ الوقود في الهواء
الأخبار الوارد عن بنية حماس التحتية التي نمت بهدوء في المدينة الهادئة في الضفة (أريحا)، تحت أنف الجميع، يجب أن تقلقنا كثيرًا، هذه ليست جنين أو نابلس؟ المقصود مخيم لاجئين صغير جدًا بالقرب من أريحا، وكم هو رمزي أن يحدث ذلك بالقرب من موقع التحقيق الهائل التابع للسلطة الفلسطينية، والذي يعرفه كل رجل من حماس عن قرب، ممراته ودهاليزه الواقعة تحت الأرض، وصرخات المكروبين في الوقت الذي يحرق فيه جلادو السلطة الفلسطينية أجساد المحقق معهم. ورغم كل شيء، تنمو هناك مثل هذه البنية، تجمع السلاح بكميات كبيرة، وتخرج في عملية لو أنها كانت نجحت لكانت تذكرنا بمذبحة من ذلك النوع في أفلام تارنتينو (مخرج أمريكي). بالمناسبة، من الجدير الإشارة إلى أنه وحتى الآن يبدو أنها بنية محلية، وليست من النوع الذي يشغل من غزة أو من حماس الخارج.
وفي نيران الضفة، ما يزال هناك من يحملون المواد المشتعلة. توجّه حكومة إسرائيل لتأهيل البؤر وجعلها قانونية، إلى جانب التخوف في المنظومة الأمنية من المواجهة العنيفة بين المستوطنين والفلسطينيين، ستنتهي بموت أحدهم من الجانبين.
يبدو أن بقعة الضوء الوحيدة في المناطق هي حقيقة أن الشعب الفلسطيني ما يزال لا يقف هناك، لم يختر أن يسير في مسار العنف، ويترك ذلك لمجموعة من المسلحين صغيرة نسبيًا، سيما في شمال الضفة. لكن هذا أيضًا – وهذا ما علمتنا إياه التجارب – ربما يتغير، بل وبأسرع ممّا نتصور.
وبقيت غزة؛ المشغولة منذ حوالي سنتين بالإعمار، وتتقوى (رغم أنها تجد صعوبة هناك أيضًا في إنتاج الصواريخ النوعية في ظل الحدود المغلقة نسبيًا مع مصر). كان يسعدني أن أقول إن غزة متعبة من القتال (هذه على الأقل روح الأشياء التي صرّح بها السنوار قبل شهر ونصف فقط) لكن لا يمكن قول ذلك عن مكان يُدار بأسس منطقية مختلفة تمامًا، مختلفة إلى حد كبير، أن تخاطر غزة – مرة تليها أخرى – في الأسبوعين الأخيرين: أطلقت النار بعد الحدث في جنين، وأطلقتها في أعقاب تسجيل الأسيرات، وتهدد بالتدخل بعد اغتيال خلية حماس في أريحا.
يبدو أن الردع والهدوء، اللذين تمتعت بهما إسرائيل في السنتين الأخيرتين، باتت تنفصل عنهما الآن. مرة أخرى، هذه الكلمة الملعونة “قطرات”، التي تسللت إلى حياتنا قبل عقديْن، عادت إلى كشكولنا. هكذا الأمر عندما تهاجم حركة حماس ربة البيت في غزة، مرارًا وتكرارًا، لكونها تخلت عن المقاومة وتحولت لتصبح برجوازية، متخمة وسمينة. حينها تريد أن تذكر جمهورها من أي DNA جبلت، وأمام حكومة اعتبرت الأكثر عداءً للفلسطينيين على الاطلاق، عشية رمضان وأمام التصعيد في الضفة؛ غزة من شأنها أن تنفجر هي الأخرى بشكل مفاجئ.
المصدر: أطلس للدراسات والبحوث