غسان كنفاني.. وسام على صدر القضية/ بقلم فتحي صبّاح

أقلام-مصدر الإخبارية
بحلول اليوم الجمعة الثامن من تموز (يوليو) ٢٠٢٢، تكون ٥٠ عاما مرت على اغتيال المفكر والأديب والصحافي والرسام غسان كنفاني.
ما يذهلني في غسان كنفاني أنه خلال عمره القصير جدا، ٣٦ عاما، أنجز ما لا ينجزه، ربما، من عاش ضعفي عمره، إذ كتب ١٨ رواية وقصة قصيرة، وعدد من الدراسات، ومئات المقالات، ورسم عددا من اللوحات وكتب قصائد واشعارا، وكان يرأس تحرير مجلة “الهدف” الناطقة باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وعضو في مكتبها السياسي، وعضو في الاتحاد العام للصحافيين العرب.
وبالمناسبة زار غسان مدينة غزة ضمن وفد الاتحاد في تشرين الثاني (نوفمبر) ١٩٦٦، وكتب من فندق ابو هويدي رسالة للأديبة السورية غادة السمان.
كانت حياته حافلة، على رغم اصابته بمرض السكري مبكرا، وكان شغوفا بعمل شي في كل دقيقة من حياته المفعمة بالحب والوطن والقضية.
هو من قال جملته المكثفة بالغة البلاغة والتأثير “بالدم نكتب لفلسطين”، التي اتخذتها نقابة الصحافيين الفلسطينيين شعارا لها، و”لا تمت قبل أن تكون ندّا”، و”إما عظماء فوق الأرض، وإما عظاما في جوفها”، وغيرها كثير من المقولات الفريدة المتداولة حتى اليوم.
ومنذ أن ورد سؤاله الثوري التحريضي “لماذا لم تدقوا جدران الخزان” في روايته رجال في الشمس (١٩٦٣)، لا يزال يتردد صداه في كل بقاع الأرض، وتكررت فصول الرواية، قبل سنوات عدة، على حدود المكسيك مع الولايات المتحدة، وقبل ١٠ ايام قرب الحدود نفسها داخل اميركا، إذ مات ٤٠ مهاجرا في شاحنة لم يدقوا جدرانها.
اقرأ/ي أيضا: غسان كنفاني.. الذكرى الـ50 على اغتيال صاحب “أدب المقاومة”
عاش غسان ندّا قويا عنيدا مثقفا فاهما وعارفا، مبكرا، أهمية الكلمة والصورة في صراع الرواية والحق والأرض، وكان الاحتلال الإسرائيلي يرتعب من كلماته، وتصريحاته بالإنجليزية للصحافة الأجنبية.
لذا عمد الاحتلال إلى اغتياله مع لميس ابنة شقيقته فايزة بتفجير سيارته بعدما ركبها معها، في منطقة الحازمية في العاصمة اللبنانية بيروت، فتطاير جسديهما أشلاءً.
٤٠ ألفا شاركوا في تشييع جثمانه إلى مثواه الأخير، وغطى الحزن بيروت، والصحافة العربية، وكان يوما أسود.
حصل غسان في حياته، وبعد استشهاده، على جوائز عدة، من بينها جائزة أصدقاء الكتاب في لبنان عام ١٩٦٦ عن رواية ما تبقى لكم، ومنح وسام القدس عام 1990، ونال جائزة منظمة الصحافيين العالمية عام 1974، وجائزة اللوتس 1975.
وفي عام ٢٠١٩، أقرت وزارة الثقافة الفلسطينية، خلال ملتقى الرواية العربية الثاني، الثامن من تموز (يوليو) من كل عام يوما للرواية الفلسطينية، بجهود وزير الثقافة الصديق الدكتور عاطف أبو سيف.
لكن لماذا لم يمنح الرئيس الراحل ياسر عرفات، ولا الرئيس محمود عباس غسان أرفع وسام فلسطيني؟! علما أن الرئيس عباس منحه لكثيرين يستحقونها.
ألا يستحق غسان أن يُمنح، بعد نصف قرن على اغتياله، وحتى قبل ذلك، وساما فلسطينيا رفيعا تكريما لنضاله ودوره في الكفاح الوطني والأدب والثقافة وصراع الرواية؟
وهل دق أحد جدران الخزان ولم يستجب الرئيس عباس، او من حوله؟ وهل خافٍ عليه وعليهم قيمة غسان الإنسان المناضل، وغسان الأديب والمثقف الثوري؟
في النهاية لا يسعني إلا أن أقول إن غسان نفسه أرفع وسام على صدر القضية وصدور محبيه وعشاق أدبه وعارفي قيمته.