حرية العبادة والشعائر الدينية لا تكون بسرقة مساجد الاخرين

أقلام _ مصدر الإخبارية

بقلم/ د. نزيه خطاطبه

يصعب على الكثيرين في العالم، خاصة العلمانيين او غير المؤمنين ، ادراك أهمية ومكانة القدس والاقصى تحديدا عند الفلسطينيين والمسلمين عامة , وحجم القوة التفجيرية التي يشكلها المسجد الأقصى. لكونه يمس المشاعر الدينية لكل مسلم حيثما كان، ويمكنه أن يُخرج الشعوب إلى الشوارع من نواكشوط في موريتانيا إلى جاكرتا في اندونيسيا.

احدى القصص المتداولة عن طيار اسرائيلي “غيورا روم”، جرى اسره في مصر بعد 3 اسابيع على محاولة حرق الاقصى في العام 1969 والتي توضح عمق العلاقة والمشاعر تجاه الاقصى . فبد ثلاثة أسابيع من الحادث كان الطيار روم يقود طائرة ميراج فوق دلتا النيل، وتمكن طيار مصري بطائرة ميغ من إسقاطه، وخلال عملية القفز من الطائرة أصيب بروم بجروح خطيرة في ساقه، وعندما هبط على الأرض، تم أسره من قبل مجموعة من القرويين المصريين الذين صبوا غضبهم عليه، وبعد أن طعنوه بمذراة، نقلوه إلى عيادة في بلدة منسية، ربما لم يسمع معظم المصريين باسمها.

في هذه البلدة لم يكن هناك طبيب، وفقط بعد عدة ساعات وصل طبيب من بلدة أخرى، خدّر روم وأجرى له عملية في ساقه المصابة، وعندما أفاق بعد العملية، كان هناك ممرض مصري جالسا قربه. طلب روم منه الماء بصوت خافت، فجلب له الممرض قطعة صوف مبللة ومسح شفاهه بها، وفورا سأل الممرض المصري روم: “قل لي من الذي أحرق الأقصى؟”. الإجابة المنطقية الوحيدة التي خطرت في بال روم هي “لست أنا”.

هذا كان في عام 1969؛ لا انترنت، ولا تلفزيون بقنوات فضائية ولا هواتف خلوية او سوشيا ميديا حتى أنه من الصعب أن تجد هاتفا سلكيا، مع ذلك فإن أكثر ما كان يقلق الممرض المصري في البلدة المنسية، وعند لقائه للمرة الأولى بإسرائيلي وجها لوجه، هو “ما الذي حدث للمسجد الأقصى”.

قادة الاحتلال ورموز اليمينين الصهيوني المتطرف والمستوطنين الذين يعمدون الى اشعال النار يدركون اهمية الاقصى جيدا، لذلك غالبا ما يحاولون اشعال الاوضاع في القدس من خلال استباحة ساحات الأقصى اقتحاماتهم المتكررة لتحويلها الى روتينية تمهيدا لتنفيذ مشروعهم لتقسيم الأقصى زمانيا ومكانيا وإقامة هيكلهم المزعوم في ساحاته او مكان الأقصى .

فقد تحولت القدس ومركزها الاقصى على مدى الاسبوعين الماضيين الى ساحة حرب وتكسير عظم بين المرابطين المدافعين عنه والشعب الفلسطيني وبين المستوطنين وقوات الاحتلال التي كانت تحمييهم وتحاول بكل الوسائل القمعية والاعتقالات كسر صمود المرابطين المدافعين عن الاقصى وابعادهم خارجه لتسهيل مهمة المستوطنين والمنظمات المتطرفة لذبح الاضاحي في ساحاته بدعوى انهم يمارسون حقهم في تأدية شعائرهم الدينية المقدسة .
من الواضح ان الشعب الفلسطيني بصموده في الاقصى والتهديد المباشر والجدي من قبل المقاومة في غزه قد افشل ما خطط له الاحتلال وعبر الضغوط التي مورست من قبل الانظمة العربية عبر اللقاءات المتعددة التي عقدت عشية شهر رمضان , في تهدئته ومنعه من المقاومة وحماية الاقصى , واعاد القدس الى مربع الصراع وجعلها خطا احمر يمنع المساس بها . فالمقاومة الفلسطينية بشقيها الشعبي والمسلح ( وليس دور السلطة التي اعتكف رئيسها بعيدا عن الانظار) افشلت مخطط المستوطنين, واجبرت حكومة الاحتلال على منع مسيرة الاعلام التي يقودها عضو الكنيست المتطرف إيتمار بن غفير على التوجه لساحة باب العمود والاقصى .

لم تقتصر الهجمة الصهيونية على الأقصى وانما استهدفت كذلك المسيحيين الارذوكس حيث قيدت من وصولهم لكنيسة القيامة في سبت النور، وهو الأكثر قداسة لدى المسيحيين ما حرم مئات الحجاج المسيحيين القادمين من الخارج وخاصة من مصر من ممارسة شعائرهم الدينية والبقاء خارج الكنيسة رغما عن انهم امضوا ليلتهم بانتظار الدخول إليها.
وقد ادان المطران عطا الله حنا رئيس اساقفة سبسطية للروم الارثوذكس الاعتداءات على الأقصى وكنيسة القيامة ودعا الى توحيد الجهود في الدفاع عن القدس المستهدفة والمستباحة في كافة تفاصيلها.ودعا الى ترتيب البيت الفلسطيني الداخلي و العمل على انهاء حالة الانقسام وتوحيد الصفوف لان الإخطار المحدقة بنا جسيمة وهنالك مخططات خبيثة هادفة لسرقة القدس من اصحابها وتصفية القضية الفلسطينية بشكل كلي.

واكد على رفضه تحويل الصراع الى صراع ديني لانه ليس كذلك كما ورفض ان تتحول الاعياد الدينية الى مبرر للتطاول على القدس ومقدساتها من خلال اقتحام الاقصى من قبل المستوطنين بهدف تقديم قرابينهم الفصحية كما يدعون.
الاقصى يتعرض للاستهداف والاستفزاز وهذا هو حال الاوقاف المسيحية التي يتم الاستيلاء عليها عنوة و اجراءات تعسفية بحق المسيحيين الذين يحتفلون بعيد القيامة.

حرية العبادة والشعائر الدينية لا تعني تقييد الفلسطينيين من زيارة مسجدهم وكنيستهم بينما تسمح ذلك لليهود المتطرفين باقتحام مساجد الاخرين لممارسة شعائرهم فيها , فهل تسمح قوات الاحتلال للفلسطينيين بزيارة حائط المبكى الذي يعتبر جزءا من المسجد الاقصى وجرى سرقته والادعاء بأنه يهودي كما تفعل ذلك مع العديد من المواقع في العديد من المدن الفلسطينية وخاصة قبر يوسف في نابلس التي تدعي انه يهودي مع انه يعود لأحد الشيوخ الفلسطينيين من سكان المنطقة.
القدس سوف تبقى فلسطينية وعاصمة للشعب الفلسطيني الذي تمتد جذوره عميقة فيها عبر التاريخ ولن تتمكن اي قوة غاشمة وعاتية من اقتلاع وجوده والنيل من اصالة هذا الوجود وعراقته في هذه البقعة المقدسة من العالم.