حماس ستعمل بحرية في دمشق وعند الضرورة ستعمل ضد إسرائيل

أقلام- مصدر الإخبارية

ترجمة معاوية موسى: لم يكن الرئيس السوري، بشار الأسد في يوم من الايام، من أنصار قول الحقيقة دمشق اليوم هي نظام منشغل معظم وقته بالبقاء، وإذا لم يخجل من هم اقوى منه في القيام بتدوير الزوايا والكذب هنا وهناك، فلا يوجد سبب يمنعه من اللجوء إلى هذا السلوك القديم جدا.

منذ وقت طويل قبل نحو 2500 عام كتب المفكر الصيني سون تسو أن فنون الحرب تعتمد على الخداع. عندما تكون مستعدًا للهجوم، تظاهر بأنك لست جاهزا لذلك.

وأضاف الاستراتيجي تسو في كتابه الشهير “فنون الحرب”: عندما تقوم بتحريك القوات، تصرف كما لو أنك لا تفعل شيئا. بالنسبة للأسد البقاء في حد ذاته حرب، والأسد منشغل بالبقاء طوال الوقت، في هذه الأيام يتظاهر على نحو خاص، ومن أجل التغيير، وهذا التظاهر يحصل علنا. يمارس عليه جميع أصدقائه في محور المقاومة ضغوطًا شديدة للتصالح مع قيادة حماس والقبول بعودتها إلى حضن سوريا. الأسد ليس في عجلة من أمره، ولديه أسباب وجيهة لذلك. قبل عقد من الزمان، بينما كان يقاتل من أجل الحفاظ على كرسيه، وفعليا على حياته، كانت قيادة حماس تقيم في دمشق تحت رعايته.

على راسها كان يقف خالد مشعل الذي كان يحمل لقب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. كانت غزة في تلك الأيام فرعاً مهماً ولكن ليست مركز الثقل في القيادة الإقليمية للحركة، أقام مشعل وزملاءه 13 عامًا في العاصمة السورية، بعد أن طردهم الملك عبد الله الثاني من عمان. لقد حصلوا من الأسد ليس فقط على المكان ولكن أيضًا على الدعم المعلن لأفعالهم. ليس هناك شك في أنهم مدينون له بشكر عميق.

الحرب في سوريا لم تكن حربا اهلية خالصة، كانت في جزء منها كذلك فقد قاتل السوريون السوريين بالفعل. لكن كان هناك ما هو أكثر من ذلك. حملت مجموعات من الشباب في المحافظات الكبرى، معظمها من السنة، السلاح وبدأت في قتال الجيش. تحتاج حروب العصابات هذه الى المال. يجب ان يتوفر من يمول السلاح والذخائر، وتدريب الشباب الغير مدربين، وحتى ان يدفع لهم نوع من الراتب. هذا الطرف له مصلحة في إضعاف النظام وإراقة دمه.

وإليكم بعض منها: مجموعة من الدول المجاورة، منها السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة وتركيا. كل منهم، بطريقته الخاصة، قام بتمويل فصيلا ما، أو عدة فصائل، أو منحه شيئًا ما مثل الأسلحة والوسائل القتالية الأخرى، والقواعد التي تعمل بها، والمال أو التدريب العسكري. الحرب هي مهنة ومهنة مكلفة.

في خضم هذه الحرب التي شنها إخوته العرب ضده بلا هوادة، اتخذ قادة حماس قرارًا على عجل، حول اي جانب يتعين عليهم الوقوف معه. لقد كان قرارا صعبا. فمن ناحية، الام سوريا منحتهم البيت. من ناحية أخرى، تقوم بارتكاب المذابح بحق اشقائهم. مشعل وزملاءه قرروا تفضيل الوطن السوري على النظام السوري. وفي سلسلة تصريحات، بعضها باسم مجهول، اتهم النظام بارتكاب مجزرة وجرائم حرب. اعتبر الأسد ذلك بمثابة خيانة. وقال عن مشعل: ” لقد قام بطعننا في الظهر “، وأمر بطرده.

كما كان الحال مع من سبقه من الزعماء الفلسطينيين، بدأ يبحث لنفسه عن مأوى آخر. تنقل بين الدوحة واسطنبول، وفي لحظة غمزت له النافذة الجديدة وغير المتوقعة – القاهرة، حيث تم تعيين رئيس جديد في مصر من جماعة الإخوان المسلمين. لكنه في نهاية المطاف استقر مع زملاءه في الدوحة.

في غضون سنوات قليلة حصلت تغيرات كبيرة في السياسة الإقليمية ومعها موقع خالد مشعل في قيادة حماس. تجند أصدقاء الأسد من أجله وتمكن من التغلب على أعدائه. أرسل حزب الله المقاتلين، وأرسلت إيران مستشارين عسكريين، وأنزل بوتين جنوده على الأرض. تكتل الدول التي سعت للإطاحة به رأت أنه نجا وقررت التحدث معه بلغة ايجابية. حركة حماس ارسلت مشعل إلى البيت، واختير إسماعيل هنية الاكثر اعتدالا وقبولا لرئاسة المكتب السياسي. انتقل الثقل إلى قطاع غزة، بل وحصل انتقال الثقل الى غزة على مزيد من التعزيز. فجأة ظهر زعيم جديد حاد ليس اقل من مشعل يحيى سنوار.

قيادة حماس غيرت وجهها، لكن الأسد لم يغفر لها ذلك لأنها غرست سكيناً في ظهره فيما كانت أعضائه الأخرى تنزف دما امام نظر الجميع، وطوال هذه السنوات بقيت حماس مبعدة من دمشق. بالنسبة للنضال الحماسي، كانت القطيعة مع سوريا نكسة خطيرة له. حماس هي القوة الصاعدة. هي الكيان الفلسطيني الأكثر تنظيما، الايديولوجي والاكثر تقديرا بين أنصار الكفاح المسلح. صحيح أن السلطة الفلسطينية هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، المعترف بها من قبل المجتمع الدولي، لكن إذا سألت الانسان العادي، سيقول انه في ظل الواقع الفلسطيني اليائس اليوم، حماس تمثله عاطفيا أفضل بكثير. أما سوريا فهي أم كل تنظيمات الرفض، تقليديا هي أهم دولة عربية في معسكر المقاومة. ومن الواضح للجميع أن رأب الصدع ضروري للطرفين، وهو مطلوب ايضا سياسياً وعسكرياً. سيستطيع قادة حماس العمل بحرية من دمشق، بالقرب من وطنهم، وجمع الأموال، وإقامة منشآت عسكرية، وعند الضرورة، حتى العمل ضد إسرائيل، وأول من أدرك اهمية ذلك هو حسن نصر الله. تولى مهمة الوساطة واذابة الجليد بين الطرفين. حصل زعيم حزب الله على الدعم من وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، الذي حاول ذلك هو الاخر في القصر الرئاسي السوري. واصل الأسد رفضه بإصرار. صحيح ان القضية الفلسطينية مهمة، لكن شرفه الشخصي أهم منها.

لذلك، كان من المثير للاهتمام متابعة سلوك حماس في هذه القضية في السنوات الأخيرة. وبطريقة غريبة، وليست مناسبة لهم، عاد كبار مسؤولي حماس وكرروا الاعلان، أن اليوم الذي سيعودون فيه الى حضن الام سوريا يقترب شيئا فشيئا. واحدًا تلو الآخر، غالبًا بشكل علني، كان يُسمع قادتهم يدّعون بشغف أنهم توصلوا إلى الموافقة المطلوبة. لكنها حتى الآن، لم تحصل هذه التصريحات على أي تأكيد رسمي من الجانب السوري، ولا حتى تلميح. وصلت الأمور إلى ذروتها الأسبوع الماضي. للمرة الأولى سمح الأسد لممثل حماس بالحضور الى قصره. واستقبل في مكتبه وفدا من رؤساء الفصائل الفلسطينية بينهم أحد قيادات حماس. كان هذا خليل الحية، نائب السنوار في المكتب السياسي للحركة في غزة. الحية شخصية مرغوبة جدا في محور المقاومة، على الرغم من أنه برز من خلال العمل الحزبي وليس من قلب الكفاح المسلح (في شبابه قضى ثلاث سنوات في المعتقلات الإسرائيلية). أضف الى ذلك فهو متعلم (دكتوراه في الدراسات الإسلامية من الجامعة الإسلامية في السودان). قُتل اثنان من أولاده السبعة، بمن فيهم ابنه البكر أسامة، في غارات للجيش الإسرائيلي. ونجا هو نفسه من صاروخ أطلق على منزله في عام 2007، لكن أقاربه قُتلوا هناك. وقد لقي الحية ترحيباً حاراً في القصر الرئاسي بدمشق. وفور انتهاء زيارته، عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه عن طي صفحة الماضي وقال امام عدسات الكاميرا “قررنا استئناف وجودنا في دمشق”.

عبد الباري عطوان، صحفي فلسطيني مخضرم يعمل من لندن، نقل بعد الاجتماع على لسان أحد المشاركين أن الأسد أبلغ ضيوفه أن القطيعة مع حماس قد انتهت. “لقد طوينا صفحة الماضي، ولن نعود الى الوراء “. إلا أن بشار الأسد أصدر ايضا بيانا عن زيارة الممثلين الفلسطينيين، وفيه العجب العجاب – لم يذكر فيه كلمة حماس ولو مرة واحدة. كان واضحا أن الرئيس السوري يحاول جعل حماس تزحف على الارض مرة أخرى في طريقها إليه بسبب الجريمة التي ارتكبتها بحقه في دمشق. الأشهر المقبلة ستكون شاهدا ما إذا كانت هذه الزيارة قد أدت بالفعل إلى دفع المصالحة بين الطرفين، أم أنها مجرد محاولة من بشار للتخفيف قليلاً من ضغط نصر الله عليه، وإلقاء عظمة جافة على قيادة حماس. حتى نعرف، دمشق لا ترد.

سنذهب جميعاً يوم الثلاثاء إلى انتخابات الكنيست، وسوف ندلي بأصواتنا، وبعد ذلك ستحدد النتيجة. سيكون من المثير للاهتمام أن نرى الصراعات الغريزية التي ستاتي بعد ذلك في محاولة تشكيل ائتلاف حكومي جديد. ومع ذلك، إذا كان هناك مسرح مشتعل، غريزي، دموي ومثير للسخرية في الحروب اليهودية، فهو الحروب العربية.

اقرأ/ي أيضًا: الصوت العربي المطلوب لترقيع إسرائيل