الدين العام الفلسطيني.. مبالغ تفوق الخيال ولا خطط حكومية للحل

صلاح أبو حنيدق- خاص شبكة مصدر الإخبارية:

يتصاعد الدين العام الفلسطيني عاماً بعد أخر نتيجة استمرار أزمة الحكومة المالية، والتراجع الكبير في المساعدات الخارجية، ومواصلة الاحتلال الإسرائيلي باقتطاع أموال المقاصة، وتراكم الفوائد الخاصة بالقروض الحكومية المأخوذة من البنوك المحلية.

ووفق بيانات وزارة المالية وصل الدين العام إلى قرابة 12.54 مليار شيكل لنهاية 2022 قرابة 9.9 مليار شيكل محلي، و4.6 مليار شيكل خارجي.

أسباب الارتفاع

وقال الخبير الاقتصادي طارق الحاج إن “ارتفاع الدين العام في فلسطين مرتبط بعدة أسباب، تتعلق بشح الموارد، وعجز دائم في الموازنة الحكومية، ولجوئها للاقتراض من الداخل والخارج، والاقتطاع الإسرائيلي الدائم من أموال المقاصة”.

وأضاف الحاج في تصريح لشبكة مصدر الإخبارية إن” العامل الأول يتعلق بشح الموارد مع سيطرة الاحتلال الإسرائيلي على أكثر من 65% من مساحة الضفة الغربية ومنع الفلسطينيين من الاستفادة من ثرواتهم لاسيما في المنطقة ج، بالإضافة للحصار المستمر لقطاع غزة، واستهداف المرافق الاقتصادية بشكل متكرر خلال الحروب”.

وأوضح الحاج أن الموازنة الفلسطينية تعاني دائماً من عجز دون توفر أي فائض، ما يدفع بالحكومة للاقتراض لسداد التزاماتها، لكنها تعجز عن التسديد في التواريخ المحددة ما يؤدي لتراكم الفوائد عاماً بعد أخر”.

وأشار الحاج إلى أن “اعتماد فلسطين على المساعدات الخارجية كإحدى الدول النامية التي لا تستطيع نمو اقتصادي ملموس ساهم بتعميق الأزمات المالية فيها وتراكم الديون عليها، خاصة مع توقف بعض الدول عن تقديم الدعم والمنح بنسبة 100%”.

ولفت الحاج إلى أن “أموال المقاصة والضرائب الداخلية تحولت إلى مصدر رئيسي لتغطية نفقات الحكومة، ويقتطع الاحتلال منذ حوالي خمس أعوام 50 مليون شيكل شهرياً ورفعها مؤخراً إلى 100 مليون ما عمق من أزمة الحكومة المالية وحجم الديون عليها”.

وتابع الحاج أن” الحكومة لم تعد باستطاعتها الاعتماد على الموارد الداخلية من خلال توسيع قاعدة الضرائب مع وصولها للحد الأقصى وعدم قدرة المواطن الفلسطيني على دفع المزيد في ظل وقوعه تحت الاحتلال وحرمانه من أبسط حقوقه في ممارسة المهن والاستثمار وإقامة المشاريع بحرية”.

واكد الحاج على أن “عدم امتلاك فلسطين أي أموال وأملاك سيادية لم يترك خياراً نحو الحكومة سوى الاقتراض لدفع رواتب الموظفين وتوفير حاجات المواطنين وتوفير الخدمات”.

وشدد على أن “الأزمة المالية في فلسطين لها خصوصية مرتبطة بوجود الاحتلال الإسرائيلي، وعدم التحكم بالثروات، وربط المسار السياسي الغائب منذ زمن عن الساحة بنظيره الاقتصادي”.

أرقام أعلى بكثير

بدوره، رأى الخبير الاقتصادي سمير الدقران أن “الدين العام يفوق بكثير الأرقام المعلنة من وزارة المالية برام الله”.

وقال الدقران في تصريح خاص لشبكة مصدر الإخبارية إن “الدين المستحق لهيئة التقاعد الفلسطينية عل السلطة يصل إلى 20 مليون شيكل”.

وأضاف الدقران أن “الحكومة الفلسطينية لا تطالب للأسف بحقوقها الاقتصادية الممنوحة لها بناءً على اتفاق باريس الاقتصادي، وينص على حقها بالاستفادة من الثروات بمختلفها”.

وأشار الدقران إلى أن” الحكومة ليس بمقدورها لا الاستفادة من الغاز في البحر، أو الاكتشافات النفطية في الضفة، أو الفوسفات من البحر الميت، ولا الأراضي الزراعية خاصة المنطقة ج وغيرها، ما يضعها بأزمات مالية متراكمة”.

وأكد الدقران أن “الأرقام المعلنة من وزارة المالية بحاجة لإعادة دراسة والإعلان عن حقيقة الأرقام المتراكمة على الحكومة الفلسطينية ووضع خطة واضحة لإنهائها”.

وتابع الدقران أن “الحكومات الفلسطينية اعتادت على ترحيل أزماتها المالية دون تقديم أي حلول”.

وشدد الدقران أن” تسليم الحكومة والسلطة بالسماح لإسرائيل باقتطاع أموال من المقاصة دون القيام بخطوات حقيقية لإلزامها باتفاق باريس الذي ينص على اقتصار دورها على جمعها مقابل عمولة 3%، دون تأجيل أو اقتطاع أي جزء منها”.

ودعا الدقران إلى ضرورة توفير خطة للتعامل مع الأزمة المالية في فلسطين، وتفعيل لجان لضبط اللجان، وتعزيز الواردات على اعتبار أن أموال المقاصة المصدر الرئيسي لتغطية النفقات الحكومية، والاتجاه نحو دول العالم للضغط على إسرائيل فيما يتعلق باستغلال الثروات.

التواصل مع القنوات الصحيحة

من جهته أكد الخبير الاقتصادي خليل النمروطي، أن حل الملفات المالية بين السلطة والاحتلال الإسرائيلي ليس بالأمر السهل، كونه يتطلب من الفلسطينيين تقديم أدلة دامغة حول حجم الضرر الواقع عليهم من هذه القضايا، لاسيما على صعيد عمل المؤسسات الرسمية، والوضع المعيشي للسكان والأزمات.

وقال النمروطي في تصريح سابق لشبكة مصدر الإخبارية، إن السلطة بحاجة للتواصل مع القنوات الصحيحة القادرة على الضغط على الاحتلال لإلزامه الملفات المالية العالقة.

وأشار النمروطي، إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يحقق أرباح إضافية أخرى من خلال الاقتطاعات الشهرية لأموال المقاصة عبر تشغيلها في المصارف وتقديمها كقروض واستخدامها في معاملات بنكية مقابل فوائد.

ولفت النمروطي إلى أن حل الملفات المالية العالقة مع الاحتلال ليس بالسهل ولا بالمستحيل من خلال التنسيق القوي مع القنوات الصحيحة من منظمات المجتمع المدني والهيئات الحقوقية والمؤسسات الدولية الرسمية من خلال تقديم أدلة دامغة حول تأثير الخصومات على الاسر التي تمنع عنها، ومساهمتها في تفشي الأزمات وعلى رأسها مشاكل البطالة والفقر والصحة.

وأكد النمروطي أن الأمر يحتاج أيضاً لإجراء تعديلات في اتفاق باريس الاقتصادي المنظم للعلاقات الاقتصادية بين السلطة والاحتلال بالتنسيق أيضاً مع الرباعية الدولية، والمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والبنك الدولي، ودول الاتحاد الأوروبي.

ولا تشمل أرقام الدين العام، قيمة المتأخرات المتراكمة على الحكومات الفلسطينية المتعاقبة، والبالغة حتى نهاية العام الماضي 11.2 مليار شيكل.