خيام الموت البطيء: الجرحى يواجهون برد الشتاء القارس

28 ديسمبر 2025 02:15 م

 سماح شاهين- مصدر الإخبارية

 في فصل الشتاء في قطاع غزة، تتحول أصابع البرد والرياح القارسة إلى معاناة إضافية للمصابين، خاصة المبتورين ومن يحملون بلاتين في أطرافهم.

 هؤلاء الأشخاص يعيشون ظروفًا صحية صعبة، حيث يفاقم البرد ألم العظام والمفاصل، ويزيد صعوبة الحركة والرعاية اليومية، ففي كل زاوية من خيام النزوح والمنازل المتضررة، يتحول الشتاء من مجرد موسم إلى اختبار صبر وألم، يجعل كل خطوة تحديًا والوجع رفيقًا دائمًا.

 هذا الواقع يكشف جانبًا من الكارثة الإنسانية التي يعيشها أهالي القطاع، ويطرح تساؤلات عن الدور الإنساني والمسؤولية المجتمعية تجاه الأكثر ضعفًا.

مكافحة الألم والبرد 

أحمد حسين، شاب في الثلاثين من عمره، في خيمته بمخيم المواصي في خان يونس، الحرب تركته جريحًا، وقد وُضع له بلاتين في قدميه بعد إصابته البالغة، لكنه اليوم يكافح الألم والبرد القارس معًا.

 يبدأ أحمد حديثه بصوت متقطع من شدة الألم لـ"شبكة مصدر الإخبارية": "كلما يأتي الشتاء، أجد أن جسدي لم يعد يتحمل الألم في قدمي ووجعي في المفاصل يزدادان، أحيانًا لا أستطيع حتى النوم من شدة الوجع"؟

 وعن حياته اليومية في ظل هذه الظروف، يوضح: "أعيش في خيمة صغيرة، أحاول تدفئة نفسي بما أستطيع، لكن كل شيء محدود ولا توجد أدوية كافية تخفف من الألم أو تساعد على التئام العظام الوضع الصحي صعب جدًا هنا".

 تتنقل عيناه بين خيمته المتهالكة، وكأنها تعكس سنوات المعاناة منذ الحرب: يقول: "لا أريد أكثر من حياة طبيعية، أستطيع فيها الحركة بدون وجع، لكن كل يوم هو صراع مع الألم والبرد، ومع نقص الدواء والمستلزمات الطبية".

 معاناة أحمد ليست فريدة، فهي تعكس معاناة مئات المصابين في قطاع غزة، ممن يواجهون تحديات الشتاء بأجساد مجروحة وموارد محدودة، في ظل أزمة صحية تتفاقم يومًا بعد يوم.

 شتاء الألم

 في خيمتها بمخيم الشيخ رضوان شمال غزة، تواجه سمية نبهان شتاءً قاسيًا لم يكن أحد ليصوره قبل الحرب، إصابتها التي تعود لبدايات الحرب جعلت كل قدوم للبرد اختبارًا يوميًا لصبرها وصحة جسدها، لكنها اليوم ليست وحدها في معركتها، فهي تعيل أربعة أطفال بعد استشهاد زوجها، وتحاول موازنة رعاية أطفالها مع التعامل مع الألم المستمر.

 سمية تصف الشتاء بأنه "كابوس لا ينتهي"، فالبرودة تجعل الحركة صعبة، ويزيد من حدة الألم في جروحها وجروح زوجها الجريح: "أخاف عليه من المطر ومن أن تتلوث جروحه أو تصاب بالتهاب، كل يوم أخوض معركة جديدة لتعقيم جروحنا، بينما يصرخ من شدة الألم".

 الموارد شحيحة، والأدوية تكاد تكون معدومة، ما يزيد الوضع الصحي سوءًا، خصوصًا مع المنخفضات الجوية المتتالية.

 تقول سمية لـ"شبكة مصدر الإخبارية": "الشتاء يجعل حياتنا أكثر صعوبة الألم في المفاصل والعظام يزداد، وأنا أحاول فقط حماية أولادي وتأمين حياة بسيطة لهم".

 معاناة سمية ليست فريدة، فهي تعكس واقع آلاف المصابين في غزة، ممن يعيشون في ظروف صحية صعبة بين آثار الحرب وقسوة الشتاء، في ظل نقص الرعاية الطبية والمستلزمات الأساسية، لتظل حياتهم اليومية معركة مستمرة بين الألم والصمود.

 وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن نحو 42 ألف مصاب في قطاع غزة تعرضوا لإصابات غيّرت مجرى حياتهم، وتسببت بإعاقات تتطلب علاجا وتأهيلًا طويلي الأمد، وتشمل هذه الإصابات حالات بتر أطراف، أو كسورا معقدة استدعت تركيب بلاطات ومسامير جراحية، إضافة إلى الحاجة للانخراط لفترات طويلة في برامج العلاج الطبيعي.

 ومن بين هؤلاء، خضع قرابة 6 آلاف مصاب لعمليات بتر في الأيدي أو الأرجل، نتيجة الجروح البليغة الناجمة عن القصف والاشتباكات، لتتحول غزة إلى المنطقة الأعلى عالميا في معدلات بتر الأطراف بين الأطفال نسبة إلى عدد السكان.

 وخلفت الإبادة أكثر من 242 ألف فلسطيني بين شهيد وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين معظمهم أطفال، فضلا عن الدمار الشامل ومحو معظم مدن القطاع ومناطقه من على الخريطة.

 كارثة إنسانية

 قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي إسماعيل الثوابتة، إن الظروف الحالية تُنذر بكارثة إنسانية مع غزارة الأمطار واحتمال تشكّل السيول في المناطق المنخفضة وتجميع المياه في التجمعات السكانية القريبة من مجاري الأودية والمصارف.

 وأشار إلى أن الجهات المختصة، وبالتعاون مع المؤسسات الشريكة، عملت على إيواء عدد من الأسر التي تضررت بفعل المنخفض السابق، رغم محدودية الإمكانيات وشح الموارد.

 وأوضح الثوابتة أن أوضاع العائلات ما تزال معقدة وصعبة للغاية في ظل استمرار العدوان وتداعياته المباشرة، مشيرًا إلى أن آلاف العائلات لا تزال تقيم في مراكز إيواء مؤقتة تفتقر لأبسط مقومات الحياة الكريمة، إضافة إلى تضرر واسع في شبكات الصرف الصحي وتصريف مياه الأمطار، مما يزيد المخاطر الصحية والبيئية مع انخفاض درجات الحرارة والاكتظاظ.

 وتبقى قدرة الجهات المحلية على الاستجابة ضعيفة، بسبب إغلاق المعابر ومنع إدخال مواد الإيواء، الأمر الذي يهدد بتكرار سيناريو منخفض "بيرون" الذي تسبب – قبل نحو أسبوعين – بخسائر كبيرة وغرق مراكز إيواء.

 وتشير التقديرات الفنية إلى أن أكثر المناطق عرضة للخطر هي المناطق المنخفضة طبوغرافيًا، والتجمعات المجاورة لمجاري الأودية ومناطق تصريف المياه، إضافة إلى مناطق النزوح العشوائي التي تفتقر لأي بنية تحتية.

 ودعا الثوابتة إلى رفع مستوى الجاهزية المجتمعية والالتزام بالتعليمات الصادرة عن الجهات المختصة، وتعزيز التنسيق بين المؤسسات العاملة في الميدان والبلديات والجهات الإنسانية للحد من المخاطر الحالية.

 وطالب المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية بتقديم دعم عاجل لتوفير مستلزمات الإيواء والطوارئ، والضغط من أجل فتح المعابر وإدخال المواد الأساسية اللازمة للاستجابة الإنسانية.

المقالات المرتبطة

تابعنا على فيسبوك