خيارات السلطة الفلسطينية في مواجهة الضغوط
انتحار شعبي أم كارثة سياسية؟

أقلام-مصدر الإخبارية
خيارات السلطة الفلسطينية في مواجهة الضغوط.. انتحار شعبي أم كارثة سياسية؟ بقلم د. جميل مجدي باحث في الشؤون الفلسطينية
تزايدت في الأشهر الأخيرة الدعوات الإسرائيلية للسلطة الفلسطينية بضرورة استلام زمام المبادرة في التعامل مع الحالات النضالية التي يمثلها شباب فلسطيني منتفض في الضفة الغربية، وتحديدًا في محافظتي نابلس وجنين، ومع هذه الدعوات انطلق سيلٌ من التهديدات الإسرائيلية باقتحام هذه المحافظات، على غرار ما حدث فيما يسمى عملية السور الواقي قبل عقدين من الزمن، عندما اجتاحت إسرائيل مدن الضفة الغربية كافة، ونفذت عمليات عسكرية تتخلها عمليات إعدامٍ جماعي للشباب الفلسطيني وتدمير واسع النطاق للبنية التحتية الفلسطينية.
اللافت هنا أن هذه الدعوات والتهديدات جاءت في ظل انسدادٍ كاملٍ للأفق السياسي، وانهيار للعملية السياسية التي كانت قائمة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية، وهو السبب الأساسي الذي ساهم في بلورة حالاتٍ نضاليةٍ لشبابٍ فقد كل أملٍ في مستقبلٍ واعدٍ ضمن سياقٍ تحرري، على اعتبار أن إسرائيل اغتالت حل الدولتين الذي يمثل ركيزة العملية التفاوضية التي امتدت لعقود، وتراجعت الولايات المتحدة الأميركية عن دورها الراعي لعملية التسوية، من خلال تبني الموقف الإسرائيلي من قضايا الوضع النهائي، وإعلان ما يسمى بصفقة القرن التي تُجهز على أحلام الفلسطينيين في الحرية والاستقلال الوطني.
تتزامن التهديدات والدعوات الإسرائيلية مع ضغوطٍ هائلةٍ تتعرض لها السلطة الفلسطينية من قبل الولايات المتحدة من جهة، والأوروبيين من جهةٍ ثانية، وأطراف أخرى ترى ضرورات الهدوء في الساحة الفلسطينية لاعتباراتٍ تتعلق بمصالح بعض الدول وبقضايا تتعلق بالأمن الإقليمي، والمتاح هنا هو صفقة غابت فيها الموضوعية وانتقلت إلى ما يمكن تسميته “الوقاحة السياسية”، فالمطلوب هو أن تواجه السلطة وأجهزتها الأمنية الحالات المنتفضة من الشباب الفلسطيني، وتخوض معركة يكون طرفاها فلسطينيين، مقابل استعادة أموالٍ فلسطينيةٍ تنهبها أو تصادرها حكومة تل أبيب، وتوفير بعض الانفراجات الاقتصادية، دون أن يتطرق أحدٌ للمسار السياسي أو التفاوضي، ولو على شكلٍ وعودٍ يصعُب أو يستحيل تنفيذها!
اقرأ/ي أيضا: ترجمة خاصة: انهيار السلطة الفلسطينية لن يوقف “الإرهاب”
تفيد التقارير التي تناولتها بشكلٍ واسعٍ منابر أمريكية أن وزير الخارجية الامريكي انتوني بلينكين ومدير الاستخبارات وليام بيرنز دفعا بقوة باتجاه الضغط على الرئيس محمود عباس كي يتولى نيابة عن الإسرائيليين معالجة التصعيد في المقاومة في مدينتي جنين ونابلس حصرًا، والمقصود هنا هو مواجهة تنظيمات محددة هي على الأرجح كتيبة جنين وتنظيم عرين الأسود والذي تعتبر مدينة نابلس معقله الأساسي.
لا يمكن التنبؤ حاليًا بالطريقة التي يمكن عبرها للمنظومة الأمنية الفلسطينية مقاومة هذه الضغوط، خاصة وأنها لا تنتهي بعمليةٍ سياسيةٍ تفاوضية، وإنما مقايضة خاصة يقترحها الأمريكيون لتفعيل وتنشيط ما يسمونه ببرنامج التهدئة، والذي يعني مقاربة بموجبها تخوض المنظومة الأمنية الفلسطينية (المترنحة أصلًا) مواجهات أهلية قد تنتهي بانتحارٍ سياسي.
تقترح الخطة أو الوصفة الأمريكية ببساطةٍ شديدة، حسب مصادر مطلعة، تمويل وتسليح وتدريب مجموعات من الأمن الخاص تتبع السلطة الفلسطينية، وتتولى ضبط الأمن في مدينتي نابلس وجنين، مقابل تحييد الجيش الإسرائيلي عن خوض جولات قتالٍ في المحافظتين، وعودة التنسيق الأمني لكي يطال المدينتين ولاحقًا مدن أخرى من بينها مدينة الخليل، لكن هذه الخطة الطموحة أميركيًا هي المطروحة على الطاولة امام الرئيس عباس والثمن الوحيد الذي يعرض عليه مقابل إعلان التزامه بها هو تحويل بعض الرواتب والغاء العقوبات المالية الإسرائيلية، وبالمقابل منع القوات الأمنية الإسرائيلية من الاقتراب من المدينتين والعمل على تهدئة طويلة الأمد تعود تحت عنوان تنشيط التنسيق الأمني.
هل ستقبل السلطة الفلسطينية هذا الدور في هذه المرحلة الحساسة، ومع انعدام الأمل في تحقيق أية إنجازاتٍ سياسيةٍ على الأرض؟، المفروض أن تقرر أو يقرر قادة الأجهزة الامنية الفلسطينية موقفهم من هذه المقايضة التي لا يمكن القول بأن حكومة الفاشيين في إسرائيل تضمنها أو تدعمها، فهل تختار السلطة مواجهة داخلية تنتهي بانتحار شعبي أم تختار المواجهة المحتومة مع حكومة الإرهاب اليميني في تل أبيب حتى لو كلّف الأمر المزيد من الكوارث السياسية؟.