بينما لا تزال غزة تلملم جراحها بعد حرب مدمّرة خلّفت دماراً واسعاً في البنية التحتية وأزمة إنسانية غير مسبوقة، يكشف تحقيق نشرته صحيفة The Guardian البريطانية عن تحركات مبكرة لشركات أميركية تسعى إلى اقتناص عقود إعادة الإعمار، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجارب سابقة تحوّلت فيها الكوارث الإنسانية إلى فرص استثمارية مربحة.
التحقيق يشير إلى أن عدداً من شركات البناء والخدمات اللوجستية في الولايات المتحدة بدأت، منذ الآن، إعداد عروض ومقترحات غير رسمية للدخول في مشاريع إعادة إعمار غزة، على الرغم من عدم وجود إطار قانوني واضح أو خطة دولية معتمدة لبدء هذه العملية.
فهرس المحتوى [إظهار]
شركات مثيرة للجدل في صدارة المشهد
من بين أبرز الأسماء التي وردت في التحقيق شركة أميركية ارتبط اسمها سابقاً بإنشاء منشآت احتجاز للمهاجرين داخل الولايات المتحدة، عُرفت بظروفها القاسية، وهو ما أثار مخاوف حقوقية من طبيعة الجهات التي قد تتولى مستقبلاً مشاريع يفترض أن تكون إنسانية بالدرجة الأولى.
وبحسب وثائق وتصريحات اطّلعت عليها الصحيفة، فإن بعض هذه الشركات تنظر إلى إعادة إعمار غزة بوصفها مشروعاً اقتصادياً واسع النطاق، خاصة في مجالات النقل، وإدارة المعابر، وتوريد مواد البناء، مع تقديرات تشير إلى أرباح محتملة بملايين الدولارات.
أسعار مرتفعة وأسئلة معلّقة
يكشف التحقيق أن بعض المقترحات التي جرى تداولها تضمنت تكاليف باهظة لنقل المساعدات ومواد البناء، بما في ذلك تسعير دخول الشاحنات إلى القطاع بمبالغ مرتفعة، وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مصير أموال الإعمار، وما إذا كانت ستُوظف فعلاً لخدمة الفلسطينيين أم ستذهب إلى جيوب شركات أجنبية.
ونقل التحقيق عن أحد العاملين في هذا القطاع، طالباً عدم الكشف عن هويته، قوله إن “ما يجري اليوم يشبه إلى حد كبير ما حدث في العراق بعد الحرب، حيث تحولت إعادة الإعمار إلى سوق مفتوحة للشركات الكبرى”.
تراجع مفاجئ وضغوط إعلامية
وفي تطور لافت، أبلغ مالك إحدى الشركات التي تصدّرت العروض صحيفة The Guardian بنيته الانسحاب من السباق، عقب تواصل الصحفيين معه، في خطوة فُسّرت على أنها محاولة لتفادي التدقيق الإعلامي والحقوقي، دون تأكيد ما إذا كان الانسحاب نهائياً.
موقف رسمي غامض
في المقابل، أكدت مصادر في الإدارة الأميركية أن أي خطط تتعلق بإعادة إعمار غزة لا تزال في مراحلها الأولية، وأنه لا توجد حتى الآن عقود رسمية أو مسارات قانونية معتمدة، مشددة على أن أي خطوة مستقبلية يجب أن تمر عبر قنوات حكومية ودولية واضحة.
إعمار لمن؟
ويخلص التحقيق إلى أن ما يثير القلق ليس فقط سباق الشركات على العقود، بل غياب رؤية تضمن أن تكون عملية الإعمار شفافة، عادلة، وتخدم سكان غزة أولاً، في ظل تحذيرات من تكرار نماذج سابقة تحوّل فيها الدمار إلى فرصة للربح على حساب المجتمعات المنكوبة.
المصدر: The Guardian
(مترجم بتصرف تحريري)