هارتس: النار في الضفة تنتشر إلى القدس

أقلام – مصدر الإخبارية
النار في الضفة تنتشر إلى القدس، بقلم الكاتب الإسرائيلي في صحيفة هارتس عاموس هرئيل، وفيما يلي نص المقال كاملًا:
الدلائل المؤشرة والتي تنذر بالسوء تواصل التراكم. نحن في ذروة سلسلة الاحداث الاكثر صعوبة التي نتذكرها في الضفة الغربية منذ شبه انتفاضة عمليات الطعن والدهس التي بدأت في خريف 2015 وخبت في ربيع 2016. العنف الذي اندلع في شهر آذار الماضي والذي كان يبدو أنه تم وقفه في اشهر الصيف عاد مرة اخرى الى الاشتعال. ورغم تصميم الجيش الاسرائيلي على أن هذه الظاهرة تقتصر على شمال الضفة ومحيط جنين ونابلس إلا أنه يظهر الآن حدوث انزلاق الى مناطق اخرى.
مؤخرا يبدو أن شرقي القدس ايضا يشتعل. هناك خطر من أن الاحداث ستنزلق مرة اخرى الى حدود الخط الاخضر الى درجة حدوث مواجهات محتملة في المدن المختلطة. البشرى السارة الوحيدة هي أن قطاع غزة ما زال يراقب الاحداث عن كثب.
التوتر في القدس ازداد منذ موت الجندية نوعا ليزر، الجندية من كتيبة المعابر التي قتلت في عملية اطلاق النار على حاجز شعفاط في منتهى يوم السبت الماضي. مطلق النار الفلسطيني، عدي التميمي، هرب من المكان بعد أن اطلق الرصاص من مسافة قريبة على الجندية وعلى حارس مدني اصيب اصابة بالغة. منذ ذلك الحين تحدث عملية مطاردة واسعة له التي في اطارها تم فصل مخيم اللاجئين الكبير في شمال القدس عن العالم الخارجي.
من المرجح أن الشباك سيعثر على التميمي، لكن في هذه الاثناء القنبلة الموقوتة ما زالت موجودة في الاحياء الفلسطينية في شرق وشمال المدينة. دليل اول على ذلك سجل أمس، رصاص اطلق على قوة لحرس الحدود على حاجز قلندية؛ تصادف وجود عائلة يهودية في سيارتها داخل جمهور غاضب في بيت حنينا وتم انقاذها بصعوبة، حيث كان زجاج السيارة مهشم؛ رجال شرطة وسيارات شرطة رشقت بالحجارة والقيت عليها الزجاجات الحارقة وعشرات المشبوهين بالتورط في اعمال الشغب تم اعتقالهم.
المواجهات الليلية جاءت في نهاية يوم من الاضراب العام الذي اعلن عنه في شرقي المدينة. افيف سترسكي، العضو في جمعية “عير عاميم” الذي يتابع منذ سنوات الاحداث في القدس يعتقد أن الاضراب يعكس محاولة للانتقال من المظاهرات العنيفة واعمال اطلاق النار الى احتجاج شعبي اوسع، مع توسع ساحة الاحداث من الضفة الى القدس. حسب رأيه، هذا التوجه يضع تحد مزدوج امام قوات الامن الاسرائيلية. اولا، القمع بالقوة لاحتجاج واسع خلافا لمواجهة مع عدد محدود من المشاغبين، يمكن أن يؤدي الى اشتداد المواجهات. ثانيا، في القدس لا توجد امكانية فعلية لعزل المواجهات، لذلك فان هذه المواجهات ستنزلق ايضا الى الاحياء اليهودية.
وزير الامن الداخلي، عومر بارليف، أمر الشرطة بتخفيف الفحص على من يخرجون من مخيم شعفاط نحو رام الله، التي أدت هناك الى اختناقات شديدة مؤخرا. في نفس الوقت تقرر تعزيز قوات الشرطة في القدس وتجنيد اربعة فصائل احتياط من حرس الحدود الذين سيتم وضعهم في حالة تأهب اذا حدثت اعمال عنف داخل الخط الاخضر. في نهاية الاسبوع يتم التخطيط للقيام باجراء مظاهرات احتجاج اولى في الوسط العربي في اسرائيل. في تشاور امني جرى عند رئيس الحكومة يئير لبيد قيل إن حماس والجهاد يحاولان تسخين الاجواء في الحرم بواسطة نشر اخبار كاذبة عن خطوات تقوم بها اسرائيل في الحرم.
لكن هناك خطوة قامت بها اسرائيل حقا، قال تريتسكي، وهي فرض قيود على دخول المصلين المسلمين الى الحرم، الامر الذي يثير الهيجان في شرقي القدس، خاصة بالمقارنة مع التواجد اليهودي المتزايد في الحرم في عيد العرش. جميع هذه التوترات يمكن أن تظهر اليوم الجمعة في وقت الصلاة في المسجد الاقصى. “استخدام قوة امام احتجاج فلسطيني اثناء الصلاة سيكون خطأ كبير يمكن أن يدهور الوضع اكثر”، حذر. صلاة اخرى لليهود في قبر يوسف في نابلس مرت ليلة أمس بهدوء نسبي. الجيش قام بتقييد عدد الداخلين بعد تردد، لكنه تجنب في النهاية الغاء الدخول الى المدينة رغم تزايد التوتر. نحو الحافلة اطلقت النار ولكن لم يكن هناك أي مصابين، وظهر وجود جهود تبذلها الاجهزة الفلسطينية لمنع احتكاك اكبر.
نابلس تعكس حالة مثيرة للاهتمام. ففي الوقت الذي ظهر فيه أن السلطة تنازلت كليا عن محاولة السيطرة على جنين فانه الى الجنوب من هناك هي تدير معركة صد امام تنظيم محلي جديد هو “عرين الاسود”. النشطاء الشباب الذين جاءوا من القرى القريبة من المدينة وتمركزوا في قصبة نابلس القديمة يراكمون لانفسهم نجاحات ومؤيدين. في يوم الثلاثاء الماضي تحملوا المسؤولية عن اطلاق النار الذي قتل بسببه جندي من جفعاتي، الرقيب الاول عيدو باروخ، اثناء القيام بتأمين مسيرة للمستوطنين قرب شفيه شومرون.
على الاقل اربعة اعضاء من التنظيم قتلوا واصيب عشرة في مواجهات مع الجيش في الاشهر الاخيرة. بعض النشطاء تم اعتقالهم من قبل اسرائيل والسلطة. “هذا لا يعتبر تنظيم وبحق، بل هو اكثر حركة شبيبة بحوزتها سلاح”، قال ضابط رفيع في الجيش. “لا توجد أي هرمية أو توجيه من الخارج، بل بضع عشرات من الشباب في اعمار 18 فما فوق مع عين واحدة على “تيك توك”، الذين يفحصون طوال الوقت مدى تأييد الجمهور الذي يحصلون عليه”. التعاطف كبير جدا لأن هذه المجموعة تبني بشكل ثابت صورتها في الشبكات الاجتماعية وفي وسائل الاعلام الفلسطينية. بعد موت الجندي يمكن التقدير بأن اسرائيل ستركز جهود استخبارية وعملياتية اكبر في نابلس، اضافة الى الاعتقالات التي تحدث تقريبا كل ليلة في جنين.
النقاش في مسألة هل الحديث يدور عن انتفاضة ثالثة هو رمزي اكثر مما هو عملي. في الواقع احداث اطلاق النار تحدث كل يوم، ثلاثة جنود ومواطنة اسرائيلية قتلوا في الشهر الماضي (الاسرائيلية قتلت في حولون على يد عامل فلسطيني) واضافة الى ذلك قتل عشرات الفلسطينيين. هذا جدول اعمال مختلف، مكتظ وخطير، ومن المرجح أنه في نهاية المطاف سيكون له تأثير على خطوات المستوى السياسي، بالتأكيد ازاء الانتخابات القريبة.
رئيس الليكود بنيامين نتنياهو يحاول أن يملي الرواية على جهاز الامن حتى الآن بدون نجاح. فهو يجد نفسه وبشكل نادر، يطارد خطوات لبيد. ولكن الآن ربما أنه سنحت له الفرصة. اذا تمكن نتنياهو من أن يركز مرة اخرى النقاش على مسألة الامن الشخصي للمواطنين فان الائتلاف يمكن أن يجد نفسه في مأزق. هذا يمكن أن يحدث بالاساس اذا عاد الارهاب الى داخل حدود الخط الاخضر.
فترات من الارتفاع في العمليات، وحتى احداث معينة، سبق وحسمت مصير التصويت في السابق، في انتخابات 1988 (عملية الحافلة في اريحا التي ساهمت كما يبدو في فوز الليكود)، وفي انتخابات 1992 (قتل الفتاة هيلينا راف في بات يم الذي افاد حملة حزب العمل من المعارضة). في هذه المرة يوجد سبب آخر للقلق، من وجهة نظر كتلة التغيير فان احتكاك عسكري متزايد في المناطق يمكن أن يضر بنسبة التصويت في اوساط العرب في اسرائيل.
لا توجد حقيقة في الاعلام
المحاولة السابقة لنتنياهو لوضع جدول اعمال سياسي حول اتفاق الحدود البحرية مع لبنان فشلت. الجمهور في اسرائيل لم يخرج في هذا الاسبوع الى الشوارع احتجاجا على اتفاق الخضوع الذي حذر منه. أولا، تفاصيل القضية معقدة جدا ويبدو أن الناخب العادي لا يجد نفسه غارقا في نقاش حول تحديد السمت البحري وكيفية حساب اتاوات الغاز المستقبلية. ثانيا، الحكومة لديها حجة جيدة. فخلافا لاقوال نتنياهو لا يوجد هنا تنازل كبير عن مناطق سيادية مقدسة. ثالثا، هناك وزن لوقوف كل جهاز الامن خلف الاتفاق بذريعة أنه يحافظ على المصالح الامنية.
وهو يائس نشر رئيس الليكود مساء امس فيلم فيه لم تسمع تقريبا كلمة واحدة من الحقيقة. لبنان لم يحصل في الاتفاق على 100 في المئة واسرائيل حصلت على لا شيء، كما قال نتنياهو. ايضا التنازل في المياه الاقليمية ضئيل (كل عملية ترسيم للحدود في السابق هي في الاصل خاضعة للتفسير). والامر الذي كان لا اساس له على وجه الخصوص هو تأكيده على أن “يئير لبيد وبني غانتس استجابا لطلب آخر لحزب الله بالسماح لايران في الحق في التنقيب عن الغاز قبالة شواطيء اسرائيل. هم يحضرون ايران الى محاذاة حدودنا الشمالية”. هذا هراء مطلق. بالعكس، الامريكيون اهتموا بأن يدخلوا في الاتفاق بند يمنح حقوق التنقيب فقط لشركات لا تخضع للعقوبات، أي أنها غير مرتبطة بايران بأي شكل من الاشكال.
نفتالي بينت محق. فخطاب لبيد بشأن اتفاق تاريخي مبالغ فيه. ولكن لا يوجد في الاتفاق أي خطر حقيقي على أمن اسرائيل، وايضا لا يوجد فيه أي تنازل جوهري، اقتصادي أو رمزي. في الظروف التي نشأت، حيث التنقيب في حقل “كريش” يمكن أن يبدأ في نهاية الشهر وحزب الله يمكن أن يستغل ذلك الى تدهور امني، فان التوقيع يبدو احتمالية مفضلة. نقطة الضعف هنا هي في الاجراء الذي تم على يد حكومة انتقالية وتم تأجيل المصادقة عليه حتى اللحظة الاخيرة عن طريق ايداع الاتفاق (وليس التصويت) في الكنيست قبل دقيقة من موعد الانتخابات. الحكومة كشفت نفسها بهذا للادعاءات، وما زال من غير الواضح اذا كانت المحكمة العليا ستصادق على ضرورة العملية. ولكن من هنا وحتى الاخبار الكاذبة التي يطلقها نتنياهو دون أن يتراجع فان المسافة كبيرة.
السعي وراء المال
الامر الذي نميل الى نسيانه بالتأكيد في فترة التوتر في المناطق هو أن الاطار القانوني الذي وضع في اتفاقات اوسلو (وفي الاتفاق الاقتصادي في باريس) ما زال ساري المفعول بعد اكثر من 29 سنة. الاقتصاد الفلسطيني في الضفة ما زال يعتمد بشكل كبير على كسب الرزق في اسرائيل، العمل بتصاريح وبدون تصاريح داخل حدود الخط الاخضر وفي المستوطنات. في حين أن الحصار الاسرائيلي (والمصري) لقطاع غزة يملي الظروف الاقتصادية التي يعيش فيها حكم حماس في القطاع. نعم، قرار اسرائيل استئناف دخول 17 ألف عامل من القطاع للعمل فيها بعد العملية العسكرية في آب الماضي، يبدو أنه السبب الرئيسي لحقيقة أن اطلاق الصواريخ من غزة لم يستأنف حتى الآن رغم التصعيد في الضفة.
الاتفاقات بين اسرائيل والسلطة في التسعينيات ابقت الشيكل كعملة قانونية في المناطق الفلسطينية. الطرفان استمرا في الحفاظ على علاقات بنكية من اجل دعم النشاط الاقتصادي المشترك لهما. بنكان في اسرائيل، بنك هبوعليم وبنك ديسكونت، قدما خدمات مراسلة للبنوك الفلسطينية، حيث ادارا لصالحها حسابات من اجل تنفيذ المدفوعات في البلاد. ولكن التغيير الذي بدأ في المناخ العالمي أثر على البنوك في اسرائيل، التي اعلنت في 2016 بأنها تنوي وقف تقديم هذه الخدمات ازاء الاخطار التي تكتنفها.
خلفية القرار ترتبط بالهزة التي احدثها الهجوم الارهابي في الولايات المتحدة في 11 ايلول في 2001. الامريكيون، وفي اعقابهم المنظومة البنكية العالمية، قاموا بالتدريج بتغيير قواعد اللعب وبدأوا في تركيز الجهود على محاربة الشبكات التي تقوم بالتبييض وتضخ الاموال للاغراض الارهابية. في السنوات الاخيرة، الى جانب محاربة منظمات ارهابية اسلامية، فان الولايات المتحدة تقوم بخطوات مشابهة ايضا ضد روسيا. هكذا، هي اخرجت البنوك الروسية من منظومة الدفع الدولية “سويفت”، ردا على غزو روسيا لاوكرانيا في شباط الماضي.
بصورة غريبة بدرجة معينة، ايضا بنوك خاصة في اسرائيل يمكن أن تقع ضحية للتنظيم الامريكي في هذا المجال، رغم أن اسرائيل هي الهدف الاساسي للارهاب الفلسطيني. من هنا ايضا تأتي رغبتها في التوقف عن الانشغال بذلك، خوفا من أن نقل الاموال لاهداف اشكالية يمكن أن يكشفها دون معرفتها على دعاوى مستقبلة كما حدث في عدة مناسبات وبتكلفة عالية.
اسرائيل لا يمكنها أن تسمح لنفسها بقطع العلاقات البنكية لأن الضرر الاقتصادي المتوقع للسلطة يمكن أن ينعكس على استقرارها، ويؤثر بشكل سيء على الوضع الامني في المناطق. ايضا اذا تم وقف علاقات الدفع والمقاصة فمن المرجح أن التنظيمات الارهابية ستجد لنفسها طرق التفالية لنقل الاموال النقدية.
في العام 2018 قرر الكابنت في اسرائيل كبديل انشاء شركة حكومية لتقديم خدمات المراسلة، بحيث تكون تحت سيطرة مباشرة وبملكية كاملة للدولة وتمثل المنظومة البنكية الفلسطينية في منظومة الدفع في اسرائيل. في الشهر الماضي بدأت تعمل باستقلالية كاملة كشركة خاصة. الشركة تديرها الدكتورة غيتيت غور غرشغورن، التي كانت في السابق الاقتصادية الاولى في سلطة السندات، ورئيسها هو المحاسب بني ايال. الحكومة خصصت 72 مليون شيكل لعملية اقامة الشركة. هذا حدث فقط بعد دراما طويلة وراء الكواليس. وزارة المالية قامت بتأخير نقل الميزانية حتى اللحظة الاخيرة. هذه العملية تم القيام بها فقط بتدخل المحاسب العام يهلي روتنبرغ.
المبادرة التي بدأت في فترة نتنياهو تعكس الحاجة الى وجود منظومة علاقات اقتصادية طبيعية بقدر الامكان مع الفلسطينيين حتى في حالة وجود موجات عنف متكررة. على الاقل حتى الآن لم تكن أي حكومة في اسرائيل معنية حقا بتدمير اتفاقات اوسلو وانهيار السلطة (ربما توجد لايتمار بن غبير افكار مختلفة).
اقامة الشركة هي في الواقع عملية تطبيع: ترسيخ علاقات بنكية منظمة بواسطة شركة حكومية، يمكن أن يساعد ايضا في النضال العالمي ضد منظمات الجريمة والارهاب، ومنع تقديم دعاوى ضد البنوك الاسرائيلية. في نفس الوقت توجد هنا محاولة لترتيب حل اكثر نجاعة للتجارة بين اسرائيل والسلطة مع تلبية المعايير المهنية للمنظومة الدولية.
اسرائيل تساعد بذلك في تحسين استقرار اقتصاد السلطة، التي تقلصت ميزانيتها على خلفية الهبوط المتواصل للمساعدات الدولية التي تحصل عليها. ولكن التحدي الملح والفوري للقيادة في رام الله سيكون كبح موجة العنف الحالية، ايضا من خلال الرغبة في عملية نقل منظمة للسلطة من محمود عباس لورثته في السنوات القريبة القادمة. في هذه الاثناء احتمالية ذلك لا تبدو مبهجة.
أقرأ أيضًا: مقال: يديعوت أحرونوت.. بين العلاقات التجارية والمواجهات العنيفة