عودة الدعم الأوروبي.. تحرك لمنع انفجار أم خطوة ضغط لإجراء الانتخابات؟

خاص – مصدر الإخبارية

بعد توقف دام قرابة عام ونصف العام، استأنف الاتحاد الأوروبي دعمه المالي للسلطة الوطنية الفلسطينية، خاصة تمويل الموازنة، متنازلاً عن شروط كان وضعها في سبيل مواصلة الدعم، مبرراً هذا الاستئناف بأنه يعود إلى ترتيبات في موازنات دول التكتل، في خطوة يقول مختصون إنها تحمل رسائل بأبعاد سياسية وأخرى اقتصادية.

وكانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أعلنت، الثلاثاء الماضي، عودة صرف المنح المالية المخصصة للفلسطينيين عن عام 2021.

وقالت خلال مؤتمر صحافي في مدينة رام الله إنّ “الاتحاد الأوروبي كان يدعم، لسنوات عدة، فلسطين وشعبها (الموازنة، أونروا، المخصصات الاجتماعية، مستشفيات القدس) بصفته أكبر مانح بحوالي 600 مليون يورو (624 مليون دولار) سنوياً”.

وعبّرت دير لاين عن سعادتها باعلان صرف أموال الاتحاد الأوروبي للفلسطينيين عن 2021 “الآن بسرعة”.

وكان من بين الأمور، التي كانت تقف حائلاً يمنع مواصلة الدعم الأوروبي، اشتراط بعض الدول الأوروبية ربط مواصلة الدعم بتغيير محتوى المنهاج الفلسطيني، الأمر الذي رفضته الحكومة الفلسطينية في شكل قطعي، إلى أن تم إسقاطه وعودة المساعدات من دون شروط.

الدعم الأوروبي والانتخابات

وفي البيان الصادر عن المفوضية الأوروبية، لوّح ممثل الاتحاد الأوروبي، سفين كون فون بورغسدورف بشرط أسقطه الأوروبيون سابقاً متعلقاً بربط الدعم المالي بتنظيم الانتخابات في الأراضي الفلسطينية المحتلة لضمان استدامة المساعدات.

وقال بورغسدورف في بيان صدر حديثاً عن المفوضية الأوروبية إنّه “لا غنى عن انتخابات وطنية ديموقراطية لتشكيل حكومة تمثل كل الأرض الفلسطينية المحتلة، تكون خاضعة للمساءلة أمام كل مواطنيها”.

وأضاف أنّ “هذه الانتخابات لن تساهم فقط في استئناف عملية سياسية ذات مغزى، بل ستمهد الطريق لدولة فلسطينية ديمقراطية متواصلة جغرافيا وقابلة للحياة وذات سيادة من أجل أمن وسلام الجميع”.

عودة الأوروبيين لطرح ملف تنظيم الانتخابات الفلسطينية على الطاولة، وإن كان في شكل ضمني، يثير الشكوك بمدى ضمان استمرارية الدعم المقدم من قبلهم للموازنة الفلسطينية، وعدم قطعه مرة أخرى، والدخول مجدداً في نفق مظلم دفع ثمنه آلاف العائلات المتعففة في فلسطين.

وقال المختص في الشأن الاقتصادي هيثم دراغمة إن “قرار عودة المساعدات المالية من الاتحاد الأوروبي للسلطة الفلسطينية من دون شروط، رغم أهميته، جاء متأخراً”، معتبراً أنه “نشاط يُسجل للدبلوماسية الفلسطينية”.

وأضاف دراغمة في حديث لشبكة مصدر الإخبارية أن “السبب في عودة الدعم الأوروبي، ما آلت إليه الظروف الاقتصادية في الأراضي الفلسطينية من تردٍ وحالة من الركود، وعجز المواطنين عن تلبية حاجاتهم الأساسية، والخشية من اتجاه الأوضاع نحو التصعيد والعنف، الأمر الذي يرفضه الأوروبيون”.

وتابع بأن “السبب الآخر في عودة المساعدات يعود إلى خشية الاتحاد الأوروبي من انهيار السلطة الفلسطينية، نتيجة توقف المساعدات المالية، وخشيتهم الأكبر من انفجار سيتبع هذا الانهيار وتأثيره على الأمن في المنطقة”.

وتوقع دراغمة أن “الفترة المقبلة ستشهد تخفيفاً من حدة الركود الاقتصادي والتراجع المالي في مؤسسات السلطة الفلسطينية، وتطوراً آخر في مجالات أخرى متعلقة بالجانب الاقتصادي بعد عودة هذه الأموال”.

ورجّح دراغمة بأن “الدعم الأوروبي قد يفتح أبواب مساعدات أخرى تأتي من الولايات المتحدة ودول أخرى أوقفت المساعدات سابقاً”.

وأشار دراغمة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي “كان له دور لجهة عدم رغبته في انهيار السلطة الفلسطينية في شكل كامل لأسباب متعلقة بأجنداته وأمنه، وفي الوقت ذاته عدم رغبته في استقلال السلطة الفلسطينية اقتصادياً”.

مدى استمرارية الدعم

وحول إمكان استدامة واستمرارية هذه المساعدات، وضمان عدم انقطاعها مرة أخرى، قال دراغمة إن ” أحد أسباب انقطاع هذه المساعدات، غياب الديمقراطية، وعدم تنظيم الانتخابات، أو ما أطلق عليها الأوروبيون انهيار الديمقراطية والشفافية في بعض الجوانب وشروطهم، التي نصت على إعادة انتخاب المجلس التشريعي، وتنظيم الانتخابات الرئاسية تتبعها انتخابات على المستويات كافة، حتى يتسنى لهم الاستمرار في هذا الدعم”.

وتوقع “عدم استمرارية هذا الدعم على المدى البعيد في ظل عدم تنظيم الانتخابات وممارسة العملية الديمقراطية”.

من جانبه، قال الخبير الاقتصادي الفلسطيني د. نصر عبد الكريم إن “عودة المساعدات الأوروبية للفلسطينيين خطوة مرحب بها لقيمتها الاقتصادية على خزينة السلطة، وعلى الصعيد الفلسطيني ولدلالتها السياسية وإسهامها في تغطية عجز في موازنة السلطة (حوالي 150 مليون دولار)، وتمكنها من سداد جزء من مستحقات القطاع الخاص ورواتب الموظفين”.

وأكد عبد الكريم أن “استئناف الدعم الأوروبي لن يحل مشكلة العجز المالي لدى السلطة في شكل كامل لضخامة حجمه”.

وأضاف عبد الكريم في حديث لمصدر الإخبارية أن “الدعم الأوروبي ليس حلاً للأزمة المالية، التي تمر بها السلطة بقدر ما هو تبريد، وتخفيف حدة لهذه الأزمة”، معتبراً أن “الأزمة ستبقى قائمة في ظل استمرار الاحتلال من ناحية، والانقسام الفلسطيني من ناحية أخرى”.

وتابع أنّ “مجرد استئناف المساعدات تعني أن الشروط، التي كانت موضوعة من قبل بعض دول الاتحاد الأوروبي سقطت، بما فيها تغيير المنهاج، وتغيير الثقافة الوطنية، وبالتالي يُعتبر هذا الأمر إنجازاً، ويعطي دلالة على وجود ترتيبات لمبادرة سياسية”.

وقال إن “زيارة بايدن القادمة إلى المنطقة جاءت من ضمن أسباب استئناف الدعم الأوروبي”، متوقعاً “عودة الدعم المالي العربي المتوقف”.

وأوضح عبد الكريم أنّ “هذا الأمر نابع من رغبة الأمريكيين والأوروبيين والعرب، وحتى إسرائيل، بضمان استقرار الأوضاع، وعدم تفجرها في ظل الأزمات الأميركية والأوروبية الراهنة”.

وبيّن أن “شرط تنظيم الانتخابات لاستمرار الدعم أسقطه الاتحاد الأوروبي سابقاً، وعاد ملوّحاً به، بعدما فرض مقايضة مع الفلسطينيين بين استمرار قطع المساعدات والضغط اقتصادياً واجتماعيا وأمنياً على السلطة وبين تنظيم الانتخابات، وإتمام العملية الديمقراطية، إلا أن الأوروبيين أجلوا قضية مطالبة السلطة بتنظيمها، وتوسيع دائرة المشاركة السياسية والحريات”.

ورجّح بأن “الاتحاد الأوروبي سيعود ليستخدم هذا الشرط (تنظيم الانتخابات) في السنوات المقبلة في ظل مواصلة التلويح به، وفي حال وصلت أي جهود وأي مبادرة تسوية سياسية إلى طريق مسدود، بمعنى احتمال عودة الاتحاد الأوروبي لقطع المساعدات عن الفلسطينيين مرة أخرى”.

واعتبر عبد الكريم أن “فرض شرط تنظيم الانتخابات مقابل مواصلة الدعم الأوروبي المالي للفلسطينيين، جزء من النفاق السياسي، الذي تمارسه أوروبا واتباع سياسة الكيل بمكيالين، بسبب عدم قدرتها فرض أي شروط على الاحتلال الإسرائيلي، في وقت تفرض شرطا متعلق بالشأن الفلسطيني لا يجوز لها بالتدخل به تحت أي مسمى أو لأي سبب كان”.

وأكد أنه “لا يوجد ضمان لاستمرار تدفق المساعدات، أي كان وجهتها، سواء كانت أوروبية أو أميركية أو عربية، لارتباطها بملفات الصراع في المنطقة”.

يُشار إلى أنه تم تعليق الدعم الأمريكي لموازنة السلطة الفلسطينية منذ عام 2017، تبعه تراجع حاد في المنح والدعم العربي منذ النصف الأول من 2020، حتى كانون الأول (ديسمبر) 2021.