هل تتفكك الدولة العبرية في عقدها الثامن؟

عقدة تاريخية تتعزز يوماً بعد يوم

تقرير خاص – مصدر الإخبارية 

تحوّلت عُقدة العِقد الثامن في تاريخ الدولة اليهودية السابقة وزوالها إلى كابوس يقضّ مضاجع دولة الاحتلال الإسرائيلي الحالية المقامة على أراضي الفلسطينيين بعد تهجيرهم واقتلاعهم عام 1948، خاصة وأنها اقتربت من بلوغ عمرها الثمانين.

مصطلح لعنة “العقد الثامن” لم يكن ليطرح ويبحث في الأرشيف، إلا بعد مخاوف أثارها رئيس وزراء الاحتلال الأسبق (الجندي الأول) إيهود باراك.

باراك حذر من أن دولة الاحتلال قد تنهار وتتفكك في عقدها الثامن، معتبراً أن أكثر ما يمثل تهديداً وجودياً لها الصراعات والانقسامات الداخلية، وليس عوامل الصراع الفلسطيني ولا حزب الله اللبناني ولا إيران النووية.

واليوم، والفلسطينيون في الداخل والشتات، يحيون الذكرى 74 للنكبة، تبدوا ملامح انهيار الدولة العبرية، بالنسبة إليهم، أقرب من أي وقت مضى، ويواصلون تشبثهم بحق العودة إلى أراضيهم ومدنهم وقراهم السليبة، وكنس الاحتلال العنصري.

العقد الثامن يحيي آمال الفلسطينيين

وتحيي  عُقدة وهاجس العقد الثامن في التاريخ اليهودي، آمالاً لدى الفلسطينيين في الذكرى 74 للنكبة، بانهيار دولة الاحتلال وتفككها داخلياً وذاتياً، نتيجة صراعات سياسية ومذهبية وطائفية.

وقال باراك في مقال نشرته صحيفة “يديعوت أحرنوت” العبرية، أخيراً، إنه “على مر التاريخ اليهودي لم تعمّر لليهود دولة أكثر من 80 عاماً إلا في فترتين: فترة الملك داود وفترة الحشمونائيم، وفي كلتا الفترتيتن كانت بداية تفككها في العقد الثامن”.

وأضاف أن “تجربة الدولة العبرية الصهيونية الحالية هي التجربة الثالثة وهي الآن في عقدها الثامن، وأخشى أن تنزل بها لعنة العقد الثامن كما نزلت بسابقتيها”.

وتابع باراك أن: الدولة العبرية “تقع في محيط صعب لا رحمة فيه للضعفاء”، محذراً من العواقب الوخيمة للاستخفاف بأي تهديد، مضيفاً: “بعد مرور 74 عاماً على قيامها أصبح من الواجب حساب النفس”.

انقسام المجتمع وتفككه عنوان الانهيار

وفي هذا الصدد يقول المؤرخ المقدسي جمال عمرو، إن “كل من قرأ ما كتبه إيهود باراك يتذكر جيداً هذه اللعنة التي حلّت باليهود ويعرف تماماً أنه لم يأتِ بجديد وأن هذه حقيقة تاريخية وليس باراك وحده تحدث عنها ولكنه كان الأكثر صراحة”.

وأضاف عمرو، في حديث مع شبكة مصدر الإخبارية، أن “كلمات باراك جاءت منسجمة مع واقع الحال هذه الأيام، لأن الاحتلال هذه الأيام يعاني الأمرّين من انقسامات داخلية سيما بعدما أجرى أربع عمليات انتخابية خلال سنتين، والآن الكنيست قاب قوسين أو أدنى من أن يسقط ومن المحتمل جداً أن يذهب لانتخابات خامسة”.

واعتبر عمرو أن”الاحتلال متشقق ومتشظٍ ووضعه الداخلي مزرٍ تماماً، هناك يمين ويمين متطرف في حالة عدم انسجام اجتماعي بعدما فتحوا الأبواب على مصراعيها لكل من هبّ ودبّ من المهاجرين من أوكرانيا، فجاءهم يهود معترف بهم ويهود غير معترف بهم ويهود من الشرق ويهود من الغرب أشكناز وسفارديم، والحريديم وشيوعيون، جاءتهم جميع الطوائف”.

وأوضح أن “فسيفساء المجتمع الإسرائيلي غريبة جداً” ، متعجباً بقائه متماسكاً طوال هذه الفترة، قائلاً إن “الأصل أنه منتهٍ متشظٍ منذ زمن”.

وعزى ذلك  إلى “ضعف الأنظمة العربية وحرصها على بقاء الاحتلال، حتى تبرر بقائها على سدة الحكم والعرش، الأمر الذي أبقى الاحتلال طويلاً”.

قراءة في تاريخ الدول اليهودية السابقة

واستطرد: “ما ذكره إيهود باراك حقيقة ومن يقرأ التاريخ يجد أن اليهود حيثما ذهبوا حاولوا بناء دولة، حتى أن هناك ولاية في روسيا حددها (الأمين العام الأسبق للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي جوزفيف) ستالين لتكون لهم دولة ولكنهم لم يصمدوا فيها أكثر من عشرين عاماً ثم انهارت، وكان لليهود في بحر الخزر تواجد في شبه دولة (يهود الخزر)، لكنها انهارت نتاج نزاعات داخلية وخارجية”.

وقال عمرو : “تاريخياً كان هناك دولة إسلامية يهودية موحدة، أنشأها النبي داوود (عليه السلام) في عام ١٠٠٠ (ق.م) وحكمها من بعده ابنه سليمان (عليه السلام)، بقيت قائمة طوال فترة حكم داوود وابنه سليمان عليهما السلام، لكن ما إن توفي النبي سليمان حتى قام أبناؤه بشق الحكم إلى نصفين شمالاً وجنوباً، وهنا بدأ النزاع وتشظي وتشتت الحكم ومن ثم إنهائه، وتم تسمية هذا الحكم الذي استمر حتى العِقد الثامن بـالحشمانوئيم، لكنه  زال وانتهى في نهاية المطاف بسبب النزاعات الداخلية”.

وأردف بأن “المجتمع الإسرائيلي الحالي متشظٍ ومنقسم على نفسه بسبب الأصول الكثيرة لديه (من الشرق والغرب ومن أفريقيا الفلاشا”.

وقال إن “واقع المجتمع الإسرائيلي والنزاعات الداخلية وعدم اعتراف الحاخامية بكثير من عادات اليهود الذين يعتبرونهم غير أنقياء وليسوا على الشريعة اليهودية التي يحبونها، والعكس صحيح إذ أن كثيراً من اليهود لا يعترفون بالحاخامية على اعتبار أنها قامت بالتفرقة العنصرية بينهم، والتفرقة بين المتدينين والعلمانيين وهذا نزاع طويل وعميق”.

ولفت إلى أنه “كلما قلت الخلافات بين اليهود والمجتمع الفلسطيني، كلما ظهرت نزاعات وصراعات داخلية بينهم، فنشاهد نزاعاتهم في الشوارع وخروج مسيرات معارضة في تل أبيب والقدس”.

وذكر أن هذه الانشقاقات داخل المجتمع الإسرائيلي وحالة الضعف جاءت “متزامنة مع نشأة الحسّ الوطني لدى الفلسطينيين، بعدما كانوا منقسمين على أنفسهم، لكنهم اليوم بدأوا يجمعون شتاتهم على رفض أساليب الاستسلام والوهم والسراب الذي جاء به اتفاق أوسلو وانحازوا تماماً لصالح مقاومة الاحتلال في شكل عام”.

وأضاف عمرو، أن “كثيراً من الكتب تحدثت عن لعنة العِقد الثامن، من بينها باللغة الألمانية، لأن العديد من اليهود يتحدثون بلغة الإيدش القريبة من الألمانية، كما أن فصلاً كبيراً للألمان في العداء لليهود، وعداء إسباني تاريخي لليهود”.

مؤلفات تحدثت عن لعنة العِقد الثامن

وأفاد عمرو أن من بين العديد من المؤلفات والكتب هناك “مجلد لعبد الوهاب المسيري تحت اسم اليهود واليهودية والصهيونية تحدث فيه عن النزاعات الهائلة جداً بين اليهود وتناقضات بين التوراة الأورشاليمية والتوراة البابلية، وهي مليئة كلها بالأكاذيب”.

هاجس العقد الثامن، أثار مخاوف عديد من السياسيين والمسؤولين الإسرائيليين وتحدثوا عنه في أكثر من مناسبة، وحاولوا ركوب الموجة بذريعة أنهم الأبطال الذين سيوجهوا السفينة إلى بر الأمان.

وكان من بين هؤلاء المسؤولين، رئيس وزراء الاحتلال السابق بنيامين نتنياهو الذي قال إنه “يتوجب على إسرائيل أن تستعد من الآن لخطر وجودي كي تتمكن من الاحتفال بالذكرى المئوية لإقامتها بعد أقل من 30 عاماً”.

وأعرب نتنياهو عن خشيته من انهيارها في العِقد الثامن، وأن تواجه مصير دولة “الحشمانوئيم”، التي لم تعمّرإلى هذا الحد.

وتبقى لعنة العِقد الثامن رهينة التوقع والتكهن واستقراء الأحداث التاريخية والجارية والمقارنة بينها، وقد يتحول احتفال الإسرائيليين بإقامة دولتهم خلال السنوات المقبلة إلى عزاء كبير بانهيارها ورحيلهم عن الأرض الفلسطينية السليبة غداً.

اقرأ/ي أيضاً: مدّد اعتقال آخر.. الاحتلال يفرج عن شابين من معتقلي وقفة جامعة تل أبيب