ياسر عرفات.. الزعيم الغائب الأكثر حضوراً في قلوب شعبٍ وسطور تاريخ

18 عاماً على استشهاده

خاص – مصدر الإخبارية 

تمر اليوم الجمعة، 11 تشرين الثاني (نوفمبر) الذكرى الـ18 على اغتيال الزعيم الفلسطيني الأبرز والقائد الرمز ياسر عرفات “أبو عمار”، ومعها يستذكر الفلسطينيون مسيرته الوطنية وسيرته الإنسانية التي ملك بها قلوب شعب بأكمله.

ياسر عرفات الذي سُطر اسمه في كتب التاريخ بحروف من ذهب، أجمع على حبه وتأييده الملايين وكانت كلمته واحدة موحِدة للصف الفلسطيني على مدار سنوات حكمه ومن قبلها خلال سنوات قيادته للثورة والثوار، وكانت القضية الفلسطينية في وجوده العنوان العريض في جُل المحافل الدولية، وصدى صوته لايزال حاضراً في أروقتها وبين جدرانها.

يستذكر الفلسطينيون شهيدهم ورمز قضيتهم “أبو عمار” اليوم وبعد مرور 18 عاماً على رحيله، مفتقدين وحدة كلمته ووحدة موقفه ووحدة الوطن الذي عانى ولايزال انقساماً طال عمره وامتد 15 عاماً، ملتهماً عدالة القضية الفلسطينية وأطفأ وهج حضورها، وضاعف من تردي أوضاعهم المعيشية والاقتصادية.

ياسر عرفات القائد الغائب الذي لم يزده الغياب سوى حضوراً في قلوب شعبه، يستذكره الفلسطينيون في حياتهم اليومية وفي مناسباتهم الاجتماعية ويجعلون من كوفيته وصوره زينة لأعيادهم وأوقات أفراحهم ويتغنون بكلماته ويتباهون به قائداً وزعيماً زرع في نفوسهم حب الوطن والانتماء لقضيته.

تأتي ذكرى استشهاد أبو عمار الـ18  والوطن يكابد ويعاني ظلم احتلال بغيض، بين استيطان وتهويد وقتل وتشريد في الضفة والقدس المحتلتين، وحصار وحروب متتالية على قطاع غزة، وشعب لسانه حاله يقول “لو كان أبو عمار بيننا لما وصل بنا الحال إلى هنا”.

يمر هذا اليوم وسط احتفالات وطنية بين وقفات ومسيرات ومهرجانات، لإحياء ذكرى زعيم لم تأتِ كتب التاريخ بمثله، ويجمع المؤيد لمواقفه والمعارض لها على أنه الوحيد الذي كان له الأثر الخالد، بدليل أن الطفل الذي لم يبلغ عامه الخمس يتوشح بكوفيته ويرفع صورته عالياً ويتغنى بحروف اسمه.

أبا عمار القائد الإنسان يستذكره اليوم أمهات الشهداء وآلاف الجرحى الذين كان جنباً إلى جنب معهم مقبلاً جراحهم، ويستذكره الطفل والشيخ والنساء اللاتي اعتبرنه أخاً وأباً، مرددين “نحني ونبوس ترابك يا أبو عمار”.

تاريخ الحادي عشر من نوفمبر من كل عام، سيبقى يشكل ذكرى أليمة برحيل قائد خاض نضالاَ تحررياً في سبيل القضية الفلسطينيية لعشرات الأعوام، وواجه في سبيلها معارك سياسية وعسكرية لا حصر لها، حتى انتهت باغتياله “مسموماً” في عام 2004، بعد حصار دام أكثر من ثلاثة أعوام لمقر المقاطعة في رام الله بالضفة المحتلة.

حنكة وإرادة وصمود القائد والشهيد ياسر عرفات كانت دروساً استفادت منها مراحل النضال الوطني منذ انطلاقة الثورة المعاصرة، بعد أن حول الكثير من الانتكاسات إلى انتصارات سجلتها كتب التاريخ وعلقت في أذهان الأجيال.

مسيرته في سطور

ولد الرئيس الراحل ياسر عرفات في القدس في الرابع من آب (أغسطس) 1929، واسمه كاملاً “محمد ياسر” عبد الرؤوف داود سليمان عرفات القدوة الحسيني، وتلقى تعليمه في القاهرة، وشارك بصفته ضابط احتياط في الجيش المصري في التصدي للعدوان الثلاثي على مصر في 1956.

درس أبو عمار في كلية الهندسة بجامعة فؤاد الأول بالقاهرة، وشارك منذ صباه في بعث الحركة الوطنية الفلسطينية من خلال نشاطه في صفوف اتحاد طلبة فلسطين، الذي تسلم زمام رئاسته لاحقاً.

وفي عام 1968 شارك مع مجموعة من الوطنيين الفلسطينيين في تأسيس حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح” في الخمسينات، وأصبح ناطقا رسميا باسمها، وانتخب رئيساً للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية في شباط 1969، بعد أن شغل المنصب قبل ذلك أحمد الشقيري، ويحيى حمودة.

عام 1974  ألقى ياسر عرفات كلمة باسم الشعب الفلسطيني، أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، وحينها قال جملته الشهيرة “جئتكم حاملا بندقية الثائر بيد وغصن زيتون باليد الأخرى، فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

وبصفته قائدا عاما للقيادة المشتركة لقوات الثورة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية، قاد “أبو عمار” خلال صيف 1982 المعركة ضد العدوان الإسرائيلي على لبنان، كما قاد معارك الصمود خلال الحصار الذي فرضته القوات الإسرائيلية الغازية حول بيروت طيلة 88 يوما انتهت باتفاق دولي يقضي بخروج المقاتلين الفلسطينيين من المدينة، وحين سأل الصحفيون ياسر عرفات لحظة خروجه عبر البحر إلى تونس على متن سفينة يونانية عن محطته التالية، أجاب “أنا ذاهب إلى فلسطين”.

وفي الأول من تشرين الأول 1985 نجا ياسر عرفات بأعجوبة من غارة إسرائيلية استهدفت ضاحية “حمام الشط” بتونس، وأدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الفلسطينيين والتونسيين، ومع حلول 1987 أخذت الأمور تنفرج وتنشط على أكثر من صعيد؛ فبعد أن تحققت المصالحة بين القوى السياسية الفلسطينية المتخاصمة في جلسة توحيدية للمجلس الوطني الفلسطيني، أخذ عرفات يقود حروبا على جبهات عدة؛ فكان يدعم الصمود الأسطوري لمخيمات الفلسطينيين في لبنان، ويوجه انتفاضة الحجارة التي اندلعت في فلسطين ضد الاحتلال عام 1987، ويخوض المعارك السياسية على المستوى الدولي من أجل تعزيز الاعتراف بقضية الفلسطينيين وعدالة تطلعاتهم.

وعقب إعلان الاستقلال في الجزائر في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988، أطلق الراحل في الثالث عشر والرابع عشر من كانون الأول للعام ذاته في الجمعية العامة للأمم المتحدة مبادرة السلام الفلسطينية لتحقيق السلام العادل في الشرق الأوسط، حيث انتقلت الجمعية العامة وقتها إلى جنيف بسبب رفض الولايات المتحدة منحه تأشيرة سفر إلى نيويورك، وأسست هذه المبادرة لقرار الإدارة الأميركية برئاسة رونالد ريغان في الـ16 من الشهر ذاته، والقاضي بالشروع في إجراء حوار مع منظمه التحرير الفلسطينية في تونس اعتبارا من 30  آذار 1989.

ووقّع ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق رابين عام 1993، اتفاق إعلان المبادئ “أوسلو” بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة إسرائيل في البيت الأبيض، في الثالث عشر من أيلول، حيث عاد ياسر عرفات بموجبه على رأس كادر منظمة التحرير إلى فلسطين.

وفي العشرين من كانون الثاني 1996 انتخب ياسر عرفات رئيسا للسلطة الوطنية الفلسطينية في انتخابات عامة، وبدأت منذ ذلك الوقت مسيرة بناء أسس الدولة الفلسطينية.

وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد في 2000 نتيجة التعنت الإسرائيلي وحرص ياسر عرفات على عدم التفريط بالحقوق الفلسطينية والمساس بثوابتها، اندلعت انتفاضة الأقصى في الثامن والعشرين من أيلول 2000، وحاصرت قوات ودبابات الاحتلال الرئيس عرفات في مقره، بذريعة اتهامه بقيادة الانتفاضة، واجتاحت عدة مدن في عملية أطلقت عليها اسم “السور الواقي”، وأبقت الحصار مطبقا عليه في حيز ضيق يفتقر للشروط الدنيا للحياة الآدمية.

في 11/11/2004 فارق أبو عمار الحياة في مستشفى “كلامار” العسكري في باريس، نتيجة سم تم دسه داخل جسمه، ولم تتمكن الجهود الطبية من إنقاذ حياته لصعوبة معرفة تركيبة ذلك السم، بحسب التقارير الطبية الصادرة عن المشفى.

في مشهد مهيب شُيع جثمان القائد الزعيم ياسر عرفات امتد من باريس إلى مصر وصولاً إلى أرض الوطن حيث بكته الملايين وتسابق على حمل نعشه الآلاف شاعرين بخسارة قائد بحجم وطن انتموا إليه وانتمى إليهم، وبقي ضريحه مزاراً لكل من يصل مدينة رام الله.