محاولات لتغييب الحقيقة.. شهادات صحافيين استقصائيين تعرضوا لملاحقة الأجهزة الأمنية

سماح شاهين- مصدر الإخبارية
دور مهم تلعبه التحقيقات الاستقصائية في كشف الحقائق والخفايا، وهي من أهم المواد الصحافية وأكثرها مهنية وأشدها تعقيدًا، حيث يلجأ إليها الصحافيون الاستقصائيون للوصول إلى الحقيقة المغيّبة، معتمدًا على البحث والتدقيق والاستقصاء وملتزماً بالموضوعية والشفافية والدقة.
كما وتعتبر جزء من العمل الرقابي حول أداء الدولة والمؤسسات التابعة لها، وأرشيف للجرائم وفضح فساد الأنظمة والحكومات وانتهاكات حقوق الإنسان، كما أنها تلفت الانتباه إلى جرائم المال العام والفساد الإداري والخروقات القانونية.
رغم كل ما للصحافة الاستقصائية من آثار إيجابية، إلا أن الصحافيين الاستقصائيين أصبحوا يواجهون عدة صعوبات خاصة في الحصول على المعلومات، ويتعرضون لحملات شرسة سواء من قبل المسؤولين أو الأجهزة الأمنية، وذلك لكشفهم عن الفساد في البلاد.
تهديدات وملاحقات أمنية
الصحافية الاستقصائية ليندا ماهر من الخليل تشرح لـ”شبكة مصدر الإخبارية“، حجم المخاطر التي يواجهها الصحافيون الاستقصائيون، قائلة: “أصعب ما يواجهنا كصحافيين مستقلين إمكانية وصولنا للمعلومات وخوفنا الدائم من عدم الأمان والحماية”.
وتضيف ماهر: “نعيش دائمًا في توتر وقلق، حتى تحركاتنا بين المناطق باتت تحتاج إلى حرص مستمر، ونتعرض للتهديد والملاحقات الأمنية، عدا عن تهديدات تطال العائلة والأقارب والأصدقاء، وتهديدات إلكترونية وعبر السوشيال ميديا”.
وتبيّن ماهر أنّ المتاعب والصعوبات تبدأ بالفكرة، مرورًا بتنفيذها، وانتهاءها مع الحفاظ على جوهر الموضوع، بالإضافة إلى تقييد حريات الرأي والتعبير تحديدًا والاعتقالات الأمنية والسياسية، كل ذلك يجعل الصحافي الاستقصائي يدور في دوامة من القلق والتوتر الدائم”.
وتوضح :”نواجه صعوبة في عدم قدرتنا في الوصول إلى المعلومات والوثائق، بسبب الهاجس الحكومي المتستر بغياب الشفافية، وتغييب المعلومات”.
وتكشف أنها في كثير من الأحيان تضطر لنشر مواد وتحقيقات صحافية بأسماء مستعارة؛ لضمان حمايتها وأمنها وسلامة عائلتها، منوهًة إلى أنّها تعرضت لتهديدات واضحة وصريحة ولتشويه من جهات مسؤولة في مهنيتها وعملها.
وشددت الصحافية ماهر على أنّ ضعف قوانين حماية الصحافيين وقوانين النشر وكثرة القيود المتعلقة بالمعلومات ذات الطابع السياسي والأمني والاقتصادي، من أهم الأسباب التي تؤدي إلى كل ذلك بالإضافة إلى الأوضاع السياسية والأمنية المعقدة وغياب الديمقراطية.
استهداف الصحافيين الاستقصائيين ومصادرة المعدات
الصحافية الاستقصائية عزيزة نوفل من مدينة رام الله، أفادت في حوار خاص مع “شبكة مصدر الإخبارية” أنّ عملها على تحقيق استقصائي حول “الانتهاكات القانونية التي تقوم بها الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال الاعتقالات على خلفية السياسية أو الرأي، تزامن مع مقتل ناشط سياسي خلال اعتقاله من قبل الأجهزة الأمنية”.
وتابعت نوفل أنّ “الناشط كان ضمن العينة المرصودة لمقابلات التحقيق، فكان من المهم متابعة الأحداث التي رافقت مقتله وخاصة التظاهرات الاحتجاجية التي خرجت بعد قتله من قبل الأجهزة في رام الله”.
وأردفت: “تعرضنا كصحافيين وصحفيات بشكلٍ عام، وأنا بشكلٍ خاص، لملاحقة ومضايقات وصلت حد الملاحقة والاستهداف بقنابل الغاز ومحاولة مصادرة معداتنا الصحافية”.
وأضافت: “أثناء الترتيب لإجراء مقابلات في التحقيق، رفضت أكثر من جهة رسمية التعاون معنا بشكل كامل، حتى خلال إعداد التقارير اليومية يتم مقابلتي بالرفض، رغم محاولاتي الحثيثة بتكرار الاتصال أو إرسال الرسائل، وهو ما يعرقل عملي الصحافي ويعيق إنجاز التقارير”.
ولفتت إلى أنه “للأسف في فلسطين، وكثير من الدول العربية، العمل على القضايا الحساسة وتحديدًا التي تتعلق بالانتهاكات التي تقوم بها الأجهزة الأمنية تضع الصحافي أو الصحافية على القائمة السوداء”.
لا حريات للصحافيين الاستقصائيين
الصحافي الاستقصائي مصطفى الدحدوح من قطاع غزة، يواجه هو أيضًا صعوبات في الحصول على المعلومات، في ظل عدم وجود حريات حقيقية فعلية للوصول للمعلومات.
وينوه الدحدوح لـ”شبكة مصدر الإخبارية” إلى أنّ الجهات الحكومية تتعامل مع الصحافيين بنظرة غير منطقية إلى طبيعة عملهم، مما يجعلهم يمرون بمراحل ذات تعقيد أكبر مما يتصوره العقل والمنطق في العمل الصحافي.
ويردف أن الصعوبات الواقعة على عاتق الصحافي تندرج أيضاً من عدم القدرة على إقناع المواطنين بأن العمل الاستقصائي يأتي لخدمتهم وإيصال مشاكلهم؛ للبحث عن صحافة الحلول أمام الجهات الحكومية وذات الاختصاص.
وأشار إلى أنّ هنالك العديد من الطرق والأساليب التي يتبعها الصحافي؛ للوصول إلى المعلومات والعمل على توثيقها بشكلٍ قانوني ومهني من خلال اتباع المصادر المفتوحة وقواعد البيانات.
وأردف: “نتبع جملة من الخطوات بداية من بناء قاعدة معلومات من الضحايا والأشخاص مرورًا بالجهات المحايدة وانتقالًا إلى مراجعة القوانين ومن ثم المجتمع المدني، وصولًا إلى مرحلة المواجهة والتي تتمثل في حق الرد للجهات الموجه لها الاتهامات والاتهام بحدوث وارتكاب المشكلة”.
استدعاءات على خلفية العمل الاستقصائي
ذكر الدحدوح أنه تم تعرض للاستدعاء إثر عمله الاستقصائي من قبل، وتم إغلاق الملف بعد إدلاءه بكافة الوثائق التي عمل عليها، ليتم التحفظ على ملف القضية ومتابعة الملف من قبل النيابة العامة بغزة.
ونوه إلى أنّ الاستدعاءات للصحافيين الاستقصائيين يتحمل مسؤوليته الطرفين، فالصحافي يعمل أحيانًا دون الالتزام بقواعد التحقيقات الاستقصائية، بالإضافة إلى غياب المسؤولية المجتمعية التي يستوجب على الصحافي التحلي بها، وعدم وضعه بعين الاعتبار مفاهيم القانون.
وحول الجهات الحكومية، أكد أنّ هنالك غياب وعي فعلي لدى الجهات الحكومية بالتعامل مع الصحافيين الاستقصائيين وعدم وجود دراية بالتعامل مع قضايا الصحافيين، مما يجعلهم أمام معضلة كبيرة، وبالإضافة إلى حقيقة سياسة القمع بالقوة.