نزحت عشرات العائلات الفلسطينية، الجمعة، من حييّ التفاح والشجاعية شرقي مدينة غزة، بعد توسع عمليات التوغل التي ينفذها الجيش الإسرائيلي داخل مناطق كان قد انسحب منها بموجب اتفاق وقف إطلاق النار.
وقال شهود عيان للأناضول إن القوات الإسرائيلية تقدمت، منذ الأربعاء، نحو 300 متر داخل الحيين، بالتزامن مع عمليات تفجير لعربات مفخخة وقصف مدفعي متواصل، ما دفع السكان إلى إخلاء خيام النزوح والمنازل المتضررة والانتقال إلى مناطق يعتقدون أنها أكثر أمناً.
وتتحرك العائلات عبر الأزقة الضيقة بينما يستمر القصف وأصوات الدبابات، حاملين ما استطاعوا من متاع فوق عربات بسيطة أو على الأكتاف، في وقت يسير فيه الأطفال خلف ذويهم وسط حالة من الخوف والتوتر.
ومنذ سريان وقف إطلاق النار في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعيش الأسر العائدة إلى منازلها المدمرة حالة من عدم الاستقرار، بفعل استمرار إطلاق النار والقصف المدفعي من الآليات الإسرائيلية المنتشرة شرق المدينة.
وخلال الأيام الأخيرة، نفذت القوات الإسرائيلية عمليات تفجير في المناطق الشرقية من الحيين، ما أدى إلى تدمير مناطق واسعة داخل ما يُعرف بـ"الخط الأصفر"، وتحويل المناطق المحيطة إلى مناطق خطرة يصعب على المدنيين البقاء فيها.
ولا تزال إسرائيل تسيطر على أكثر من 50 بالمئة من مساحة قطاع غزة ضمن اتفاق وقف إطلاق النار، حيث يفصل "الخط الأصفر" بين مناطق انتشار الجيش والمناطق المأهولة بالسكان.
شهادات من الميدان
الفلسطيني رائد شمالي، الذي اضطر للنزوح مع أسرته المكوّنة من ستة أفراد، قال للأناضول:
"عشنا خلال اليومين الماضيين لحظات صعبة بسبب القصف المستمر. شظايا التفجير وصلت إلى منطقتنا واخترقت الخيمة التي نسكنها، وكادت أن تتسبب في كارثة".
أما سائد مشتهى، فحاول صباح الجمعة العودة إلى منزله المدمر في حي التفاح، لكنه أشار إلى أن الجيش الإسرائيلي أطلق النار باتجاه كل جسم متحرك قرب المنطقة. وقال:
"الجرافات الإسرائيلية تواصل تجريف المناطق التي توسعت داخلها، وتدمّر ما تبقى من منازل أمام مرأى سكان المناطق المحاذية".
وأضاف: "عدنا بعد وقف إطلاق النار لترميم ما أمكن من منازلنا، لكن الاحتلال أعاد تهجيرنا مرة أخرى".
خرق لاتفاق وقف النار
من جهته، قال حسني مهنا، المتحدث باسم بلدية غزة، إن عشرات العائلات غادرت مناطق التفاح والشجاعية بعد توغل القوات الإسرائيلية وتوسيع "المنطقة الصفراء" غرباً عبر دفع مكعبات إسمنتية وتغيير خطوط التماس.
وأوضح مهنا أن هذا "يمثل خرقًا واضحًا لاتفاق وقف إطلاق النار الذي نصّ على انسحاب القوات الإسرائيلية شرق الخط المحدد".
وأشار إلى أن "ما يحدث ليس نزوحاً عابراً، بل تضييق متعمد على المدنيين عبر توسيع المناطق العسكرية، ما يزيد من معاناة السكان الذين ظنوا أنهم عادوا إلى مناطق آمنة".
أوقف اتفاق وقف إطلاق النار حربًا استمرت عامين على غزة منذ 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، خلّفت أكثر من 69 ألف شهيد فلسطيني وأكثر من 170 ألف مصاب، بحسب بيانات رسمية، بينما قدّرت الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار القطاع بنحو 70 مليار دولار.
ومع ذلك، تواصل إسرائيل ارتكاب خروقات أدت إلى سقوط مئات الضحايا، إضافة إلى استمرار القيود على دخول المساعدات الإنسانية.
وتربط تل أبيب بدء المرحلة الثانية من الاتفاق بتسلم رفات الأسرى الإسرائيليين، فيما تقول "حماس" إن استخراج الرفات يتطلب وقتًا بسبب الدمار الكبير.
وفي المقابل، لا يزال نحو 9500 فلسطيني في عداد المفقودين تحت الأنقاض، وفق المكتب الإعلامي الحكومي في غزة.
وتتضمن المرحلة الثانية من الاتفاق نشر قوة استقرار دولية في غزة، بعد تبني مجلس الأمن الدولي قرارًا يقضي بتشكيلها، إلى جانب إنشاء مجلس سلام برئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإدارة المرحلة الانتقالية حتى نهاية 2027.