غزة… هكذا يحفظ محمد السر ديمومة مهنة صانع الحدوة

خاص- مصدر الإخبارية

يسرّع الأربعيني محمد السر ضربات “المطرقة الكبيرة”، التي يعمل من خلالها على تطويع الحديد الذي استخدمه في صناعة زوجين من “الحدوات” اللازمات، لرأسِ خيل جلبه له أحد الزبائن.

بعد الانتهاء من عملية الطرق التي يراقبها عدد من مارة الشارع، ينتقل السر الذي يعمل في مهنة “بيطار الخيول” أو “صانع الحدوة”، لقدما الخيل حاملاً معه مبرداً كبيراً، يستعمله بتجهيز الحوافر لاستقبال الحدوات الجديدة.

يقول الرجل بعدما انتهى من عمله لشبكة مصدر الإخبارية: “أعمل في هذه المهنة التي ورثها عن والدي منذ حوالي 33 عاماً، وصارت مع الوقت تشكل الجزء الأكبر من يومي، بل وحياتي بصورةٍ عامة”.

وسط مخيم خانيونس للاجئين الواقع جنوبي قطاع غزة، يقطن الرجل وإلى جانب بيته يقع المعمل الصغير، الذي يمارس فيه تلك المهنة، التي صار من النادر مشاهدة أحد لا زال يعمل بها على الطريقة التقليدية.

عاش السر طفولته في أزقة المخيم ولعب مع أبناء سنه، والتحق بمدارسه الابتدائية، لكنّ استمراره بالدراسة لم يدم، وذلك لأنّه كان مضطراً لتركها والالتجاء لمساعدة والده الذي كان بحاجةٍ له في ذلك الوقت.

ويشرح الرجل الذي يُكنى بـ “أبو أحمد” أنّه توّرث تلك المهنة عن والده في تلك الفترة، وبعد ذلك تطور به الأمر وصار صانعاً جيداً بالمجال وحاز على ثقة الزبائن، الذين صاروا يطلبونه بالاسم لينجز “الحدوات” لدوابهم.

ويوضح خلال حديثه أنّه كثيراً ما يلمح الدهشة في وجوه المارة، خاصّة وقتما يكونون من غير أبناء المخيم، الذين ألفوا تواجده وصوت طرقه العالي للحديد.

وفيما يتعلق بواقع المهنة بين الماضي والحاضر، أشار إلى أنّ الوضع سابقاً كان أفضل، وكان رزقه من المعمل الصغير يفوق الـ 70 دولار يومياً، إذ أنّ حالة الناس الاقتصادية كانت تؤثر على ذلك.

أمّا عن الواقع الحالي، يتحدث السر “بالكاد أستطيع تحصيل عشرين دولار في اليوم الواحد الذي أعمل به لأكثر من 13 ساعة متواصلة، وأحياناً أقل من ذلك، والسبب بذاك الأمر يعود لوضع الناس، ولتراجع الإقبال على اقتناء الخيول والعربات من الناس”.

ويتابع “تراجع الإقبال يعود لتطورات الحياة المختلفة، ودخول الدراجات النارية لغزة بكثافة خلال السنوات الماضية، والتي وفرّت وسائل نقل أسهل لأصحاب الأراضي الزراعية والأشخاص الذين يحتاجون لوسائل تنقل”.

ويقدم السر في معمله البسيط عدد من الخدمات أهما تركيب الحدوات لـ “الدواب”، ويقول إنّه يعتبر ما يقوم به، من بين أوجه صون التراث والحفاظ على ديمومة المهنة، التي كانت تعدّ من أبرز المهن القديمة.

ويتابع “مع الوقت، صارت لديّ خبرة، في التعامل مع جميع أنواع الحيوانات، كما أنّه تشكلت عندي معرفة بأنواع الأمراض التي يمكن أنّ تصيب الخيول بشكلٍ خاص”.

ويستمتع الرجل كثيراً في التعامل مع الخيول التي تصله يومياً، ويلفت ضمن حديثه أنّه يألف جداً مداعبتها ويشعر بقدرته على تفهمها، حيث أنّه يمتنع عن تركيب الحدوات لبعضها أحياناً إذا ما شعر بمرضها أو عدم راحتها.

ويردف “جربت خلال السنوات الماضية، العمل في مهنٍ أخرى مثل البناء والعِتالة وغيرها، لكن لم أداوم على أيّ منها، وفي كلّ مرّة كنت أتركها وأعود لمهنة البيطار، كوني لم أجد نفسي وراحتي إلّا بها”.

ويؤكّد أنّه مصرّ على الاستمرار في المهنة، حتّى آخر وقتٍ في عمره، ولا يفكر بتاتاً في تركها، مهما تطورت الحياة في قطاع غزّة، ومهما تناقص أعداد مقتني الخيول والحمير.

قبل 6 سنوات أنهى الابن الأكبر للرجل الذي يُدعى “أحمد” دراسة الثانوية العامّة، وآنذاك قرر الالتحاق في الجامعة لدراسة تخصص التمريض الذي يعشقه منذ طفولته.

ويذكر السر أنّه دعم ابنه على هذه الخطوة، وذلك على الرغم من أنّه كان يساعده على الدوام في عمله، ويحمل عنه بعض الصعاب، وذلك كونه صار في الفترة الأخيرة يعيش حالة التعب الشديد بسبب عمله المرهق.

وينبّه إلى آنّه أصرّ على تعليم نجله لهذه المهنة، ليكون قادراً في المستقبل على تحصيل بعضاً من مستلزمات حياته، لأنّه لا يتوقع حصوله بصورةٍ سهلة على عملٍ في مجال تخصصه، حال تخرجه من الجامعة، بسبب حالة البطالة العامّة التي يعاني منها الشباب في قطاع غزّة.

وعن العقوبات التي يواجهها في عمله، يضيف السر “الحصار يؤثر كثيراً على العمل، وذلك لأنّ الحديد هو المكون الأساسي الذي أعمل من خلاله على تركيب مستلزمات الخيول الجديدة أو تصليح القديمة”.

ويزيد “يتباين سعر الحديد من وقتٍ لآخر، وغالباً يكون التباين باتجاه الارتفاع، وأنا لا أستطيع رفع السعر للزبائن البسطاء الذين يزوروني، لأنّ ذلك فوق طاقتهم”.

وينوه إلى أنّ الكهرباء التي لا تنقطع في بعض الأحيان لأكثر من 16 ساعة يومياً، تؤثر كذلك في عمله، إذ أنّه يعتمد على بعض الآلات الكهربائية في تشكيل الحديد وتطويعه.