كريم يونس.. حاصر السجّان 40 عامًا ولم تغب عنه شمس الحرية

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي

كريم يونس، خرج من بيته ذات يومٍ قاصدًا مقاعد دراسته الجامعية، كحال أقرانه ممن هُم في عُمره، قبل أن تُحوّل دولة الاحتلال حُلمه بالتخرج إلى أمنياتٍ بالتَحرر بعد سنواتٍ عِجافٍ قضاها خلف الزنازين.

يَصفه مقربون، بأنه “كان يُحاصر سَجّانه، ويفرض نفسه بشخصيةٍ متزنةٍ قادرة على فعل المستحيل، تمكن مِن تحويل جدران زنزانته إلى أحجارٍ ناطقة، تُخاطب روحه وتسمو بمشاعره نحو شمس الحرية الموعودة”.

يقولون: “دخل السجن وهو في رَيعان شبابه، وسيخرج منه شيخًا مناضلًا، بعدما مثّل أيقونةً فلسطينيةً فريدةً، ونهض كطائر الفينيق من بين الركام والزنازين، ليصنع حُلمًا جديدًا بين عائلته ومحبيه”.

حرية موعودة

يقول نديم يونس: إن “شقيقه “كريم” استلم اخطارًا خلال الأشهر الماضية، يُفيد بإنهاء محكوميته بعد أربعين عامًا في سجون الاحتلال الإسرائيلي منذ تاريخ السادس من كانون الثاني (يناير) 1986، على أن يكون تاريخ الإفراج عنه غدا الخميس”.

وأضاف في تصريحاتٍ خاصة لشبكة مصدر الإخبارية: “أخبرته إدارة مصلحة السجون وجهاز المخابرات (شاباك) بتحرره غدا الخميس، شرط عدم الاستقبال الحار المصحوب بأعلام فلسطين والجماهير، بما يُشكّل استفزازًا لسُكان المستوطنات المُقامة على أراضي المواطنين” وفق زعمهم.

وأكد أن العائلة “لن ترضخ لإملاءات الاحتلال لأننا خُلقنا أحرارًا، سنحشد الجماهير، ونرفع الأعلام، وصور الأسرى في سجون الاحتلال، مع دعواتنا الصادقة لهم بالحرية والانعتاق من زنازين الظلم الإسرائيلية”.

وأردف أن “العائلة تُواصل تجهيزاتها لاستقبال كريم، حيث تنتظره حياةً سعيدةً مع عائلته، التي يعتزم تكوينها فور خروجه من سجون الاحتلال، أُسوة بباقي الأسرى في سجون الاحتلال”.

وأوضح أن العائلة “واجهت صعوبات في إقامة مراسم الاستقبال في أي من قاعات المناسبات في المدينة، نظراً لمنعها من قِبل سلطات الاحتلال، ولجأنا إلى الطُرق البديلة المتمثلة في إقامة الخِيم الكبيرة، بحيث تتسع لآلاف المهنئين بحرية عميد الأسرى الفلسطينيين، بما يشمل تقديم الضيافة والاحتفال بحضور المحبين والزائرين”.

تُوفيت وهي تنتظر حريته

يقول نديم يونس إن “سلطات الاحتلال كانت تسمح لوالدته بزيارته بين فَتراتٍ متقطعة، وعلى رغم مشقة الزيارة وإجراءات الاحتلال العنصرية، إلا أنها كانت تشعر بسعادة غامرة تُنسيها وضعها الصحي، وبرودة الطقس، وهُموم الحياة”.

وأضاف أنه “في بعض الأحيان، كُنا نُخفي عن الوالدة موعد زيارة كريم، نظرًا لتدهور وضعها الصحي نتيجة سياسات الاحتلال اللاإنسانية، حيث كان يُفرض عليها ساعات انتظار طويلة وإجراءات مُعقدة، حتى توفاها الله قبل بضعة أشهر من تحرره وحَرمه الاحتلال من وداعها”.

واعتبر أن “قدرُنا نحن الفلسطينيون أن نلتقي بأحبتنا وهم تحت التراب نتيجة الاحتلال وحرمان الأسرى حقهم في لقاء عائلاتهم وأطفالهم، إلّا أن كريما سيخرج ويذهب لقبرها ويجلس إلى جانبها، ويُحاورها كما كان دومًا، بما يعكس طبيعة العلاقة الاستثنائية بينه وبين والدته”.

بماذا يتميز كريم يونس؟

يُشير نديم إلى أن “كريم كان البِكر بين الأبناء، ويتميز بذكاءٍ نادر، وشجاعة وشهامة، وجرأة، ما أهلّه لاستخراج رُخصة قيادة آنذاك، وكُنا نعتبره الأب الروحي لنا جميعًا في المنزل، يُدير جميع شؤون البيت، ويُساعد والديه في الزراعة وأعمال المطبخ”.

ويُضيف: “كنت أنظر إليه فأجده يعرف كل الأشياء، كنت أغبطه على ذكائه وحرفيته وكنت أخاطب نفسي قائلًا: متى بدي أكبر وأصير شاطر زي كريم هيك، كان عبقري حقيقي، عنده الحُلول لكل شيء”.

وتابع: “في آخر عامين له، كان طالبًا في جامعة بيرزيت، نَراه كل أسبوعين مرةً واحدة، وباقي الوقت كان مُنشغلًا في دراسته وعَمله الطَلائعي والشعبي والنضالي ضد الاحتلال، إلى أن أُعتقل في سجون الاحتلال حتى يومنا هذا”.

كريم عميد الأسرى
أكد نديم على أن “كريم شكّل حالةً وطنية فريدةً، وخَطّ حريته بعد صمودٍ أُسطوري استمر على مدى 40 عامًا في سجون الاحتلال، والحُكم الأول الصادر في حق كريم كان الإعدام حتى الموت، لكن تم تخفيفه إلى السجن المُؤبد المفتوح مدى الحياة”.

وأضاف: “كان الاحتلال يدّعى أن كريم يُهدد أمن دولة الاحتلال، حيث أدرك أنه لن يتحرر في أي صفقة تبادل للأسرى، لكن سيأتي اليوم الذي يُعانق فيه الحرية رُغم أنف السجّان”.

وأشار إلى أن “كريم أدرك طُول السنوات التي سيقضيها في سجون الاحتلال وأثرها على حالته النفسية والجسدية والصحية، فحافظ على القراءة والكتابة في شكلٍ يومي، كان يُطالع الكُتب، ويُوثّق كل ما يدور حوله، حتى أصدر كتابين من داخل السجن، وشارك في العديد من الدراسات بمختلف المجالات”.

ولفت إلى أنه “كان حريصًا على إتمام دراسته الجامعية، رغم منع الاحتلال له، كما لجأ لتدريس الأسرى ممن لم يتموا مرحلة الثانوية العامة، ولديه اسهامات وطنية مشهودة لدى الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال، ما عزّز من صموده حتى أصبح من أبرز الشخصيات القيادية”.

وختم نديم قائلا إن “كريم حَرصَ على إظهار شخصيته القوية داخل سجون الاحتلال، وكانت تتجلى ملامحها يومًا بعد يوم، واستطاع على مدار 40 عامًا أن يُحافظ على صموده وشموخه وثباته، ما أكسبه حب واحترام جميع الأسرى، كما أن مصلحة السجون كان تهابه بعدما استطاع فرض شخصيةٍ قيادية لها وزنها ومكانتها بين الجميع”.