هل هذا مَساسٌ بالأقصى؟

أقلام _ مصدر الإخبارية

بقلم: د. محمد مشتهى

يتصور البعض بأن خوض معركة جديدة لأجل القدس من شأنها إبطاء أو تثبيط أو الحد من التفاعل الشعبي المُقاوِم في الضفة أو أنها ستؤثر على العمليات المسلحة سواء كانت فردية أم منظمة وأنها ستحد من التفاعل لدى شعبنا في الداخل المحتل، هؤلاء بتقديري مخطئون وذاكرتهم قصيرة، لأن العكس تماماً هو الصحيح، فمعركة سيف القدس الأخيرة التي انطلقت لأجل القدس وهي العنوان الكبير للقضية الفلسطينية كانت بمثابة دافع قوي لزيادة وتيرة العمليات الفردية والمنظمة بالضفة وزادت من تسليح المقاومين وتنظيمهم وزادت من التواصل الفعّال مع شعبنا في الداخل المحتل، وإنّ أي إحصائي مبتدئ يمكن أن يرصد هذا الأمر وبالأرقام وبلا أدنى عناء، فالمقاومة ومن يؤيدها بعد معركة سيف القدس استطاعت بخلاف مراحل سابقة أن توجّه رسائل من غزة إلى الضفة والداخل، تلك الرسائل وجدت من يتلقفها ويتفاعل معها ثم يُنادي بها في المسيرات وفي باحات المسجد الأقصى، برأيكم لماذا؟ مؤكد هو أحد نتائج معركة سيف القدس التي ربطت مقاومة غزة بكامل تراب فلسطين من خلال الأقصى.

إن عموم الناس عادة تنجذب للشعارات الوطنية وتزداد انجذابا لها عندما ترى تلك الشعارات يتم تطبيقها في الميدان، أما في حال بقيت تلك الشعارات مجرد شعارات ولم تنزل للميدان فإن الناس تدريجيا تبدأ بالتّفلت من حولها ولا تهتم لها ثم تتحول هذه الشعارات بعد ذلك لثغرات ينقض من خلالها الخصوم.

لذلك بتقديري (والذي مؤكد سيختلف معه آخرين) إن خوض المعارك ذات العناوين الوطنية مهم جداً بغض النّظر عن الخسائر، فحسابات الربح والخسارة لا مجال لاعتمادها استراتيجيا لكن يمكن اعتمادها في التكتيك والميدان فقط بتقليل الخسائر وزيادة الربح، لكن إنْ تم اعتمادها استراتيجيا فهذا يعد مقتلة لحركات التحرر التي تسعى للخلاص من احتلالها، فكل الشعوب التي تحررت من احتلالها لم تعتمد معادلة الربح والخسارة على المستوى الاستراتيجي، وكل حركة تحرر اعتمدتها استراتيجيا أدركت خطأها ثم عادت لاعتمادها على المستوى التكتيكي فقط، ويجب التأكيد مجددا على أن كل مكونات شعبنا بجغرافيته واقتصاده وتعليمه وجامعاته ومدارسه ومقدساته ومؤسساته ومزارعه ومصانعه مهدَّدة وليست بخير ولن تكون بخير في وجود الإحتلال.
بتقديري إقتناص العناوين الوطنية وهذا الانجذاب الكبير من الرأي العام الوطني وهذه النداءات الصادقة للمقاومة سواء من الضفة أو من الداخل المحتل وحتى من غزة وهذه الصور والفيديوهات المقدسية التي تنخلع من مشاهدتها قلوب الأحرار حزناً وألماً، إقتناصها مهم جداً ويُراكم الانجازات تلو الانجازات حتى لو تم خوض معارك محدودة ومحسوبة، وحتى لا يُفهم أن كاتب المقال هو من عشاق ومن دعاة الحروب، فالأمر ليس كذلك قطعاً، فالمقاومة يزدهر أرشيفها بمئات المهام والعمليات الجهادية التي في النهاية لم ترقى لحدوث حرب، فخوض الحرب بحاجة إلى حسابات خاصة ودقيقة ومن يقدر ذلك هي فصائل المقاومة، وبإعتقادي أن للمقاومة تقديراتها وحساباتها التي مؤكد أنها لا تستند ولا تتأثر لمقال نُشر هنا أو هناك، ما قصدته أنه يجب ألا تُترَك هذه العناوين الوطنية أن تمر بلا تدخل من المقاومة، هذا التدخل يُشير له بالبنان كل من يؤمن بها، فسلاح المقاومة هو سلاح الوطن على إمتداد ساحاته، وهو سلاح هجومي قبل أن يكون دفاعي، فالوطن واحد وساحاته واحدة وهذا ما تؤكده دوما خطابات قيادة المقاومة، فالسلاح دوما يجب أن يُشهَر من أجل القدس والأقصى كما حدث في سيف القدس، ومن أجل التغول على شعبنا ومن أجل الأسرى كما حدث من تهديدات سابقة للمقاومة ومن أجل كافة القضايا الوطنية، هكذا تزداد المقاومة إلتصاقا بشعبها ويزداد شعب المقاومة إلتصاقا بها، ولينظر الجميع للفارق الكبير لدى عموم شعبنا والكثير من الدول الحرة مما أحدثته سيف القدس والذي لايزال يتغنى بها مختلف السياسيون والمحللون حتى يومنا هذا رُغم أنه شارف على انتهائها عام، لكنهم لا يزالون يذكرونها في كل لقاءاتهم وكأنها إنتهت بالأمس، لذلك بتقديري عدم تفويت تلك الفرص الوطنية لأنه في النهاية من يكسب هو الوطن.

هناك من يُعزي نفسه بأن اقتحامات المستوطنين على شكل جروبات للمسجد الأقصى هو إنجاز، لكنه في الحقيقة ليس كذلك، فالاقتحام سواء كان بالجملة أو بالقطاعي هو إقتحام، والاقتحام بالمواقيت التي يحددها قادة العدو اليميني المدعوم رسمياً من حكومة الاحتلال هو فعليا تقسيم زماني ومكاني للأقصى، وإن ما جرى للمسجد الإبراهيمي ليس ببعيد عن ذاكرة شعبنا، وهناك من يُعزي نفسه بأن عدم رفع العلم الصهيوني أثناء إقتحام المستوطنين للمسجد الأقصى بأنه إنجاز، هؤلاء يتناسون مئات المستوطنين المقتحمون ومئات جنود الاحتلال المدججين بالسلاح، ويتناسون الإعتداء على النساء والعجزة والمعاقين والمصلين وتكسير نوافذ المسجد القبلي وتدنيسه ببساطير جنود الاحتلال ثم يذهبون للإشارة لعدم رفع العلم الصهيوني!!، يا هؤلاء لا تقلقوا فالمرة المقبلة يرفعونه!!!! هؤلاء يُعزّون أنفسهم ويهربون من استحقاقات مواجهة الحقيقة، العدو الصهيوني يتمادى تدريجياً في تقسيم المسجد الأقصى، وهذا يعتبر مَساس بالأقصى، وإلاّ هل ممكن أن يجيبنا أحدهم على السؤال التالي: ما هي حدود المَساس بالاقصى؟ وهل ما يجري هو مساس بالاقصى أم لا؟