حول حصار جنين والحل الاقتصادي

آراء – مصدر الإخبارية
مقال بقلم: مصطفى إبراهيم
لا تستطيع دولة الاحتلال التسليم بالفشل الأمني الذي منيت به المنظومة السياسية والأمنية خاصة جهاز الأمن الإسرائيلي العام “الشاباك”، في الكشف وإحباط العمليات الفدائية الأخيرة.
وما نتج عنها عدد من القتلى والإصابات، وحالة الفوضي والإرباك والذعر الذي ساد في أوساط الإسرائيليين خاصة في عملية تل أبيب، الخميس الماضي. والأهم من كل ذلك هو تصدع مفهوم الردع الإسرائيلي.
وهذا يعتبر تحد كبير لإسرائيل وأجهزتها الأمنية المختلفة، ومن وجهة نظر منظومة الاحتلال يجب مواجهته، لاستعادة مفهوم الردع الإسرائيلي وتشديد القبضة الحديدية.
وهذا سيتم التعبير عنه بمزيد من التصعيد الفوري وعلى صعد مختلفة، وفقاً للعقيدة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية ونظرية الجدار الحديدي.
عملت إسرائيل خلال العقدين الماضين على تهميش القضية الفلسطينية، وتفكيك الهوية والشعب الفلسطيني، وتقسيمه إلى مناطق منفصلة وشبه محاصرة وقطع العلاقات بينهما.
وعلى إثر ما يجري من عمليات فدائية داخل جنين وخارجها وتسليط الضوء على جنين وشيطنتها وكأنها مدينة خارج السياق الفلسطيني ومنظومة السلطة في الضفة الغربية وأنها دولة مستقلة.
وتبدو هذه السياسة والخطوات التي تتخذها إسرائيل خاصة ما حدث من اقتحامها يوم السبت في وضح النهار، وأنها بمثابة اختبار لأدوات إنشاء منطقة أو جيب فلسطيني جديد خارج عن السيطرة وفصله عن محيطه.
والسؤال هل تسعى إسرائيل إلى حصار جنين على غرار حصار قطاع غزة، للهروب من الفشل السياسي والأمني ورسم صورة نصر جديدة ضد الفلسطينيين؟
لم تنتظر إسرائيل طويلاً فشنت عدوان سريع اقتحمت من خلاله مخيم جنين، واقتحام منزل منفذ العملية الفدائية في تل أبيب ومطالبة والده وأفراد من عائلته تسليم أنفسهم للشاباك.
يبدو وكأنه رد اعتبار للصورة المهزوزة، وإنجاز نصر سريع يعيد الاعتبار للنظام السياسي والمنظومة الأمنية المهتزة، وترميم صورة الردع، إلا أن هذا العدوان السريع هو خطوة أولية، ومحاولة لردع المقاومة، وما تلاه من قرارات بفرض حصار أمني واقتصادي على جنين.
واتضح الأمر سريعاً باتخاذ خطوات عقابية جماعية ضد جنين وشن عدوان اقتصادي ضدها، وفي خطوة ليست جديدة، نشر “الشاباك” على صفحة على الفيسبوك تسمى “بدنا نعيش”، الصفحة المذكورة أنشأت في العام 2016 ويتواصل من خلالها بالعربية مع الفلسطينيين، وخاطب الشاباك أهالي جنين، عبر صفحة الفيسبوك أن سبب إغلاق معبر الجلمة: “إنه بسبب النشاط العنيف الذي حدث في تل أبيب سيكون له عواقب اقتصادية مباشرة على جنين. لقد رأينا مواكب الدعم بدلاً من الإدانة هذا سيضر بسبل عيش العديد من السكان. لا يمكنكم دعم العنف وتوقع استقرار الوضع الاقتصادي.
وفي مقال للصحفي هليل كوهين نشره على صحيفة هآرتس في 14/8/2020، بعنوان: “لايك للاحتلال: ما الذي يمكن تعلمه من صفحات الفيسبوك التي يديرها ممثلي الشاباك”، قال فيه: في صيف عام 2016، أطلق الشاباك الإسرائيلي صفحة على الفيسبوك باللغة العربية تحت عنوان “بدنا نعيش”، هذا اسم مخادع إلى حد ما. “حول: من الأفضل لكم، أيها الفلسطينيون، المشاركة في تحسين مستوى معيشتك، مقارنة بالسياسة التي تقومون بها.
ومساء السبت أصدر وزير الأمن الإسرائيلي، بيني غانتس، جملة من القرارات بعد جلسة تقدير أمني على إثر العمليات الفدائية، وعدوان الاحتلال باقتحامه مخيم جنين.
حيث قررت سلطات الاحتلال الإسرائيلي منع دخول وخروج فلسطينيي الـ48 من وإلى جنين، سواء كان الدخول مشياً على الأقدام أو من خلال المركبات، من حاجزيْ الجلمة وريحان “حاجز برطعة”.
كما سيُمنع التجار الفلسطينيين من الدخول إلى أراضي الداخل المحتلة عام 1948.
وسيسمح للعمال الفلسطينيين، بمواصلة دخولهم إلى مناطق الـ48 للعمل لكن، بشروط وقيود أمنية مشددة. وحسب قرارات وزير الأمن الاسرائيلي بيتي غانتس، سيُحرم 5 آلاف فلسطيني من لقاء ذويه وعائلته على جانبي الخطّ الأخضر بين سكان محافظة جنين والداخل.
قد تكون هذه الخطوات العقابية الاقتصادية والعدوانية العسكرية والأمنية ضد جنين، جزء من جملة من الخطوات والقرارات التصعيدية العدوانية القادمة في مدن الضفة الغربية، وفي مناطق أخرى من فلسطين سواء ضد غزة أو فلسطيني الداخل لاستعادة الردع وقمع الفلسطينيين.
كما تهدف دولة الاحتلال من خلال تلك السياسات والقرارات، إلى تحييد المقاومة الفلسطينية وعزلها عن حاضنتها الشعبية، ومحاولة كي وعي الفلسطينيين تجاه واقع الضفة الغربية السياسي وتجاه دولة الاحتلال ايضا.
والأخطر شرعنة الحكم العسكري الإسرائيلي والاستيطان في الأراضي المحتلة، وخلق مقاربة في مواجهة المقاومة، والقول أن المقاومة تعمل على تهديد الواقع القائم بدعم الاقتصاد الفلسطيني من خلال التسهيلات وضبط إيقاعها وفقا لمصالح دولة الاحتلال السياسية والامنية، وأن الضلوع في أعمال المقاومة حتى الشعبية بها سيضر بكل من يشارك فيها.
وسنشهد خلال المرحلة القادمة عنف وإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية، والتغاضي عن إرهابهم في خطوات انتقامية منفلتة وبحماية الجيش وأجهزة الأمن.
في المقابل، يبدو النظام السياسي الفلسطيني الرسمي عاجزاً ومرتبكاً، في مواجهة العدوان الاسرائيلي المستمر، ولم يستطع مواكبة التطورات الدولية وفضح جرائم الاحتلال وسياساته الاستيطانية والعنصرية. وما يجري من سياسات أمريكية أوروبية وازدواجية المعايير التي تكيل بها، وعدم الاستثمار بذلك على الصعيد القانوني الدولي ومخاطبة المؤسسات الدولية والمقررين الخواص في الأمم المتحدة بأن دولة الاحتلال ترتكب جرائم حرب من خلال حصار جنين وفرضها عقاب جماعي ضد السكان المدنيين.
على الرغم من الاختلاف حول العمليات الفدائية وإدانة القيادة الفلسطينية وعدد من الدول العربية والاسلامية، إلا أن خطاب القيادة يجب أن لا يكون مرتجفاً وموجه للأنظمة العربية التي سارعت في الضغط على الفلسطينيين لعدم التصعيد ومواجهة السياسات العدوانية الاحتلالية في شهر رمضان، وهي فرصة لإعادة القضية الفلسطينية على جدول الأعمال العربي قبل الدولي، وتوضيح خطورة الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعدم القبول بالحل الاقتصادي الذي تسعى دولة الاحتلال إلى تعميمه، وتماهي الأنظمة العربية والغربية معه كبديل لحل القضية الفلسطينية.
التفكير بشكل جدي في السياسات الاسرائيلية، وكل التجارب السابقة معها، وصعوبة في تصديق نواياها وحلها الاقتصادي يحب أن يكون دافع لرفضه، وعدم الاستسلام له، ويحب أن يكون الهدف الحقيقي والواقع الفلسطيني المعاش هو العمل لفضح الاحتلال ومحاكمة المسؤولين فيه كمجرمي حرب.
اقرأ/ي أيضاً: مصطفى إبراهيم يكتب: محاولة إحياء السلطة