تقدير موقف: حرب علنية بين عناصر MI6 وعناصر الاستخبارات الإيرانية في قلب طهران

تقدير موقف- بقلم معتز خليل:

في صباح يوم السبت الموافق الرابع عشر من يناير الجاري أعلنت إيران عن تنفيذ حكم الإعدام بحق نائب وزير الدفاع السابق علي رضا أكبري، بتهمة التجسس لصالح بريطانيا.
العملية تثير الكثير من التساؤلات خاصة وأن :
1- المتهم ليس بالشخصية العادية، ولكنه كان نائبا لوزير الدفاع في دولة قوية مثل إيران؟
2- كان الراحل رضا أكبري من القيادات العسكرية القوية ، حيث شارك في حرب الثماني سنوات بين ايران والعراق وشغل منصب نائب وزير الدفاع للشؤون الخارجية بناء على توصيات من القيادات العسكرية الإيرانية.
3- الكفاءة التي يتمتع بها أكبري جعلته آيضا يشغل بعض من المناصب ومنها ، عضوية الامانة العامة للمجلس الاعلى للأمن القومي ومستشار قائد البحرية الإيرانية ومسؤول الشؤون الدفاعية والامنية في مركز ابحاث وزارة الدفاع ومندوب الأجهزة العسكرية في تنفيذ قرار 598 الأممي لوقف إطلاق النار بين إيران والعراق.
4- رغم الكفاءة التقنية التي تسعى دوما لندن إلى اظهارها في عمل أجهزتها ، إلا أن عملية “أكبري” تحديدا تشير إلى استحالة أو صعوبة الاستغناء عن العميل البشري ، الذي يمثل أهمية كبيره من أجل قطف المعلومات والاستحواذ عليها أمنيا.
ما الذي يجري؟
تحليل مضمون بعض من التقارير سواء الإيرانية أو الدولية يزعم تجنيد “أكبري” لأول مرة من قبل عناصر عناصر MI6 خلال مؤتمر دبلوماسي وبدأت الاستخبارات البريطانية تجنيده من خلال السفير البريطاني وضابط استخبارات. في ذاك المؤتمر حضر سفراء عدد من الدول تقدم السفير البريطاني ومعه شخص آخر وأعطاه بطاقة تحمل أرقامهم.. وتمت دعوته للسفارة البريطانية.
التحليل أيضا يشير إلى أن البريطانيين اتصلوا بعميلهم “أكبري” من رقم مجهول، وعرفوا نفسهم بأنهم من طرف السفير البريطاني ومن ثم رتبوا لقاء له مع السفير البريطاني. وبعد مدة أمنوا لاكبري تأشيرة دخول الى بريطانيا بطريقة سرية ، وصارحوه بانهم ينتمون لجهاز الاستخبارات البريطاني واعطاهم الموافقة بالعمل معهم . اول الخطوات كانت إعطائه جهاز لابتوب ضمن محتوياته صفحة ما ان يضغط عليها لفتحها سوف يعلم جهاز الاستخبارات البريطاني بانه يريد التواصل معهم .
بالتوازي مع مل ذلك تكررت لقاءات علي اكبري بعناصر المخابرات البريطانية ، وخلال عامين ارتبط بمشغل في المخابرات البريطانية يدعى “ماركو”، وكانت اللقاءات بين اكبري وماركو تتم في اسبانيا. ثم انتقل للتعامل مع المشغلة “جيسكا” عام 2012 بعد ان جرى اول لقاء بينهما في بريطانيا وبقي على تواصل معها لمدة 20 شهرا.
النتائج الاستنتاجية لهذه التقارير الإيرانية تحديدا يشير إلى :
1- هناك عدد من السفراء البريطانيين يشغلون مناصب غير معلنه ويقومون بمهام أمنية سرية لصالح لندن ولصالح جهاز MI6.
2- عدد من السفراء البريطانيين في العالم ينظر لهم في كثير من الأوقات بعين الارتياب والقلق ، ومثال ذلك السفير البريطاني في أحد الدول المركزية في الشرق الأوسط ، والذي كان يثير بتغريداته عبر موقع تويتر جدالا واسعا في صفوف العناصر الأمنية بهذه الدولة و حيث كان يستيقظ مبكرا مثلا ليذهب لتناول الإفطار الشعبي من على عربات الفول والفلافل بهذه العاصمة ، ويحرص على عرض صوره وهو يتناول الإفطار من على العربات بصورة أشعرت قيادات أحد الأجهزة الأمنية في هذه الدولة بالقلق الشديد ، وهو ما دفعها لانتقاد سلوكياته وحواراته مع شعب هذه الدولة.
مهام سرية
غير أن السؤال الدقيق حاليا يتمثل في المهام التي كان عناصر MI6 يرغبون في معرفتها من “أكبري” خاصة وأن الحديث يتمثل في قيادة عسكرية متميزة لها قدرة على الوصول إلى معلومات حساسة تفيد لندن وأجهزتها الأمنية.
تحليل مضمون اعترافات “أكبري” تشير إلى أن الاستخبارات البريطانية طلبت منه معلومات عن العالم النووي “محسن فخري زاده” الذي تم اغتياله في عملية معقدة عام 2020، وهي العملية التي اشارت ايران وقتها انها جاءت حصيلة تعاون أجهزة استخبارات عديدة . قد يكون اكبري قد ساهم في عملية الاغتيال هذه من خلال المعلومات التي قدمها.
وكان ” زاده ” بمثابة العقل المدبر لجهود إيرانية سرية لإنتاج أسلحة نووية.
ولم يقتصر اهتمام جهاز الاستخبارات البريطاني على فخري زاده و حيث طلبوا من “اكبري” معلومات حول :
1- طرق ايران في الالتفاف على العقوبات الغربية المفروضة عليها.
2- معلومات حول الشخصيات المؤثرة في النظام.
3- معلومات حول الأوضاع الداخلية في البلاد ورد الفعل الإيراني تجاه أي تطور اقليمي أو دولي
دقة هذه القضايا تنحصر في :
1- الكثير من دول العالم تعرف إن إيران تلتف على العقوبات الغربية المفروضة عليها ، غير إنها لم تكن تعلم تفاصيل هذا الالتفاف ، خاصة مع تغير الاستراتيجيات الإيرانية للالتفاف على العقوبات الغربية ، بصورة أصابت الأجهزة الأمنية الغربية المعنية برصد الأوضاع في إيران بالحيرة والتخبط ، وبالتالي كان يجب معرفة تفاصيل المناورات الإيرانية للالتفاف على العقوبات من شخص مسؤول بحجم أكبري.
2- هناك تقارير سرية طحت أسم بريطانيا باعتبار وجود عناصر إيرانية على أراضيها تقوم بخدمة الجمهورية الإسلامية في الالتفاف على العقوبات ، وهو أمر أثار حفيظة بعض من كبار المسؤولين البريطانيين عندما طحت دوائر أميركية وإسرائيلية عليهم هذا الأمر.
3- غابت عن الأجندة الأمنية الإيرانية معلومات عن الكثير من الشخصيات الأمنية المهمة في طهران ، وهو ما دفع بالاستعانة ب”أكبري” لمعرفة هذه المعلومات.
بعض من وسائل الإعلام الصادرة بالعربية في لندن ، وهي مقربة من إيران، قالت صراحة إن إيران ألقت القبض على أكبري عام 2008 ، ومن ثم تم الإفراج عنه بصورة مشروطة، وذهب الى بريطانيا بخطة من الاستخبارات البريطانية التي كانت تخشى ان يكشف امره .. لذلك ابتدعت المخابرات البريطانية خطة تقنع بها السلطات الإيرانية بان اكبري أصيب بجلطة دماغية ليتمكن من البقاء في الخارج ، ولتتمكن تحت هذه الذريعة من اخراج عائلته من ايران.
وفي النهاية أوقعت الاستخبارات الإيرانية العميل اكبري في الفخ في عام 2019 بعد عملية متابعة ومراقبة سرية طويلة الأمد، وحكم عليه بالإعدام بتهمة التجسس والافساد في الأرض.
تاريخ من العلاقات المتوترة
يمكن القول بأن التاريخ البريطاني للعلاقات مع الجمهورية الإسلامية في إيران ملئ بالتوتر ، وهو التوتر الذي سعت بعض من المواقع الالكترونية العربية الصادرة في لندن بدعم إيراني إلى نشره ، ويمكن تلخيص هذا التوتر في النقاط التالية:
1- في فبراير شباط 1989 – الزعيم الأعلى آية الله روح الله الخميني يهدر دم الكاتب البريطاني سلمان رشدي بتهمة ازدراء الإسلام في كتابه “آيات شيطانية”، مما دفع بريطانيا إلى قطع العلاقات الدبلوماسية في مارس آذار.
2- عام ١٩٩٤ بريطانيا تتهم إيران بالتواصل مع الجيش الجمهوري الأيرلندي المحظور، وهو اتهام تنفيه إيران لكن العلاقات تزداد سوءا. وتبادلت إيران وبريطانيا طرد دبلوماسيين بسبب مسألة الجيش الجمهوري الإيرلندي
3- في عام ١٩٩٩ أعلنت إيران عن رفع العلاقات بين طهران وبريطانيا إلى مستوى السفراء.
4- سبتمبر أيلول 2001 – وزير الخارجية البريطاني جاك سترو يزور إيران لتعزيز تحالف دولي “لمكافحة الإرهاب” بعد هجمات 11 سبتمبر أيلول 2001 على الولايات المتحدة.
5- في عام ٢٠٠٤ إيران تحتجز ثمانية عسكريين بريطانيين بتهمة التسلل إلى مياهها من العراق قبل إطلاق سراحهم لاحقا.
6- في عام ٢٠٠٥ بريطانيا قالت إن هناك دليلا على أن إيران أو جماعة حزب الله اللبنانية التي تدعمها هي مصدر التكنولوجيا المستخدمة في قنابل مزروعة على جوانب الطرق استهدفت جنودا بريطانيين في العراق، وهو ما نفته طهران. وفي العام نفسه، اتهمت إيران بريطانيا بالوقوف وراء تفجيرات أسفرت عن مقتل ستة في إيران. ونفت لندن ذلك.
7- في مارس آذار 2007 – القوات الإيرانية تحتجز ثمانية بالبحرية الملكية وسبعة من مشاة البحرية من زورق دورية في ممر شط العرب المائي الفاصل بين إيران والعراق. وإطلاق سراحهم في أبريل نيسان.
8- في يونيو حزيران 2007 – وزارة الخارجية الإيرانية تستدعي السفير البريطاني للاحتجاج على منح وسام فارس لسلمان رشدي.
9- في يونيو حزيران 2009 – بريطانيا تجمد أصولا إيرانية بموجب عقوبات غربية مفروضة بسبب برنامج إيران النووي. وفي الشهر نفسه، تحتج بريطانيا لدى إيران بعد أن وصف الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي بريطانيا بأنها “أكثر أعداء إيران غدرا”. وتتبادل لندن وطهران طرد دبلوماسيين.
10- في يوليو تموز 2009 – إيران تفرج بكفالة عن آخر إيراني من أصل تسعة عملوا في السفارة البريطانية، وكانت قد ألقت القبض عليهم في يونيو حزيران للاشتباه في تورطهم في اضطرابات أعقبت الانتخابات الإيرانية.
11- في بريطانيا تفرض عقوبات مالية على إيران، وتأمر جميع المؤسسات المالية البريطانية بوقف التعامل مع نظيراتها الإيرانية والبنك المركزي الإيراني. فيما يوافق مجلس صيانة الدستور الإيراني على مشروع قانون طرحه البرلمان لخفض العلاقات مع بريطانيا.
12- في عام ٢٠١٥ توصلت إيران إلى اتفاق نووي مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وروسيا والصين. وبموجبه، وافقت إيران على كبح برنامجها النووي مقابل رفع العديد من العقوبات الأجنبية. وأعادت طهران فتح سفارتها في لندن بعد ساعات من استئناف بريطانيا العلاقات الدبلوماسية.
13- في أبريل نيسان 2016 – إيران تعتقل البريطانية الإيرانية نازانين زاغاري راتكليف، التي كانت تعمل في مؤسسة طومسون رويترز، وهي مؤسسة خيرية تعمل بشكل مستقل عن طومسون رويترز وخدمتها الإخبارية رويترز. وأدينت فيما بعد بالسعي للإطاحة بالحكام من رجال الدين، وهي تهمة نفتها.
14- في مايو أيار 2019 – علق موقع تويتر حساب الزعيم الأعلى آية الله علي خامنئي بسبب تغريدة قال فيها إن فتوى الخميني ضد رشدي “قائمة ولا رجعة فيها”.
15- في مارس آذار 2022 – زاغاري راتكليف وأنوشه آشوري، وهو إيراني يحمل الجنسية البريطانية، يعودان إلى بريطانيا من إيران.
16- في أغسطس آب 2022 – طعن سلمان رشدي خلال مناسبة أدبية في نيويورك. وتقول وزارة الخارجية الإيرانية إنه لا يحق لأحد توجيه الاتهامات إلى طهران. فيما تشيد عدة صحف إيرانية متشددة بالمهاجم.
17- في أكتوبر تشرين الأول 2022 – بريطانيا تفرض عقوبات على ثلاث شخصيات عسكرية إيرانية وشركة لتصنيع المواد الدفاعية لتزويد روسيا بطائرات مسيرة تستخدمها لضرب أهداف في أوكرانيا.
18- في نوفمبر تشرين الثاني 2022 – قال رئيس جهاز المخابرات الداخلية البريطاني إن أجهزة المخابرات الإيرانية حاولت عشر مرات على الأقل خطف أو قتل مواطنين بريطانيين أو أفراد مقيمين في بريطانيا.
19- في ديسمبر كانون الأول 2023 – الحرس الثوري الإيراني يلقي القبض على سبعة على صلة ببريطانيا على خلفية احتجاجات مناهضة للحكومة.
20- في يناير كانون الثاني 2023 – إيران تحكم بالإعدام بتهمة التجسس على المواطن البريطاني الإيراني علي رضا أكبري، المسؤول السابق بوزارة الدفاع الإيرانية. وتقول وسائل إعلام رسمية إنه متورط في اغتيال عالم نووي بارز في إيران عام 2020. بينما ينفي أكبري التهم الموجهة إليه.

تحليل مضمون
قادت بريطانيا الكثير من المحاولات للإفراج عن “أكبري” ، وهي المحاولات التي قادها وزير الخارجية ثم رئيس الوزراء ، فضلا عن جهود أمنية غير أمنية غير معلنة ، الأمر الذي يزيد من دقة هذه الأزمة ، خاصة وآن العملاء الإيرانيين ومن خلال جهازهم الاستخباراتي الذي لا تقارن إمكاناته بالإمكانات الإيرانية استطاعوا تحقيق نقاط في سلة لندن ، وهو ما يزيد من سخونة هذه الحرب بالنهاية.

اقرأ أيضاً: الحركةُ القوميّةُ العربيّةُ في العراق: وجهةُ نظرٍ شخصيّة