تفاقم المشهد السوداني بشكل لافت مع انتقال الصراع بين الجيش وقوات الدعم السريع من ميادين القتال إلى أروقة القضاء الدولي، بعدما تسلم مكتب الادعاء في المحكمة الجنائية الدولية ملفاً يتهم الجيش بارتكاب انتهاكات واسعة وتلقي دعم خارجي، في وقت تستعد فيه جهات قانونية لدعم ضحايا الانتهاكات المنسوبة لقوات الدعم السريع في مدينة الفاشر شمال دارفور.
وفي بيان مشترك، قالت مجموعة "السودانية" للدفاع عن الحقوق والحريات وهيئة محامي دارفور إن الفاشر ظلت محاصرة لأكثر من 500 يوم، شهد خلالها السكان انتهاكات خطيرة شملت التجويع، والاختطاف، والتعذيب، وإجبار المدنيين على أكل علف الحيوانات وأوراق الأشجار واللحوم الفاسدة، وفق وصفهم.
ودعت المجموعتان أسر الضحايا إلى توثيق الشهادات والأدلة تمهيداً لرفع قضايا أمام الدول التي تعتمد الولاية القضائية الممتدة، خاصة بعد تقارير أممية تتهم الدعم السريع بارتكاب عمليات قتل جماعي واغتصاب واحتجاز لطلب الفدية عقب سيطرتها على الفاشر في 26 أكتوبر الماضي.
في المقابل، كشفت صحيفة "السودانية نيوز" أن تحالفاً من خبراء قانونيين ومنظمات دولية أعد ملفاً وصل بالفعل إلى المحكمة الجنائية الدولية، ويتهم الجيش السوداني بارتكاب انتهاكات واسعة ضد المدنيين منذ اندلاع الحرب، إضافة إلى حصوله على دعم عسكري خارجي من دول في الإقليم.
وتؤكد مصادر دبلوماسية أن الملف الجديد يتيح للمدعي العام التحرك بموجب المادة 15 من نظام روما الأساسي لفتح تحقيق رسمي ضد قيادات في الجيش والسلطة القائمة في بورتسودان.
ورغم هذا التطور، أعلن وزير العدل السوداني عبد الله درف رفض الخرطوم تعاونها مع بعثة تقصي الحقائق الأممية بشأن جرائم الفاشر، مؤكداً أنها "غير معترف بها" وأن السودان لن يسمح بدخولها، مشدداً على امتلاك بلاده لآليات تحقيق وطنية.
كما انتقد سفير السودان لدى الاتحاد الأوروبي عبد الباقي كبير موقف أوروبا من أحداث الفاشر، قائلاً إن رد فعلها "لا يرقى لمستوى الفظائع" التي ارتكبتها قوات الدعم السريع.
وتأتي هذه التطورات في ظل عدم وجود أي تقدم في مساعي السلام، حيث أكدت الخارجية الأميركية أن كلا الطرفين—الجيش والدعم السريع—لا يبديان أي استعداد لوقف الحرب أو الانخراط في عملية سياسية جادة.
ويعيش السودان منذ أبريل 2023 حرباً دامية أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتشريد ملايين المدنيين، وسط تدهور حاد في الوضع الإنساني وتراجع فرص الحل السياسي.