هل تفتح الاعتداءات الإسرائيلية في القدس شهية المنفذين للعمليات الفدائية؟

خاص مصدر الإخبارية – أسعد البيروتي
على مدار الأيام الماضية، لم تتوقف اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي بحق المقدسيين والفلسطينيين عامةً الوافدين من مُدن وقُرى وبلدات الضفة الغربية المحتلة للرباط في المسجد الأقصى المبارك، تلبيةً لدعوات وزارة الأوقاف الإسلامية، واعتزازًا بمكانة المسجد الأقصى، وتثبيتًا لحق المواطنين فيه، ورفضًا لسياسات الاحتلال وممارسة المستوطنين المتطرفين.
قال د. صالح النعامي الخبير في الشأن الإسرائيلي: إن “تل أبيب تكتسب أهمية بالغة كونها تعتبر العاصمة الفعلية للكيان حيث تُعد أكبر تجمع للمستوطنين، تضم ما يزيد عن 3 مليون مستوطن وتبلغ مساحتها 53 كيلو متر مربع، وتُمثل عصب الحياة نظرًا لوجود مقرات ومؤسسات الحكومة كافة المتمثلة في المخابرات، الموساد، الشاباك، الدفاع، وغيرها”.
شانزليزيه تل أبيب
وأضاف خلال تصريحاتٍ لشبكة مصدر الإخبارية، أن “تل أبيب تشهد أكبر نشاط تجاري واقتصادي، كما تضم العديد من القواعد العسكرية للجنود الإسرائيليين، ومن معالمها “شارع زينغوف” الذي يمتاز باختراق تل أبيب من الشرق إلى الغرب، وبكثافة المجمعات التجارية، مراكز التسوق، المطاعم، الملاهي، دور السينما، ويُمثل معلمًا سياديًا للاحتلال”.
وأشار النعامي، إلى أن العمليات الفدائية المُنفذة في شارع زينغوف خلال الفترة الماضية تُمثل استهدافًا حقيقيًا لعصب الحياة في “إسرائيل”، منوهًا أن انتقال منفذي العمليات من قلب الضفة الغربية إلى تل أبيب مرتبط بقدرة المنفذين حيث كان سابقًا تُجرى العديد من العمليات بداية الانتفاضة الأولى والثانية، وبعدها نجحت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية بالتعاون مع الأجهزة الاستخباراتية للسلطة الفلسطينية على مَدار السنوات الماضية من تقليص فرص قدرة الشباب الفلسطيني على الوصول لمُدن الداخل المحتل.
ولفت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي نجح عبر التنسيق الأمني، بضبط دخول السلاح للأراضي المحتلة عام 1948 كما ضبط تصاريح العمل الممنوحة للعمال الفلسطينيين، ونشر عشرات الأفراد الأمنية على الخط الفاصل لمنع دخول منفذي العمليات لفلسطين المحتلة
لم يكن اختيارًا عبثيًَا
وتابع: “جميع العمليات الأخيرة، نفذها أصحابُها بشكلٍ فردي من خلال تقديرهم للمكان الذي يُؤلم الكيان الإسرائيلي ردًا على جرائمه المستمرة بحق أبناء شعبنا في أماكن تواجدهم كافة، مؤكدًا أن اختيار المنفذين لتل أبيب لم يكن عبثيًا”.
ونوه إلى حالة الهلع في صفوف الكيان الإسرائيلي على المستويات كافة، مستذكرًا إرغام سلطات الاحتلال المستوطنين على عدم مغادرة بيوتهم إبان العملية الفدائية التي نفذها الشهيد رعد خازم مطلع الشهر الجاري.
وأكد أن العمليات الأخيرة التي شهدتها مُدن الداخل المحتل قلبت الموازين رأسًا على عقب وبددت زيف التنسيق الأمني والتطبيع مع الاحتلال وشددت على أنه لا أمان للمحتل ما لم يتحقق للفلسطينيين، لافتًا إلى أن مشاركة بعض سُكان الداخل المحتل في تلك العمليات كعملية الخضيرة وبني براك يضعهم في بُؤرة الاستهداف ويشمل التحريض عليهم في مواقع التواصل الاجتماعي مِن قِبل النُخب السياسية الإسرائيلية.
وأردف: “أمر التضييق على سكان الداخل متوقف على المستقبل، وما إذا كانت الأيام المقبلة ستشهد مزيدًا من العمليات الفدائية مما سيُوجد حالةً من التصعيد ضد أهالي مُدن الداخل الفلسطيني المحتل، خاصةً في ظل الهجمة الإسرائيلية المسعورة ضد المقدسيين وما تشهده مدينة القدس في الآونة الأخيرة”.
وأوضح النعامي، أن الإسرائيليين يُوظفوا أدواتهم في حملات وأدوات سياسية بالتعاون مع الإدارة الأمريكية، للضغط على السلطة الفلسطينية باتجاه تكثيف إجراءاتها الأمنية بشكل أكبر، لافتًا إلى أن تنديد رئيس السلطة محمود عباس بالعمليات الأخيرة ضد الاحتلال يأتي ضمن هذا السياق.
ونوه إلى أن الولايات المتحدة مَعنية بشكلٍ كبير في منع أي تهديد يتعرض الإسرائيليون له، لكنها في ذات الوقت لن تطلب من الكيان وقف هجماته واعتداءاته بحق الفلسطينيين بل تطلب العكس تعزيزًا لسياسة التنسيق الأمني بين طرفي السُلطة وإسرائيل.
من جانبه يقول المحلل والكاتب الفلسطيني د. منصور أبو كريم: إن “المشاعر الوطنية تتصاعد مع شهر رمضان المبارك، وجرت العادة خلال السنوات الماضية، تزايد حِدة المواجهة بين الفلسطينيين في كافة أماكن تواجدهم والاحتلال الإسرائيلي وقُطعان مستوطنيه وهو ما نُشاهده في هذه الأيام بشكلٍ واضح متمثل في اعتداءات قوات الاحتلال على المصلين والتضييق عليهم ومنعهم من الصلاة والرباط في المسجد الأقصى المبارك”.
الذئاب المنفردة
وأضاف خلال تصريحاتٍ خاصة لمصدر الإخبارية: “إسرائيل تُحاول تثبيت قواعد جديدة على الأرض في مدينة القدس تتمثل في طرد السكان والتوسع الاستيطاني ومنع دخول المقدسيين للمسجد الأقصى وغيرها ما ينتج عنه تلاحم المشاعر الوطنية والدينية التي تُولد ردودَ فعلٍ واسعة في الشارع الفلسطيني”.
وأشار إلى أن العمليات الفردية التي شهدناها في العمق الإسرائيلي خلال الفترة الماضية، تتسبب في إرباك منظومة الأمن الإسرائيلي نظرًا لصعوبة تتبع العمليات ومنعها، حيث يصبح الفرد خلية مما ينتج عنه صعوبة بالغة في الحصول على معلومة مسبقة حول نية أحدهم تنفيذ عملية أو التخطيط لها.
وأوضح أن “العمليات الفردية التي ينفذها أفراد ينتمون للتيار الوطني كعملية تل أبيب التي نفذها الشهيد رعد خازم، إلى جانب عمليات أفراد تنظيم “داعش” تسمى بإستراتيجية “الذئاب المنفردة” وتقوم على أن كل شخص أو اثنين يصبحوا خلية يتخذوا قرارًا من أنفسهم ويكونوا قادرين على تنفيذ عملية داخل العمق الإسرائيلي دون الحاجة للرجوع للمستوى الأعلى بما يُعطي أجهزة الأمن القدرة على تتبع ذلك”.
التحدي الأكبر أمام الاحتلال
وأكد أبو كريم، أن العمليات الفردية تُمثل التحدي الأكبر أمام المنظومة الإسرائيلية لذلك تنشر القوات الإسرائيلية وتُعزز التواجد الاستخباراتي في مُدن وقرى وبلدات الضفة الغربية والداخل الفلسطيني المحتل لمحاولة السيطرة على العمليات الفردية إلّا أنها تفشل لافتقادها المعلومة الأمنية التي تُسهم في منع العمليات أو الحَد منها.
ولفت إلى أن العمليات الفردية تقلب الطاولة على السياسات الإسرائيلية، بعدما ظنت سلطات الاحتلال أنها دجنت الشعب الفلسطيني وسيطرت عليه من خلال الاعتقالات اليومية ونشر الحواجز وتشديد القبضة الأمنية للحد من مقاومته ونضاله ضد الاحتلال.
وأوضح أن إسرائيل انتهجت الخَيار العسكري منذ سنوات طويلة، وهو يهدف إلى حسم القضية الفلسطينية على مستوى الإجراءات الأمنية على الأرض ومصادرة الأراضي لصالح التوسع الاستيطاني، وتأتي العمليات الفردية لنسف تلك السياسة لإعادة أهمية الخَيار السياسي.
ونوه إلى أن “إسرائيل مهما اتخذت من إجراءات عقابية أو احترازية فلن تستطيع التنعم بالأمن بشكلٍ كامل إلا في حالة إيجاد تسوية سياسية وهذا أصبح بعيدًا نظرًا لتوجهات المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين الأكثر تطرفًا وتنكره لعملية السلام”.