من جورج هادسون إلى حكومة اشتية.. لماذا التوقيت الصيفي والشتوي؟

سعاد صائب سكيك – خاص مصدر الإخبارية

الساعة الآن 12:00 صباحاُ بالتوقيت الشتوي، هذا ما يحدث كل عام عند تغيير الساعة، تبدأ البيوت الفلسطينية والأفراد بمحاولة التأقلم مع التوقيت الشتوي، ويتناقلون فيما بينهم “رجّع الساعة 60 دقيقة لورا”، وتبدأ عملية الإرباك في الأيام الأولى تؤثر على نواحي الحياة والعادات اليومية كافة.

وتماماً يحدث الشيء ذاته مع بداية الربيع وتقديم الساعة 60 دقيقة، ليطول النهار أكثر صيفاً، ما يدعو للتساؤل، لماذا كل هذه “الكركبة”، ومن أين جاءت فكرة تغيير الساعة؟

تاريخ تغيير الساعة

بالعودة للوراء ليس كثيراً عبر الزمن، في عام 1895 اقترح عالم الفلك البريطاني جورج هادسون تأخير وتقديم الساعة حسب متطلبات الكوكب المرتبطة بزيادة الطاقة الإنتاجية للعمال.

وكان التطبيق الأول لها من قبل ألمانيا والنمسا عام 1916، وبسبب كارثة الطاقة في سبعينات القرن الماضي عمد كثير من الدول إلى اتباع هذا النهج في العمل بالتوقيت كل عام.

ولأن الكرة الأرضية تُقسّم إلى دوائر أفقية موازية لدائرة الاستواء “دوائر العرض”، 90 درجة شمالاً و 90 درجة جنوباً، كما درسنا في الجغرافيا إن كنتم تذكرون! وتُقسّم طولياً من القطب الشمالي إلى القطب الجنوبي بخطوط طول عددها 180 شرقاً بالنسبة لخط غرينتش، و180 غرباً، فإن اختلاف التوقيت والساعة من دولة لأخرى يختلف حسب بعدها وقربها من خط الاستواء.

توقيت غريتنش

ولذلك، فإن أغلب الدول في العالم تحدّد فعالياتها على توقيت غرينتش GMT، أو التوقيت الدولي الذي يُتيح لكل دولة معرفة التوقيت بدّقة بعد حسابه تبعاً لمنطقتها الجغرافية، وعلي سبيل المثال حتى لا نطيل عليكم، بلاد الشام تبعد ساعتين عن غرينتش شرقاً، في حين تبعد قطر والسعودية والعراق واليمن ثلاث ساعات شرق غرينتش، وعُمان والإمارات أربع ساعات.

أما باكستان وأفغانستان خمس ساعات، وهكذا إلى أن نصل جزر فيجي والحدود الشمالية الشرقية للاتحاد السوفيتي سابقاً على بعد 12 ساعة من غرينتش.

وجميع هذه المناطق تُشرق عليها الشمس قبل غرينتش، والعكس صحيح إن اتجهنا غرباً، فإن الوقت يتأخر عن غرينتش كما في شرق أميركا أربع ساعات غربا، وغرب أميركا ثمانِ ساعات غرباً.

وحتى لا تتوه عزيزي القارئ، فإن الساعة تغيرت في الدول البعيدة عن خط غرينتش بالدرجة الأولى من أجل زيادة الإنتاج، إضافة إلى أن بعضها يكون النهار فيها طويلاً، والعكس تماماً كلما بعدنا عن خط الاستواء في المناطق الثلجية شديدة البرودة التي يطول ليلها ويقصر نهارها.

وكدول “تابعة” تُغير مناطقنا العربية التوقيت، ومن بينها فلسطين، علماً بأن مصر توقفت عن هذا النهج والإجراء منذ فترة لعدم جدواه، وأثبت عدم فعاليته إلا للدول التي قامت بالتغيير لهدف يخص نظامها الخاص فقط.

تغيير الساعة عملية مربكة موقتاً

وكي نطلع على آثار تغيير الساعة في فلسطين، تواصلنا مع خبير التنمية البشرية صابر أبو الكاس الذي أكد أن تغيير الساعة بتأخيرها أو تقديمها يُربك العديد من الأشخاص في كل مرة، وهو أمر طبيعي لما اعتادوه من روتين في حياتهم اليومية لمدة طويلة تتغير فجأة وتصدم ما تعود عليه.

ويقول خبير التنمية إن “غالبية الأشخاص يشتركون في عملية الإرباك الحاصلة في الأسبوع الأول من تغيير التوقيت”، موضحاً بأن الأمر يؤثر على الشخص وإنتاجيته، وعلى روتينه اليومي وعلى نومه، وأكله، ونشاطه.

وشرح بأن قصر النهار في التوقيت الشتوي يُرغمنا على تغيير نمط الحياة في النهار الطويل الذي اعتدنا عليه، وبالتالي تقليص نشاطات كان لها متسع من الوقت في التوقيت الصيفي، وقد يلجأ البعض للبيتوتية بمعنى إصابتهم بنوع من الاكتئاب أو الكسل في أجواء الشتاء وضيق الوقت.

ومع يوم ينتهي بصلاة العشاء الساعة 6 تقريباً، لفت أبو الكاس إلى أن الإنجاز ربما يكون أقل، في حين هناك فرصة لتحقيق إنجازات أكثر وفق التوقيت الصيفي، ويبدو الأمر جلياً أكثر ليلاً في الشتاء الذي يكون فيه الشارع معتماً الساعة 9 وبارداً ومخيفاً وخالياً من الناس، بينما تضج الشوارع بالناس حتى بعد منتصف الليل عند الساعة 12 صيفاً.

التكيف يحتاج أياماً عدة

وتتغير الساعة البيولوجية للإنسان وأوقات نومه مع الساعة، التي ساق فيها أبو الكاس مثالاً على نفسه وقال “في الصيف أنام بعد 11 أو في تمام 12، بينما في الشتاء قد ينتابني النعس باكراً، نظراً لوقت الليل الطويل، وأخلد للنوم متى شعرت بالتعب أو النعاس، حتى وإن كانت 8 أو 9 مساء”.

وتتفاوت حسب خبير التنمية قدرة التعود من شخص لآخر على تغيير الساعة، التي تبدو صعبة في أول الأيام، إنما موقتة، وعلى رغم ذلك شدد على أهمية التكيف مع الوقت واستثماره، إلى أن يحصل الإنسان على برمجة عقلية وذهنية، وبالتالي يعتاد على الوقت.

وفي سياق متصل، نوه أبو الكاس إلى دراسة أثبتت بأن الوجبات الثقيلة لا تُريح النائم، ونصح بتناول عشاء خفيف ليلاً، وفي وقت مبكر، حتى لا يتعرض لتلبك معوي أو تخمة تُربك نومه.

تغيير الساعة وآراء الناس

وفي إطار استطلاعنا السريع للآراء، سألنا الناس إن كان التوقيت الشتوي حالياً سبب لهم إرباكاً، وماذا يفضلون التوقيت الحالي أم الصيفي؟، أجاب المواطن أبو قصي العامل في شركة محلية بأن التوقيت الشتوي ضيق، ومع أول يوم تغيرت فيه الساعة تأخرت عن الدوام، على رغم تأخيري للساعة.

وأضاف: “تعودت على شيء معين، والآن أنا مضطر لتغييره، كي أعتاد مجدداً عليه”، وتابع: “سأضطر مجدداً للتعود على النمط الأول وهكذا، وهذا شيء مُربك للغاية”.

فيما لم تتأثر انتصار الإفرنجي بتغيير الساعة، وترى أنه لا يُحدث فرقاً معها كرّبة منزل، وتقول “صراحة، قد يمثل الأمر فرقاً لطلاب الجامعات والمدارس”.

وعلى رغم ذلك، ففي رأيها أن التوقيت الصيفي أفضل بكثير، إلا أن نمط تقديم الساعة وتأخيرها في حد ذاته جميل لمن يجلسون في المنزل، فبتغيير الساعة يتغير الروتين اليومي معها، وبالتالي يحدث تغييراً نفسياً.

وكان لرشا أبو شعبان رأي آخر، وقالت: “أعتقد أن تغيير الساعة لا لزوم له، لأنه بالأساس جاء بغرض توفير الكهرباء ولأبعاد اقتصادية تخص الغرب لا بلادنا”.

وأضافت: “محلياً لا شيء يدعو للخوف على الدقيقة أو الساعة”.

ومن تجربتها، أخبرت رشا وهي خريجة من إحدى جامعات بريطانيا وجابت عدداً من البلدان الأوروبية، بأن نمط الحياة والوقت في الدول الغربية مختلف تماماً، وحتى الطقس وبرودته ونزول الثلج والحاجة للمكوث في المنزل، إضافة إلى اختلاف الفصول التي تكتمل بأربعة عند البلدان العربية.

وواصلت “عادة ما يكون النهار طويلاً عندهم”، بحين هناك توازن بين الليل والنهار في أوطاننا العربية، وعبرت عن امتعاضها لتغيير الساعة في فصل غير محبب لديها بالأساس.

وعن سؤالنا لها بهل يحدث تغيير الساعة وفرق التوقيت لديك شيئاً في النفس يشير إلى الاكتئاب أجابت “الاكتئاب موجود بتغيير الوقت وبدون تغييره”، لافتة إلى أن الوضع في غزة يشعرك بالكآبة بكل الأحوال.

وفي السياق، صدمنا “أبو خالد” أحد المواطنين في غزة بإجابته “دائما الوقت هو أغلى ما يملكه الإنسان، لكن في غزة لا قيمه له عندنا سوى أنه يستهلك من أعمارنا الكثير”، وتابع في عبارة مؤلمة “لذا لا فرق لدي بأي تغيير أو توقيت لأن الوقت أصبح مع الحياة أرخص ما يكون”.

فيما أوضحت بنان عبد الكريم بأن الوقت في الشتاء يمر ببطء شديد، والنهار قصير وتظهر العتمة بسرعة مما يُشعِر بالاكتئاب والملل الخمول وأيضاً الجوع، وقالت “أفضل التوقيت الصيفي أكثر، وما يغفر للتوقيت الشتوي هي أجواء الشتاء وطقسه مع المطر”.

ويبقى السؤال رغم كل التعليقات، والأبعاد والآثار، لماذا تتغير الساعة في وطننا، وما فائدتها لنا على وجه الخصوص؟!.

اقرأ أيضاً: ما خطر السهر لما بعد منتصف الليل؟