في إطار جهود توثيق الانتهاكات المنهجية بحق الأسرى الفلسطينيين، يواصل المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى جمع الشهادات الحية من داخل سجون الاحتلال الإسرائيلي، التي تكشف فظائع تصل إلى مستوى جرائم الحرب. من أبرز هذه الشهادات شهادة الأسير المحرر مصعب مدوخ، الذي فقد عائلته بالكامل، وتعرض منزله للتدمير قبل اعتقاله في مارس 2024 من مشفى الشفاء في غزة.
بداية الاعتقال والاختطاف
يستذكر مدوخ بداية محنته قائلاً: "تم اختطافي من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي من مشفى الشفاء بتاريخ 18 مارس 2024، بعد تدمير منزلي واستشهاد كامل أفراد أسرتي. اقتحمت القوات المشفى بأسلحة ومركبات مصفحة وأعلنت حصاره، ومنعوا أي تحرك للمرضى والمرافقين، قبل أن يُطلب منا الخروج للساحة الرئيسية تحت المطر والبرد القارس، وبدأوا بتصويرنا وضربنا وشتائمهم تتعالى في المكان".
وأشار إلى أن الأسرى عُرضوا للتعذيب والضرب أثناء التحقيق، وتم تعصيب أعينهم وتقييد أيديهم وأقدامهم، وتمت إعطاؤهم أرقامًا بدل أسمائهم. وأضاف أن بعض المجندات الإسرائيليات مارسن التحرش الجنسي بحق المعتقلين أثناء التحقيق.
النقل والمعاملة القاسية
بعد التحقيق، نُقل الأسرى عبر شاحنات كبيرة، تعرض خلالها كبار السن لإصابات دون علاج. كما أُجبر الأسرى على الجلوس على الأرض مقيدين ومجردين من أي وسيلة راحة، بينما كانت القوات تُمارس العنف العشوائي، بما في ذلك الضرب على الأعضاء التناسلية. "كنت أحد الأسرى الذين تعرضوا للضرب الشديد حتى سال الدم من أنفي وفمي، وأُغمى عليّ لوقت قصير بعد كسر أحد أضلاعي".
وصف مدوخ المكان الذي تم احتجازهم فيه باسم "البركسات"، ضمن سجن سديه تيمان، حيث كانت الإجراءات مشددة للغاية، ويُجبر الأسرى على الجلوس على الركب، واليدين للخلف، ويتعرضون للضرب والتهديد يوميًا.
مشاهد القتل والتعذيب
روى مدوخ عدة حالات قتل وتعذيب أمامه، من بينها وفاة الأسير كمال راضي بعد حرمانه من الطعام لأيام، واستشهاد الأسير إسلام السرساوي نتيجة هجوم الكلاب عليه ورفض تقديم العلاج له.
كما أكد أن المعتقلين تعرضوا للغاز السام يوميًا، وأن أساليب القمع ازدادت شدة مع مرور الوقت، بما في ذلك استخدام الكهرباء، والضرب بعصي حديدية، والاعتداء الجنسي على الأسرى أمام زملائهم.
التدهور الصحي والإهمال الطبي
بعد نقله إلى سجن عوفر، أشار مدوخ إلى استمرار ظروف الاعتقال القاسية، حيث يُجبر الأسرى على الجلوس على فرش رقيقة، ومنع الصلاة والتحدث، ويتم ضربهم بشكل منتظم.
وذكر أن الإهمال الطبي منتشر، ما أدى إلى تدهور حالة الأسرى الصحية وفقدان الوزن الحاد، إضافة إلى انتشار الأمراض والأوبئة داخل السجون.
نداء استغاثة
اختتم مدوخ شهادته بنداء عاجل للمؤسسات الدولية والحقوقية والوسطاء: "نطالب بالتحرك الفوري لإنقاذ الأسرى الذين يواجهون الموت داخل السجون، بسبب التجويع، والتعذيب، والإهمال الطبي، والقمع المستمر، والاعتداءات الجنسية. تركنا زملاءنا داخل المعتقلات وهم معرضون للموت في أي لحظة. السجون ليست أماكن احتجاز، بل مقابر للأسرى".
أهمية التوثيق والمساءلة
يشدد المركز الفلسطيني للدفاع عن الأسرى على أن توثيق هذه الانتهاكات لا يسقط بالتقادم، وأنها تشكل دليلًا على جرائم حرب ارتكبتها إسرائيل بحق الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك التعذيب، الإهمال الطبي، والاعتداء الجنسي، والقتل خارج القانون.
ويطالب المركز المجتمع الدولي بالتدخل الفوري، والضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف هذه الانتهاكات، وتقديم المسؤولين عنها إلى المحاكم الدولية.