عرين الأسود: الظاهرة المحيّرة والمقلقة لإسرائيل
أقلام – مصدر الإخبارية
عرين الأسود: الظاهرة المحيّرة والمقلقة لإسرائيل، بقلم الكاتب والمحلل السياسي أشرف العجرمي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:
لسنوات طويلة خلت ظنّت سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن الوضع في الضفة الغربية المحتلة قد استتب بشكل كامل عدا أحداث عابرة ومؤقتة تحصل بين فترة وأخرى، هذا باستثناء أحداث القدس التي وصلت المؤسسة الأمنية إلى قناعة بشأنها، بأن القدس تمثل العنوان الأبرز الذي يجمع الفلسطينيين حوله، والكفيل بإشعال كل الساحات الفلسطينية بما في ذلك لدى الفلسطينيين في إسرائيل. وأنه يجب عدم إيصال الأمور في القدس وخاصة منطقة الحرم القدسي إلى مستوى استفزاز مشاعر الفلسطينيين بصورة كبيرة، ما يؤدي لاندلاع مواجهات كما حصل إبان محاولات تركيب بوابات التفتيش المغناطيسية، وقرار منع الشبان من التجمع بساحة باب العامود في رمضان.
ولكن المفاجأة كانت كبيرة وصاعقة في التطورات التي شهدتها الضفة الغربية، خاصة نشوء ظاهرة مجموعات فلسطينية مقاتلة يغلب عليها الطابع العلني، حيث قامت بتنفيذ سلسلة من العمليات في الضفة في مناطق متفرقة وبالذات في الشمال بمنطقتَي جنين و نابلس.
المؤسسة الإسرائيلية كانت تعتقد أن بالإمكان القضاء على هذه المجموعات مع الوقت، فغالبية أعضائها معروفون لديها ومطلوبون وتلاحقهم قوات الاحتلال بهدف قتلهم بدرجة أساسية أو بحد أدنى اعتقالهم. غير أن نشوء مجموعة “عرين الأسود” قد اشعل الضوء الأحمر لدى الأجهزة الأمنية والمستوى السياسي في إسرائيل، ليس فقط لنشوء مجموعة قتالية أخرى شبابها مدربون جيداً ولا يهابون الموت وقادرون على تنفيذ عمليات موجعة يسقط فيها قتلى من الجنود الإسرائيليين، بل لأن المجموعة والظاهرة الجديدة التي تختلف عن المجموعات التي سبقتها تتميز بقدرتها على تجنيد الشارع الفلسطيني في كل مكان. والمسألة لم تعد تكمن فيما يستطيع أفراد هذا التشكيل العسكري أن يقوموا به سواء بشكل فردي أو بشكل جماعي يقتصر على حوالى 30 عضواً كما تحصيهم إسرائيل، بل في قوة تأثير المجموعة على شبان آخرين سواء للانضمام للعمل المسلح أم للمشاركة في مواجهات ذات طابع شعبي واسع النطاق.
تجربة التضامن مع مخيم شعفاط ونجاح “عرين الأسود” في تنظيم إضراب شامل شمل كل مناطق الضفة الغربية، وكان الالتزام به كاملاً في معظم المناطق، وحشد الجماهير وخاصة من الشبان للمشاركة في مواجهات في نقاط الاحتكاك والحواجز في أرجاء الضفة وأحياء القدس الشرقية، وضع القيادة الإسرائيلية في حالة ذهول وقلق شديد. فمن ناحية، هذه ظاهرة جديدة لم تكن واردة في الحسبان حتى عندما توقع الإسرائيليون اندلاع انتفاضة ثالثة فكروا فيها بصورة مختلفة أقرب إلى الانتفاضة الثانية، ومن ناحية ثانية، لا يوجد تصور لديها حول كيفية معالجة الظاهرة ومنع انتشارها وتجذرها وتحولها إلى انتفاضة شعبية شاملة بكل معنى الكلمة.
الحيرة الإسرائيلية في فهم ومواجهة ظاهرة “عرين الأسود” تقابلها حيرة لدى الفصائل الفلسطينية، التي هي الأخرى تفاجأت بحجم قوة وتأثير هؤلاء الشبان في الشارع، حيث تحولوا من موضوع للإعجاب إلى نموذج للمحاكاة إلى قوة تأثير هائلة يمكنها أن تحرك الشارع الفلسطيني برمّته. صحيح أن هؤلاء الشباب ينتمون لفصائل فلسطينية قائمة وخاصة حركتَي “فتح” و”الجهاد الإسلامي” وربما ” حماس “، ولكنهم يعملون بصورة مستقلة ومرتجلة تعتمد على مبادرات محلية. وهذا يدفع العديد من الجهات لمحاولة الدخول على هذا الخط من خلال التمويل بهدف السيطرة عليهم وتوجيههم بما يخدم مصالح وأجندات هذه الفصائل وتوجهاتها.
تستطيع إسرائيل بجهد استخباري مكثف وعمليات اجتياح عسكرية، واستخدام وسائل تقنية حديثة بما فيها طائرات دون طيار، أن تصل إلى غالبية أعضاء المجموعات القائمة حالياً والمحصورة العدد في بضع عشرات من المقاتلين، هذا على الأقل ما تظنه المؤسسة الأمنية، ولكن ماذا لو انتشرت الظاهرة وأصبحت في كل مدينة وقرية ومخيم وفي كل حي وزقاق؟ وماذا لو استطاعت أن تلعب دور القيادة الوطنية الموحدة في الانتفاضة الأولى وحركت الشارع لانتفاضة شعبية شاملة؟ فكيف لإسرائيل أن تسيطر على مثل هذا الوضع؟
لو بقيت المجموعات الفلسطينية المسلحة قائمة كما هي اليوم دون حركة شعبية واسعة سيكون عمرها قصيراً، وستنتهي كما انتهت مجموعات كثيرة خلال سنوات الانتفاضة الثانية، ولكنها لو تحولت إلى أداة شعبية هائلة ستضع إسرائيل في مأزق كبير على كل المستويات. فمواجهة جيش الاحتلال المدجج بكل أنواع أسلحة الفتك والدمار لجماهير شعبية عزلاء مختلفة تماماً عن مواجهة مجموعة مقاتلين مسلحين حتى لو كان الثمن في الحالة الثانية سقوط قتلى وإصابات في الجانب الإسرائيلي. ومقتل إسرائيل السياسي والأخلاقي داخلياً وعلى المستوى الدولي في المواجهة مع الجماهير الشعبية. وإذا كانت الفصائل الفلسطينية تريد أن تقدم خدمة لشعبها وأيضاً لهؤلاء الشبان عليها أن تدفع باتجاه انتفاضة شعبية شاملة يشارك فيها الشعب الفلسطيني بكامله وبكل طاقاته. فهذا سيقسم المجتمع الإسرائيلي وسيزيد من حجم الضغوط على إسرائيل، خاصة في هذا الوقت في زمن الحرب الروسية – الأوكرانية أو الغربية الذي ينفضح فيها الغرب الذي يكيل بمكيالين مع خرق حقوق الإنسان. فهل نذهب لتمجيد الشهداء وبطولاتهم أم لإنقاذ شعبنا؟!
أقرأ أيضًا: خطاب لابيد: رسائل عديدة ولكن ليس لنا بقلم أشرف العجرمي