طالب فلسطيني في أوكرانيا يروي لمصدر تفاصيل رحلة الهرب من الحرب إلى الجحيم
تعرضت للضرب والشتم

سماح شاهين- مصدر الإخبارية
نودع شوارع أوكرانيا التي استقبلتنا بصدر رحب لنكن ضمن طلاب جامعاتها وجيران سكانها، السماء ترعد بصوت الطائرات، وتمطر علينا خوفًا وحربًا ولا نعلم نسبة نجاتنا منها.
حملت حقيبة سفري بعد تردد وتوجهت للحدود هربًا من حربٍ أخرى في حياتي كفلسطيني عاش حروبًا عديدة.
بهذه الكلمات بدأ الطالب الفلسطيني في السنة الثالثة في كلية الطب صالح أبو جبريل يروي قصته لـ” شبكة مصدر الإخبارية” حول رحلته للخروج من مدينة دنيبرو الأوكرانية بعد الغزو الروسي.
يقول أبو جبريل إنّه استيقظ عند حوالي السادسة من صباح يوم 24 شباط (فبراير) على صوت انفجارات في كل مكان، وأنّ الجميع يرحل، ولا يعرف ماذا يحصل.
وأضاف بأنّه نزل إلى الشارع ليرى ماذا يحصل ويشتري طعام الفطور، ويسحب نقودًا من البنك، لكنه فوجئ بأنّها مغلقة، وبعد عناء عثر على صراف آلي، وانتظر في طابور طويل أربع ساعات، وقبل أن يتوجه إلى سوبر وينحشر وسط ازدحام كبير من المواطنين لشراء حاجات تكفيهم مدة طويلة.
طالب فلسطيني يوثق رحلة الهروب من الحرب في أوكرانيا إلى الجحيم pic.twitter.com/V5JVgfQT49
— مصدر الإخبارية (@msdrnews1) March 17, 2022
فلسطينيون في أوكرانيا يواجهون الموت
وأشار إلى أنّه بعد ساعات عدة، أصبحت الأوضاع سيئة للغاية، والمدينة المجاورة كانت تحت النار بقوة، موضحًا أنّه عندما خرجوا للانتقال إلى مدينة أخرى، فوجئوا بأن القطارات والحافلات والمطارات كلها متوقفة عن العمل، وكأنها نهاية العالم.
وقال الطالب، وهو أحد فلسطينيون كانوا في أوكرانيا، إنّ ذويه وأصدقاءه كان خائفين كثيرا عليه، نظراً لأن أوضاع مدينة دنيبرو خطرة جداً، ومع ذلك لجأ إلى النوم لأنه لا توجد طريقة أخرى، قبل أن يتصل به صديق له ويخبره بوجود حافلة متوجهة إلى حدود بولندا بتكلفة 150 دولارًا، فتردد في اتخاذ القرار لأنه لا يملك سوى 170 دولارًا.
وختم بالقول: “في النهاية قررت التوجه إلى حدود بولندا حاملًا حقيبة صغيرة فيها أوراقي المهمة وبعض الطعام، من دون أي ملابس إضافية، وتركت، حزيناً، كل شيء خلفي في غرفتي”.
وأوضح أن رحلة الحافلة استغرقت 30 ساعة، قبل أن تصل إلى الحدود، وتمنعهم قوات الجيش الأوكراني من مواصلة الطريق، فسار الركاب مشيًا على الأقدام 22 كيلو متر، مشيرًا إلى أنّه خلال المشي كان يختفي بعضهم ولا يعرفون إلى أين ذهبوا.
وزاد أنّ الطريق كانت معتمة وباردة جدًا، وبدأت علامات الإرهاق تظهر عليهم، واتسخت ملابسهم، لكنهم واصلوا المشي حتى وصلوا إلى نقطة تبعد عن الحدود بنحو سبعة كيلو مترات.
وأشار إلى عنصرية الجيش الأوكراني، إذ اعتدى عليهم بالضرب والشتم، لافتًا إلى أنّه اتجه وصديقه إلى الحدود عبر غابة محفوفة بالمخاطر، لكنهم تخطوا نقاط الجيش ووصلوا إلى الحدود المشتركة مع بولندا.
من الحرب إلى الجحيم
بعد وصولنا، أغلق الجيش الأوكراني الحدود بتعليمات من بولندا الأبواب كافة في وجه الفلسطينيين، وسُمح فقط للمواطنين الأوكرانيين باجتيازها، قال أبو جبريل بأسى.
نام أبو جبريل على الرصيف مدة ساعتين وعندما استيقظ اكتشف أن لون جسده تحول إلى البنفسجي، فهرع مسرعًا ليشعل النار، واحتمى من البرد القارس بقطعة قماش صغيرة بحوزته، أهدتها له والدته في وقت سابق مشفوعة بدعوات رافقته أينما ذهب.
تناول وصديقه كأسين من الشاي وبعضاً من البسكويت قدمها لهم متطوع، فشعرا بالدفء قليلًا، قبل أن يسوء المناخ أكثر، وتتساقط الأمطار والثلوج.
عند التاسعة من صباح اليوم التالي، فتح الجيش الأوكراني الأبواب لعبور النساء من جميع الجنسيات، لكن الذكور فوق 18 من الأوكرانيين والأجانب والطلبة مُنعوا من العبور، وانتظروا حتى الواحدة ظهرًا عندما بدأ الجيش بإدخالهم واحدا تلو الأخر، مع الشتائم والضرب.
ظل واقفًا أربع ساعات حتى تورمت قدميه، وأصبحت مثل أقدام الفيلة، ومع هبوط الظلام، تواصل الانتظار المحفوف بالخوف والوجع خمس ساعات أخرى.
أقدام أبو جبريل كانت لا تزال قادرة على احتمال الوقوف الطويل، لكن فتاة صغيرة أغمى عليها من شدة التعب، فقدم لها المساعدة وغطاها بقطعة القماش من أمه، إلى أن وصلت فرق الإنقاذ لتقديم رعاية طبية لها، قبل أن يواصل التقدم ببطء وصلولاً إلى نقطة العبور لوضع ختم المغادرة على جواز سفره.
خاب ظن أبو جبريل بعد إغلاق بوابة الفرج، التي ستُفتح عند الساعة الثامنة صباحًا، وانتظر مع مجموعة كان يرافقها في ما يشبه القفص، في درجة الحرارة أقل من صفر مئوية، والجوع ينهش أحشائه لأنه لم يتناول أي طعام منذ يومين.
التوت إحدى قدميه، ومع ذلك شعر بالراحة، وحمد الله كثيرا عندما شاهد ثمان مصابين في حال خطرة، عظام بعضهم محطمة.
“أشهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله” قال أبو جبريل بفرح غامر، بعدما اجتاز الحدود إلى الأراضي البولندية، وتمنى أنّ تُحذف هذه الأحداث والمشاهد من ذاكرته إلى الأبد، بعدما نجا من جحيم الحرب.
لكن سرعان ما حزن من جديد، لأنه ما زال لا يعرف ماذا سيحصل معه في الساعات والأيام المقبلة، وما مصير حياته ودراسته، إذ تبقى شهران فقط وينتهي من دراسة السنة الجامعية الثالثة، وعليه أن يلتحق بتدريب عملي داخل إحدى المستشفيات.
وأكد على أنّ وزارة الخارجية والمغتربين الفلسطينية لم تتصل به، ولم تقدم له أي مساعدة، وأنّه اتصل على موظفين فيها وكان الهاتف مغلقاً.
ولفت إلى أنّ بولندا قدمت لهم سكناً موقتاً، وأنّه قرر التوجه إلى ألمانيا ومنها إلى بلجيكا.
حال الطالب أبو جبريل ليس أقل سوءاً من أحوال غيره من فلسطينيون مقيمون في أوكرانيا منذ عشرات السنين، وانتهى بهم الحال بين نيران الحرب ومعاناة التهجير واللجوء.
إقرأ/ي أيضًا: الخارجية لمصدر: مساعي مع هذه الدول لاستيعاب الطلبة الفلسطينيين من أوكرانيا