هارتس: ثماني كلمات في خطاب بايدن كشفت سياسته

أقلام – مصدر الإخبارية
هارتس: ثماني كلمات في خطاب بايدن كشفت سياسته بقلم، نوعا لنداو
في العادة كانت مراسم استقبال الرؤساء الامريكيين في اسرائيل على مر السنين مصحوبة بعدة طقوس متكررة لا تعتمد على هوية الضيوف أو المستضيفين. من بين هذه الطقوس الاحتفالية، بالضبط مثل السجاد الاحمر وعزف النشيد الوطني، هناك ايضا ذكر ثابت في الخطابات الاحتفالية للعلاقة “التي لا تنفصم” بين الدولتين، والتوراة والكارثة والتكنولوجيا والامن. ولكن اضافة الى كل ذلك يتألق دائما التوق، الحقيقي أو المزيف، للسلام. وسواء كان الرئيس الذي يوجد فوق المنصة هو اوباما أو دونالد ترامب، فان كلمة سلام دائما تم نثرها بسخاء في هذه الخطابات في كل اتجاه، حتى عندما لم يكن هناك شك بأن الامر يتعلق ببادرة حسن نية فارغة. مجرد ورقة تين.
لكن على المنصة في مطار بن غوريون اثناء استقبال الرئيس الامريكي، جو بايدن، كان واضح أكثر من أي وقت آخر اليأس والتعب الشديد. فعليا، بالتحديد في خطاب رئيس الحكومة، يائير لبيد، ممثل الوسط – يسار بعد سنوات من تولي اليمين للحكم، لم يتم ذكر كلمة سلام حتى ولا مرة واحدة. نعم، كانت هناك ذكر للديمقراطية، الحرية، الصهيونية، التوراة، الهايتيك والامن، لكن السلام؟ لم يكن هناك أي ذكر له. الشيء القريب جدا من هذا كان اشارة لبيد الى التقارب المأمول مع السعودية. “في زيارتك سنجري محادثات حول مسائل الأمن الوطني”، قال للرئيس. “وسنتحدث حول بناء بنية أمنية واقتصادية جديدة مع شعوب الشرق الاوسط في اعقاب اتفاقات ابراهيم وانجازات قمة النقب”. هكذا تم تحويل السلام الى بنية. من الآن يجب عليكم القول بأن اسرائيل تأمل بـ “بنية معمارية في الشرق الاوسط”.
في خطاب بايدن في الواقع ذكرت كلمة سلام مرة واحدة. وتم وضع كلمة اندماج في مكانها (“نحن سنواصل الدفع قدما باندماج اسرائيل في المنطقة”). ولكن السياسة الحقيقية للرئيس الامريكي بخصوص المسألة الاسرائيلية – الفلسطينية كشفتها بضع كلمات منفردة، بين قوسين. تلعثم خاطف مؤقت، الذي بصعوبة تم فهمه، كشف كل نظريته: “سنناقش دعمي المتواصل رغم أنني اعرف بأنه لن يحدث على المدى القريب، لحل الدولتين، الذي بقي في نظري الطريقة الافضل لضمان المساواة والحرية والازدهار والديمقراطية للإسرائيليين والفلسطينيين”. الكلمات الثماني القصيرة هذه (التسعة بالإنجليزية) اوضحت أكثر من أي شيء آخر الى أي درجة الادارة الامريكية الحالية يائسة من هذه القضية، وكم هي ضئيلة الى درجة الانعدام دافعيته للانشغال بها. هي اقل من دافعية اوباما واقل ايضا من دافعية ترامب.
في ظل بايدن يبدو أن امريكا فقط تريد اعفاءها من العقوبة الاسرائيلية – الفلسطينية. الالتزام الامريكي بحل الدولتين لم يظهر مستخف به في أي يوم أكثر من الطريقة التي تحدث بها بايدن بهذا التحفظ على السجاد الاحمر في مطار بن غوريون.
الشخص الوحيد الذي تجرأ مع ذلك على التحدث بصوت مرتفع عن السلام، سلام حقيقي وليس فقط بنية معمارية أو اندماج اقليمي، هو رئيس الدولة اسحق هرتسوغ، الذي شابه خطابه قليلا الصنف التقليدي المتوقع من رجل وسط – يسار.
منذ بضع سنوات تحولت كلمة “سلام” الى كلمة مستبعدة في الخطاب الاسرائيلي – الفلسطيني. في البداية استبدل السعي الى السلام بـ “عملية سياسية”، وبعد ذلك تم التوقيع على اتفاقات “تطبيع” (صحيح أنه لم يوقع حقا على سلام مع من لم تكن معه حرب)، والآن تتراكم هنا بنى معمارية امنية – اقتصادية في المنطقة.
يمكن القول إن اليأس والتغيير في الخطاب يعكسان مقاربة براغماتية أكثر. أقل نفاقا وأدلجة، وأكثر فهما بأنه لا يوجد في هذه الاثناء أي أفق فوري للحل. حيث أنه في نهاية المطاف جميع خطابات السلام والازدهار لنتنياهو لم تساعد على الاطلاق عندما كانت سياسته الفعلية معاكسة تماما. في نهاية المطاف بايدن بالإجمال قال كما يبدو الحقيقة: بصورة شخصية أنا (حتى أنه لم يقل الولايات المتحدة) لا ازال ادعم حل الدولتين، لكن من الواضح لي أن هذا لن يحدث قريبا. يمكن ايضا الادعاء بأن لبيد بالإجمال يلائم نفسه مع التيار العام في اسرائيل، الذي لديه حساسية من كلمة سلام، في محاولة لعدم توفير أي ذخيرة لحملة الليكود. وأنه من غير المهم ماذا وكيف بالضبط هو يدعو الى ذلك طالما أنه ينوي الدفع قدما بعملية كهذه (لكن هو ليس له نية كهذه).
الحقيقة هي أنه أكثر مما اراد الرئيس بايدن أن يبث رسالة براغماتية، أو قول الصدق، فانه بالأساس حاول أن يبث لحكومة اسرائيل صافرة تهدئة فيما يتعلق بدرجة الضغط السياسي الذي ينوي استخدامه عليها في هذه الزيارة. أي، عدم استخدام أي ضغط. في الوقت الذي تواصل فيه اسرائيل على الارض توسيع المستوطنات واقامة وشرعنة بؤر استيطانية، وضم فعلي لكل القدس وغيرها، فان الرسالة المستخذية لبايدن بخصوص حل الدولتين، وغياب السلام من خطاب لبيد، هي ليست فقط وصف للواقع، بل ايضا خلق لواقع. واقع لم يعد أي أحد يريد فيه السلام.
أقرأ أيضًا: هارتس: ختم الاحتلال!