قدّم الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، اليوم الأربعاء، إحاطة إحصائية شاملة حول أوضاع الفلسطينيين مع نهاية عام 2025، عشية استقبال العام الجديد 2026، كاشفاً عن مؤشرات غير مسبوقة تعكس كارثة إنسانية وديموغرافية عميقة، ستترك آثاراً طويلة الأمد على الاستقرار السكاني، والتنمية، وحقوق الإنسان في فلسطين.
خسائر بشرية هي الأعلى في تاريخ الصراع
وأظهرت البيانات الصادرة عن وزارة الصحة أن عدد الشهداء في فلسطين تجاوز 72 ألف شهيد منذ بدء العدوان الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، شكّل قطاع غزة وحده ما نسبته 98% من هذه الحصيلة، في أعلى عدد شهداء يسجل خلال عدوان واحد في تاريخ الاحتلال.
وبحسب الإحصاء، بلغ عدد الشهداء في قطاع غزة حتى نهاية ديسمبر/كانون الأول 2025 نحو 70,942 شهيداً، من بينهم 18,592 طفلاً ونحو 12,400 امرأة، في حين لا يزال قرابة 11 ألف شخص في عداد المفقودين، وارتفع عدد الجرحى إلى أكثر من 171 ألف مصاب. كما اضطر نحو 100 ألف فلسطيني إلى مغادرة القطاع، في وقت نزح فيه قرابة مليوني مواطن من أصل 2.2 مليون كانوا يقيمون في غزة قبل العدوان، دون أن يحميهم النزوح من القصف المستمر.
وفي الضفة الغربية، أسفر تصاعد عدوان الاحتلال واعتداءات المستوطنين عن استشهاد 1,102 فلسطيني وإصابة 9,034 آخرين.
تراجع سكاني حاد في قطاع غزة
وانعكست هذه الخسائر البشرية وحالات النزوح القسري بشكل مباشر على الواقع الديموغرافي، حيث قدّر الجهاز المركزي للإحصاء عدد سكان دولة فلسطين بنحو 5.56 مليون نسمة نهاية عام 2025، منهم 3.43 مليون في الضفة الغربية.
في المقابل، سجّل قطاع غزة انخفاضاً غير مسبوق في عدد السكان بنحو 254 ألف نسمة، أي ما يعادل 10.6% خلال عامين فقط، ليبلغ عدد سكانه حالياً حوالي 2.13 مليون نسمة، في مؤشر وصفه الإحصاء بـ"النزيف الديموغرافي الحاد" الناتج عن القتل والتهجير وتدهور الظروف المعيشية.
الفلسطينيون حول العالم
وأظهرت التقديرات أن عدد الفلسطينيين في العالم بلغ مع نهاية 2025 نحو 15.49 مليون نسمة، يعيش منهم 5.56 مليون داخل دولة فلسطين، و1.86 مليون في أراضي عام 1948، بينما يتوزع نحو 8.82 مليون فلسطيني في الشتات، يتركز معظمهم في الدول العربية، ما يعكس اتساع رقعة التشتت القسري المستمر.
مجتمع فتي رغم الخسائر
ورغم النزيف السكاني، لا يزال المجتمع الفلسطيني مجتمعاً فتيّاً، إذ تشكّل الفئة العمرية (0–4 سنوات) نحو 13% من السكان، بينما تبلغ نسبة من هم دون 15 عاماً حوالي 36%، ويصل من هم دون سن 30 عاماً إلى 64% من إجمالي السكان. في المقابل، لا تتجاوز نسبة كبار السن 4%، ما يبرز ارتفاع نسبة المعالين في المجتمع الفلسطيني.
انهيار شبه كامل للقطاع الصحي في غزة
وأكدت الإحاطة أن العدوان أدى إلى تدمير أو تضرر نحو 94% من مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة، ولم يتبق سوى 19 مستشفى من أصل 36 تعمل بشكل جزئي وبقدرات محدودة جداً. ويبلغ عدد الأسرّة المتاحة حالياً نحو ألفي سرير فقط لأكثر من مليوني نسمة، مع تهديدات بفقدان مئات الأسرّة الإضافية نتيجة الأوضاع الأمنية.
أوضاع خطيرة للنساء والأطفال
وبيّنت البيانات أن نحو 60 ألف سيدة حامل في غزة يواجهن مخاطر صحية جسيمة، في ظل انعدام أو ضعف خدمات الرعاية الصحية، فيما تعاني 155 ألف سيدة حامل ومرضعة من صعوبات حادة في الحصول على الرعاية اللازمة. كما يعتمد أكثر من 70% من السكان على مياه غير آمنة، وتعاني 96% من الأسر من انعدام الأمن المائي، ما أدى إلى انتشار واسع للأمراض، خاصة بين الأطفال.
التعليم في مهب الدمار
وشهد قطاع التعليم تدميراً واسعاً، حيث دُمّرت 179 مدرسة حكومية بالكامل في غزة، وتعرضت 218 مدرسة أخرى للقصف أو التخريب، إضافة إلى تدمير 63 مبنى جامعياً بشكل كامل. كما سجلت خسائر بشرية كبيرة في القطاع التعليمي، باستشهاد نحو 19 ألف طالب، وأكثر من ألفي معلم وموظف في مختلف مراحل التعليم.
انهيار اقتصادي وبطالة قياسية
وعلى الصعيد الاقتصادي، أظهرت المؤشرات انكماش الناتج المحلي الإجمالي في قطاع غزة بنسبة 84% مقارنة بعام 2023، مع استمرار التراجع خلال 2025، فيما انخفض الناتج المحلي في الضفة الغربية بنسبة 13%. وبلغت البطالة 46% من القوى العاملة الفلسطينية، بواقع 78% في قطاع غزة و28% في الضفة الغربية، مع وصول عدد العاطلين عن العمل إلى نحو 650 ألف شخص.
وختم الجهاز المركزي للإحصاء إحاطته بالتأكيد على أن هذه المؤشرات تعكس أزمة شاملة غير مسبوقة، تتطلب تحركاً دولياً عاجلاً لوقف العدوان، وضمان حماية المدنيين، وإطلاق مسار حقيقي لإعادة الإعمار وصون حقوق الشعب الفلسطيني.