“فتة الحمص” الطبق المُتربِعْ على موائد الغزيين في رمضان

خاص مصدر الاخبارية – أسعد البيروتي
عند دخولك سوق الزاوية وسط مدينة غزة، يجذب انتباهك صوت شابٍ في الثلاثينات من عُمره، يُردد مقولةً شهيرةً لا شك أنك سمعتها يومًا في أحد المسلسلات الرمضانية، “بليلة بلبلوكِ، يا ويلي عليك يلي بتروح بإيديك والمَرة بتغضب عليك”، كلمات بسيطة يُنادي بها المواطن محمد البهتيني أو كما يُعرف بين الناس بـ”أبو طلال”.
يتحرك بخفةٍ والبسمة تعلو وجهه، يُدلل “فتة الحمص” كما لو كانت ابنته الصغيرة، ويعرضها للناس لتكون طعام إفطارهم خلال شهر رمضان المبارك، في ظل الوضع المعيشي الصعب الذي يعيشه سُكان القُطاع المحاصرين إسرائيليًا منذ ما يزيد عن 16 عامًا.
أكلة متوارثة
يقول المواطن “البهتيني” لمراسل مصدر الاخبارية: “مُذْ كنت صغيرًا أعرف فتة الحمص، كَبُرت ولازال والدي وأجدادي يحدثوني عنها، أحببتها وتعلقت بها، كونها أكلة شعبية تراثية فلسطينية متوارثة عبر الأجيال، ولها فوائد جمة فهي تُغني الانسان عن الجوع والعطش، حيث تُعدْ من مكونات طبيعية خالية من المواد الحافظة”.
وأضاف البهتيني: “نُحافظ على فتة الحمص، بإعتبارها موروثًا فلسطينيًا له هويته، في ظل مساعي الاحتلال لطمس هذه الحقيقة بنسب “الأكلة” الشعبية لنفسه أمام العالم، وهو ما يُمثل تعدٍ على تراثنا الوطني منذ القِدم”.
وعن طريقة اعداد فتة الحمص، أوضح “أبو طلال”، أنهم “يُحضروا الخبز قبلها بيوم على الأقل ويقوموا بطحنه في اليوم التالي مِن خِلال الماكينات المُخصصة حفاظًا على النظافة ولجودة المنتج المُقدَم وصولًا لأن يُصبح ناعمًا، ثم يُوضع جانبًا وتُسخن المياه المغلية ويُخمّر الخبز بالماء لمدة خمس دقائق ويُمزج بالحمص والليمون والملح والفلفل والطحينة ويُضاف أخيرًا المكونات الخارجية مثل الحمص الحَب والبقدونس والبهارات وشرائح الليمون لتعطي شكلًا جماليًا لا يُقاوم”.
وتابع: “بعض الناس يطلبون منا إضافة اللحمة، الكبدة، صدر الدجاج، اللحمة مفرومة، وذلك يرجع لإمكانيات الزبون المادية ورغبته، ولكلٍ مِن الناس طلبه ومذاقه الخاص، ونحن حريصون على إرضاء الأذواق كافة”.

وفيما يتعلق بأسعار بيع فتة الحمص المعروضة للمواطنين، أشار “أبو طلال” إلى أن متوسط الأسعار يتراوح ما بين 5 – 20 شيقلًا إسرائيليًا وهي تكفي لسد جوع عائلة كاملة إلى جانب بعض “الفجل” والشوربة خلال شهر رمضان.
بديلًا عن اللحوم
ولفت إلى أن الاقبال على شراء فتة الحمص يشهد تزايدًا ملحوظًا، حيث أصبحت بديلًا عن شراء اللحوم والدجاج، عقب ارتفاع أسعارها بشكل جنوني ووصولها إلى سعر 16 شيقل للكيلو الواحد، ما يدفع بِرَب العائلة إلى سد جوع عائلته بشراء “صينية” فتة الحمص بعشرة شيكل فقط.
ويُشير “البهتيني” الذي يعمل في مطعم الحاج نمر عكيلة، إلى أن يوميًا يقصدهم المتعففون والفقراء مِن الناس، لطلب فتة الحمص مجانًا، وإدارة المطعم بدورها لا تتوانى عن خدمة الناس وسد جوعهم إرضاءً لله سبحانه وتعالى وتجسيدًا لمبدأ التكافل الاجتماعي بين الناس.
ويُضيف: “يُوصينا صاحب المطعم بشكل دائم إلى إعطاء الناس الغير مقتدرين على شراء فتة الحمص أو الفول، وألا نرد محتاجًا أبدًا، هذا رأس مالنا منذ نشأة مطاعمنا عام 1955 على يد الحاج “نمر” وتوارث المِهنة للأبناء ومن ثم الأحفاد”.

ويُوضح أن العاملين في المطعم عددهم ثمانية أشخاص، يُعيل كل منهم أسرته، ويتقاسمون الأدوار خلال العمل، ما بين اعداد فتة الحمص، و”قلي” الفلافل”، وبيع الفول، ويعملون بروح الفريق الواحد ما يكسب العمل رونقًا خاصًا ويزيد جودته.
الدين المعاملة
وعن استثماره منصات التواصل الاجتماعي في الترويج لمأكولاته الشعبية، يُشير “البهتيني” إلى أنه لجأ لنشر مأكولات المطعم الشعبية من الحمص والفول وغيرها عبر منصات أنستغرام وتيك توك وفيسبوك، تعزيزًا لتاريخ المطعم كونه من أوائل المطاعم الشعبية على مستوى قطاع غزة، ويقع وسط سوق “الزاوية” الأثري، ما أكسبه أهمية كبيرة لدى المواطنين.
وأردف: “ديننا دين المعاملة، عند حضور الناس للشراء منا، نستقبلهم بكلمة طيبة وابتسامة صافية، لكسب قلوبهم ومودتهم تعزيزًا لتعاليم ديننا الحنيف خاصةً خلال شهر رمضان المبارك”.

جدير بالذكر أن “فتة الحمص” تعتبر الضيف الحاضر دائمًا على موائد الغزيين، لتميزها بطعمها الرائع ومنظرها الجذاب وهي تكسوها المكسرات والبهارات ذات الألوان البّراقة القريبة إلى المَعدة والمُحببة لدى الصائمين في الشهر الفضيل.
أقرأ أيضًا: قائمة أطعمة يجب تناولها أثناء وبعد الإصابة بفيروس كورونا