مهاجمو عرين الأسود يتحدون إسرائيل في الضفة الغربية

أقلام – مصدر الإخبارية
مهاجمو “عرين الأسود” يتحدون إسرائيل في الضفة الغربية، بقلم المحلل العسكري الإسرائيلي بن كاسبيت:
بدأت الاضطرابات في ربيع 2022 في جنين، المدينة التي كانت تسمى ذات يوم بالعاصمة “الانتحارية” للضفة الغربية، وامتدت إلى نابلس، ومرّت لفترة وجيزة عبر رام الله، مقر السلطة الفلسطينية، وهي الآن تشعل النار في القدس الشرقية. كل الدلائل تشير إلى أن التوترات المتزايدة في الأشهر الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين تبدو مقدمة لانتفاضة ثالثة.
حتى كتابة هذه السطور، كانت هناك معارك ضارية تدور رحاها بين قوات عسكرية إسرائيلية خاصة ومسلحين فلسطينيين في مخيم جنين للاجئين. وتقول التقارير إن فلسطينييْن استشهدا في المعارك، أحدهما طبيب الهلال الأحمر عبد الله أبو التين، الذي أصيب على ما يبدو برصاصة أطلقت على سيارة الإسعاف التي كان يجلس فيها. وتصر إسرائيل على أن منفذي إطلاق النار فلسطينيون، بحجة أن قواتها مدربة تدريبًا عاليًا وتنشر قناصة ضد أهدافهم، ونادرًا ما تستخدم نيرانًا آلية.
في كلتا الحالتيْن، لا تبشر الأيام المقبلة بالخير بالنسبة للتوترات في القدس الشرقية، حيث سيقام يومان للصلاة في الحرم الشريف، يليهما يومان لصعود اليهود في نفس الموقع، حيث يقدس اليهود “جبل الهيكل” (الحرم القدسي الشريف).
تعود جذور التصعيد الحالي إلى أسباب متعددة، حيث يؤجج الراديكاليون من الجانبيْن النيران. على الجانب الفلسطيني يشمل مجموعات من الشباب الفلسطينيين، وهم أصغر من أن يتذكروا أهوال الانتفاضة الثانية (2000-2005)، التي قُتل خلالها أكثر من 3000 فلسطيني، ممّا أضعف آمال الفلسطينيين في إجراء مفاوضات مع إسرائيل بشأن إقامة دولة قومية لهم. هؤلاء الشباب يزدهرون على “تيك توك”، كما يتجلى الأمر بشكل صارخ في تصرفات مجموعة من الشباب من سكان نابلس، والذين يطلقون على أنفسهم “عرين الأسود”.
تعتقد إسرائيل بأن هذه المجموعة، المُكونة من فلسطينيين كانوا منتسبين سابقًا لجماعات أخرى، تقود حاليًا أعمال العنف، بما في ذلك معظم عمليات إطلاق النار الأخيرة على جنود ومدنيين إسرائيليين في الضفة الغربية، والتي أودت بحياة أربعة إسرائيليين على الأقل. في الأسبوع الماضي، تولت مجموعة “عرين الأسود” المسؤولية عن إطلاق النار من سيارة مارة، والذي أدى إلى مقتل الرقيب ايدو باروخ، الذي كان فردًا من قوة تؤمّن مسيرة احتجاجية للمستوطنين اليهود في منطقة شمال الضفة.
مصدر أمني رفيع طلب عدم الكشف عن هويته قال للمونيتور: “نحن نتحدث عن بضع عشرات من الشباب، بعضهم جاء من قرى والبعض الآخر من نابلس نفسها. إنهم مسلحون ومتشددون، ويعيشون ويشتهرون على وسائل التواصل الاجتماعي، وينشرون كل عمل، وكل إطلاق نار، وكل هجوم إرهابي؛ وبهذه الطريقة يؤججون النار”.
من المُحتمل أن يكون جهاز الأمن العام (الشاباك) قد حدد أعضاء هذه المجموعة، ومن المُحتمل أن يجد معظمهم أنفسهم في السجن، عاجلًا أم آجلًا. في غضون ذلك، يتحول هؤلاء الشباب إلى أبطال محليين بين أقرانهم من الشباب.
مسؤول استخباراتي إسرائيلي كبير قال للمونيتور، اشترط عدم الكشف عن هويته، إن “وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة تيك توك، تزيد من وتيرة هذه الأحداث. إنها تحكي أساطير عن الشجاعة، بعضها مُبالغ فيه إلى حد كبير، وتكتسح أجزاء كبيرة من الرأي العام المتحمس، وتخلق محاولات للتقليد. من الصعب التعامل مع هذا الوضع، لا سيما مع الوتيرة التي تتطور بها هذه الأساطير وتقع الأحداث”.
في الجانب الآخر، الإسرائيليون مسؤولون أيضًا عن الاضطرابات، لا سيما عضو الكنيست القومي المتطرف ايتمار بن غفير، الذي كان عضوًا سابقًا في منظمة “كهانا” العنصرية المحظورة، ويتمتع حاليًا بزيادة في استطلاعات الرأي كرئيس لحزب “القوة اليهودية” قبل انتخابات نوفمبر.
الليلة الماضية، ظهر بن غفير في نقطة ارتكاز الاضطرابات اليهودية العربية في القدس الشرقية، وسحب مسدسًا أمام الحشد العربي. وقبل الحملة الانتخابية السابقة في عام 2021، افتخر رئيس الوزراء آنذاك بنيامين نتنياهو بمنع بن غفير من دخول الحرم القدسي وإشعال النار في المنطقة. في هذه الحملة الانتخابية الأخيرة الأكثر دراماتيكية لزعيم المعارضة نتنياهو، يبدو أن الأخير ينسق تحركاته مع تحركات بن غفير وحلفائه في حزب “الصهيونية الدينية”.
نتنياهو لديه مصلحة واضحة في تصعيد العنف؛ الأمر الذي يعزز بشكل شبه تلقائي دعمه عمومًا. لقد نسى العديد من الناخبين الإسرائيليين بالفعل أعمال الشغب التي اندلعت في مايو 2021 في المدن المختلطة بين اليهود والعرب في عهده، وسنوات طويلة من السلوك التصالحي السري تجاه الفلسطينيين. لا تزال صورة “سيد الأمن” حية وبصحة جيدة، خاصة بين قاعدته الانتخابية اليمينية.
وبحسب ما ورد، التقى نتنياهو بن غفير في وقت سابق من هذا الأسبوع لـ “تنسيق تحركاتهم”، حتى مع استمرار اعضو الكابينت المتطرف في الظهور في كل موقع وبؤرة وإثارة الاستفزازات. اتخذ صديق بن غفير، عضو الكنيست سيمشا روثمان من حزب “الصهيونية الدينية”، مكانًا خارج البوابة الذهبية في القدس الأسبوع الماضي، بالقرب من مقبرة إسلامية، وقام بالنفخ في “الشوفار”، وهو قرن كبش يستخدمه اليهود خلال أعيادهم. أثار عمل روثمان الاستفزازي أيضًا غضبًا فلسطينيًا هائلًا، وأثار شائعات إسلامية مستمرة وادعاءات بأن الصهاينة يخططون للسيطرة على الحرم الشريف وحرمان العالم الإسلامي من ثالث أقدس موقع فيه.
جميع مكونات الانفجار الكبير قائمة، وقوة القوى الأكثر اعتدالًا آخذة في التضاؤل. تعاني السلطة الفلسطينية من أزمة مطولة في القيادة وإضفاء الشرعية، ممّا أدى إلى فقدان السيطرة على المسلحين. نتنياهو – الذي كان لسنوات واحدًا من تلك القوى المعتدلة – يبدو الآن أنه يتماشى مع بن غفير.
رئيس الوزراء المؤقت يائير لبيد، الذي يحاول ترسيخ الاستقرار في هذه الاضطرابات، لا يُمكن أن يُنظر إليه على أنه يستسلم لأعمال “الشغب والإرهاب” الفلسطينية قبل الانتخابات الحاسمة. حتى وهو يصلي من أجل الحصول على معجزة، يجب على لبيد الاستعداد للتعامل مع شرارة يُمكن أن تحول الجمر المشتعل إلى حريق كامل قبل أسبوعين فقط من الانتخابات.
المصدر: المونيتور
ترجمة: عبد الكريم أبو ربيع