الوضع المتفجر: خيارات إسرائيل في الضفة الغربية
أقلام – مصدر الإخبارية
الوضع المتفجر: خيارات إسرائيل في الضفة الغربية، بقلم الكاتب والمحلل السياسي أشرف العجرمي، وفيما يلي نص المقال كاملًا كما وصل موقعنا:
مع تزايد العمليات العسكرية الفلسطينية ضد الأهداف الإسرائيلية في الضفة الغربية والوضع المتفجر، تطرح جهات إسرائيلية عديدة الكثير من الأسئلة حول ما الذي يمكن لإسرائيل فعله للقضاء على ظاهرة الخلايا الفلسطينية المسلحة، والتي تتركز بصورة كبيرة في شمال الضفة الغربية في منطقتَي جنين و نابلس ، خاصة بعد فشل الحملة العسكرية الإسرائيلية المسماة «كاسر الأمواج»، التي بدأت بعد تنفيذ سلسلة من العمليات العسكرية في داخل إسرائيل.
فهناك من يقول: إن العمليات هدأت في إسرائيل وتكثفت في الضفة المحتلة، ولا توجد نجاحات كبيرة لمؤسسات الاحتلال الأمنية، على الرغم من كثافة عمليات الإعدام التي نفذتها القوات الإسرائيلية بحق الشبان الفلسطينيين، والأعداد الكبيرة من الاعتقالات اليومية التي تطال معظم مناطق الضفة. وهذا غالباً بسبب أن معظم المجموعات خلايا فردية غير منظمة، وغير مسيطر عليها مركزياً.
إسرائيل تلقي باللوم على الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي لا تقوم بدورها حسب المفهوم الإسرائيلي لهذا الدور. مع أن بعض المحللين والخبراء الإسرائيليين باتوا يشتكون من السياسة الإسرائيلية المتبعة في المناطق الفلسطينية، والتي تضعف دور السلطة وقدراتها الأمنية، من منطلق أن عدد الإصابات الكثير في صفوف الفلسطينيين نتيجة للاجتياحات العسكرية الإسرائيلية يقلل حجم التأييد للسلطة، ويزيد من منسوب المعارضة الشعبية. وهناك من يرى في حادثة اعتقال مطلوبين في نابلس مؤشراً على سوء وضع السلطة الفلسطينية لدى الرأي العام.
وفي الواقع، يتركز التفكير الإسرائيلي بصورة خاصة في الموضوع الأمني، ويعزلونه تماماً عن المسائل الأخرى. مع أنه حتى في إطار هذا البعد، تقوم إسرائيل بانتهاكات كبيرة لدور السلطة وسيادتها في المناطق الواقعة تحت سيطرتها المدنية والأمنية.
ولا يفهم الإسرائيليون بشكل عميق طبيعة الوضع الفلسطيني واهتمامات الرأي العام، وكيف يرى الفلسطينيون مصالحهم. وفي هذا الإطار لا يستوعب القادة الإسرائيليون، في مختلف المواقع، أن العلاقة بين المحتل الإسرائيلي والشعب الفلسطيني لا يمكن أن تنحصر فقط في المربع الأمني. وإذا بقيت هناك فهي ستظل في خانة المواجهة الدائمة، التي لا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تساعد في تخفيفها أو إنهائها، لأن هذا ليس دورها.
ويغيب البعد السياسي وهو الأهم في علاقة الاشتباك الفلسطيني – الإسرائيلي، فلم تقدم إسرائيل على مدى السنوات الماضية ومنذ التوقيع على اتفاق «أوسلو»، الذي هو اتفاق انتقالي، أي مشروع لإنهاء الاحتلال والتسوية السياسية الشاملة للصراع، بل استسهلت عملية إدارة الصراع، ورأت أن الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية – وفي قلبها القدس الشرقية – لا يكلفها شيئاً، لا سياسياً ولا اقتصادياً، ولا حتى أمنياً، في ظل التفوق الإسرائيلي العسكري الهائل بالمقارنة مع ما يملكه الفلسطينيون من إمكانات للمواجهة. بل عملية الاحتلال مربحة اقتصادياً لإسرائيل التي تستغل ثروات وأراضي الفلسطينيين، وحتى الأيدي العاملة لدرّ الأرباح لاقتصادها الذي ينمو ويتطور.
وتظهر بين فترة وأخرى تصريحات سياسية فارغة عن حلّ الدولتين، بدأها بنيامين نتنياهو في العام 2007، وهو لا يقصد إطلاقاً الموافقة على فكرة قيام دولة فلسطينية مستقلة في كامل الأراضي المحتلة منذ العام 1967. ويكررها اليوم رئيس الحكومة المؤقت يائير لابيد. في حين أن السياسة الفعلية لإسرائيل هي شطب أي تسوية قائمة على الانسحاب من الضفة الغربية والقدس المحتلة، فالاستيطان المكثف يدمر فعلياً مبدأ الحل السياسي.
غير أن المجتمع الإسرائيلي لا يستطيع تحمّل فكرة أن تستمر المقاومة الفلسطينية حتى بشكلها الارتجالي والموسمي، ولا يستطيع أن يتكيف مع عمليات إطلاق نار يومية تؤدي في بعض الأحيان إلى خسائر بشرية، كما حصل في العملية الأخيرة على حاجز شعفاط، التي أظهرت هشاشة معنويات جيش الاحتلال.
وأمام هذا الضعف، يتحول الأمن إلى الهاجس اليومي الملحّ للقيادات الإسرائيلية التي تحاول اللعب على وتره انتخابياً، وهو ما يؤدي أحياناً إلى التورط أكثر فأكثر في المستنقع الأمني الذي لا حل ظاهراً له في الأيام القريبة.
هناك إسرائيليون يدعون لاجتياح شامل لمناطق واسعة في الضفة الغربية، على غرار ما جرى في الانتفاضة الثانية في مدينة جنين وفي مدن وقرى ومخيمات الضفة. ولكن هذه الدعوات تقابل بشكوك عميقة في المستويين السياسي والأمني حول قدرة أي اجتياح واسع على حل المعضلة. بل إن التوقعات هي أن مثل هذه الاجتياحات قد تؤدي إلى عدد كبير من الضحايا في الجانب الفلسطيني، ما قد يقود إلى تأزيم الوضع وخلق ردود أفعال أكثر عنفاً لدى الفلسطينيين، وإلى تدهور مكانة السلطة بشكل كبير. وهذا آخر ما تريده القيادة الإسرائيلية عشية الانتخابات العامة التي باتت قريبة، حيث ستجري في الفاتح من الشهر القادم.
وأمام انغلاق الأفق السياسي وعقم السياسة الإسرائيلية، يبدو أن سلطات الاحتلال ستستمر في عملياتها العسكرية بالوتيرة الحالية أو بتصعيد أكبر، ولكن دون الوصول لعمليات اجتياح شاملة على الأغلب. ولا يوجد أي تفكير بالتهدئة وتغيير سلوك قوات الأمن، ولا حتى السيطرة على جموح المستوطنين واعتداءاتهم. ولا يخلو الفعل الإسرائيلي من ردود أفعال تستهدف إرضاء الجمهور، خاصة قواعد اليمين، وهذا قد يعقد الوضع ويقود نحو الانفجار.
أقرأ أيضًا: خطاب لابيد: رسائل عديدة ولكن ليس لنا بقلم أشرف العجرمي