القدس المحتلة - مصدر الإخبارية
كشفت معلومات حصلت عليها صحيفة هآرتس عن جمعية تُدعى “المجد” تعرض على الفلسطينيين دفع ما يقارب 2000 دولار لضمان مقعد في رحلات طيران مستأجرة إلى دول مثل إندونيسيا وماليزيا وجنوب أفريقيا. وعلى الرغم من أن الجمعية تعلن عبر موقعها أنها تأسست في ألمانيا وتمتلك مكتبًا في القدس الشرقية، فإن تحقيق الصحيفة أظهر أن الكيان الذي يقف وراءها هو شركة استشارات مسجلة في إستونيا. كما اتضح أن مديرية الهجرة الطوعية التابعة لوزارة الدفاع أحالت الجمعية إلى مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق لتنسيق خروج الفلسطينيين.
خلال الأشهر الأخيرة، غادرت عدة رحلات مستأجرة من مطار رامون قرب إيلات تقل مجموعات من الغزيين إلى وجهات متعددة حول العالم. وتبين أن الجمعية الغامضة “المجد”، التي تقدم نفسها كمنظمة إنسانية مختصة بإنقاذ المجتمعات المسلمة من مناطق الحرب، هي المسؤولة عن تنظيم مغادرة هذه المجموعات. ويكشف تحقيق هآرتس أن من يقف خلف الجمعية هو توما يانار ليند، الحامل للجنسيتين الإسرائيلية والإستونية.
وآخر مجموعة غادرت القطاع، وعدد أفرادها 153، أقلعت بطائرة تابعة لشركة Fly Yo إلى نيروبي. وتفيد المعلومات بأن المسافرين لم يكونوا على دراية بوجهتهم. ومن العاصمة الكينية توجهوا بطائرة لشركة Lift إلى جوهانسبرغ، حيث احتجزتهم السلطات الجنوب أفريقية داخل الطائرة لأكثر من 12 ساعة بدعوى أنهم وصلوا بلا وثائق مناسبة ولا تذاكر عودة، إضافة إلى عدم وجود ختم خروج من إسرائيل على جوازاتهم. وبعد فحص طويل، سُمح لهم بالدخول، رغم أن عائلات بينهم أطفال أكدوا أنهم لم يحصلوا على مياه أو طعام طوال فترة الاحتجاز.
وأصدرت السفارة الفلسطينية في جنوب أفريقيا بيانًا قالت فيه إن “المجموعة نُظمت عبر منظمة غير مسجلة ومضللة استغلت الظروف الإنسانية الصعبة في غزة وخدعت العائلات وأخذت منها الأموال ونقلتها بطريقة غير مسؤولة ثم تنصلت من المسؤولية عند وقوع التعقيدات”. وحذّرت وزارة الخارجية الفلسطينية سكان غزة من “الوقوع في فخ تجار الدم ووكلاء الترحيل”.
كما علمت الصحيفة أن مديرية الهجرة الطوعية، المنشأة العام الماضي بقرار من المجلس الوزاري الأمني المصغّر لتخفيف القيود المفروضة على خروج الغزيين، هي التي أحالت جمعية المجد إلى مكتب منسق أعمال الحكومة. ورغم إنشاء المديرية، لا تُعرف سوى معلومات قليلة عن طبيعة عملها التي يشرف عليها نائب وزير الدفاع كوبي بليتشتاين. وتشير المعلومات إلى أن منظمات أخرى حاولت تنظيم عمليات إخلاء مماثلة لكنها فشلت.
وتزعم جمعية المجد أنها تأسست عام 2010 في ألمانيا ولديها مكتب في حي الشيخ جراح، إلا أن هآرتس تؤكد عدم وجود جمعية مسجلة بهذا الاسم في ألمانيا أو القدس الشرقية، وأن موقعها أُنشئ فقط في فبراير الماضي. كما أن روابط حساباتها في مواقع التواصل غير فعالة، بينما يعرض الموقع ادعاءات بمساعدات قدمتها لضحايا زلزال تركيا 2023 وللاجئين السوريين دون أدلة تثبت ذلك.
ويتضمن الموقع بيانات لاثنين من “مديري المشاريع”: عدنان من القدس، ومعياذ من غزة. ونشر الأخير صورة عبر إنستغرام وهو يستقل طائرة رومانية توجهت إلى إندونيسيا في مايو، قائلاً: “غادرت غزة، أرض الحرب والجوع، ولن أعود… السلام على غزة من البعيد”. ولم تتمكن الصحيفة من تأكيد أي معلومات تخص عدنان.
ورغم أن الموقع لا يعرض معلومات عن إدارة الجمعية، فقد ظهرت في نسخة سابقة منه علامة شركة إستونية باسم Talent Globus. وتفصّل صفحة “شروط الهجرة الطوعية من غزة” أن الشركة هي من تنظم المغادرين. ورغم تقديم نفسها كجهة استشارية لتوظيف العمالة، إلا أن الموقع مليء بصور عامة من الإنترنت، وأرقام هواتف غير صحيحة، وعناوين في إستونيا ولندن وقطر.
ويبين السجل التجاري الإستوني أن شركة Talent Globus أسسها العام الماضي توما يانار ليند، الذي تظهر سجلات بريطانية أنه أسس أربع شركات في العقد الأخير، توقف نشاط ثلاث منها. وتشير الوثائق إلى أنه من مواليد 1989 ويحمل الجنسية الإسرائيلية والإستونية. وعلى حسابه في لينكدإن ذكر أنه يساعد الغزيين، كما أسس شركة استشارية حديثًا يُفترض أنها في دبي، لكن رقم الهاتف في موقعها يعود لشركة أخرى.
وعند اتصال الصحيفة برقم هاتفه في لندن، لم ينفِ ليند دوره في تنظيم خروج الغزيين، لكنه رفض الإفصاح عن الجهة التي تقف خلف الجمعية قائلاً: “لست مهتمًا بالتعليق الآن، ربما لاحقًا”.
آلية العمل
انتشر رابط موقع جمعية المجد على شبكات التواصل في غزة خلال الأشهر الماضية. ويدعو الفلسطينيين إلى تسجيل بياناتهم، وبالفعل قدم كثيرون طلبات. وبعد الحصول على الموافقة المبدئية، يتلقى كل منهم طلبًا بتحويل مبلغ يتراوح بين 1500 و2700 دولار. ثم يُضافون إلى مجموعة واتساب تُرسل فيها التحديثات حول موعد المغادرة، ويتم التواصل مع الجمعية حصريًا عبر رقم واتساب يبدو إسرائيليًا.
وغادرت المجموعة الأولى، المكونة من 57 فلسطينيًا، القطاع في 27 مايو. وفي الليلة التي سبقت المغادرة تلقى المسافرون رسالة تحتوي موقع التجمع. بعدها نُقلوا بالحافلات إلى معبر كرم أبو سالم، ثم إلى مطار رامون، حيث استقلوا طائرة تابعة لشركة Fly Lili إلى بودابست قبل مواصلة الرحلة نحو إندونيسيا وماليزيا.
أما المجموعة الثانية، المكونة من 150 شخصًا، فغادرت في 27 أكتوبر عبر ثلاث حافلات اتجهت من وسط القطاع إلى كرم أبو سالم. وتظهر صور حصلت عليها الصحيفة أن المسافرين كانوا يرتدون قمصانًا وقبعات تحمل شعار الجمعية. وغادرت المجموعة عبر طائرة Fly Yo إلى نيروبي، ومنها بطائرة Lift إلى جوهانسبرغ.
وعلى خلاف الرحلة الأخيرة، سمح للغزيين آنذاك بدخول جنوب أفريقيا دون مشاكل، ونشر بعضهم لاحقًا منشورات تظهر حياتهم الجديدة ومسار الرحلة كاملة من غزة إلى جنوب أفريقيا.
وتعود النقاشات حول ترحيل سكان غزة إلى تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ دخوله البيت الأبيض، حيث تحدث عن نقل الفلسطينيين إلى أماكن “هادئة” و“آمنة”. وبلغت هذه التصريحات ذروتها في مؤتمر مشترك مع نتنياهو في فبراير الماضي حين أعلن أن الولايات المتحدة "ستسيطر" على غزة وتحولها إلى “الريفيرا”، وأن الفلسطينيين سينقلون إلى “منطقة جميلة”. وقد رحّب المستوى السياسي الإسرائيلي حينها بما عرف بـ“خطة ترامب”.
ووفق مصدر أمني تحدث للصحيفة، فإن جهاز الشاباك منذ قرار الكابينت في مارس رفض نسبة قليلة فقط من طلبات المغادرة مقارنة بالسنوات السابقة.
وجاء في رد مكتب منسق أعمال الحكومة في المناطق أن خروج الغزيين يجري عادة بالتنسيق بين إسرائيل وبين الدول المستقبلة — وغالبًا لحملة الجنسيات المزدوجة أو الطلاب الحاصلين على تأشيرات — إضافة إلى التنسيق مع منظمة الصحة العالمية بشأن الجرحى. وفي حالات نادرة يتم التنسيق عبر منظمات طرف ثالث، مع التأكد من وجود دولة مستعدة لاستقبال كل فرد.
وفي ما يخص حادثة جنوب أفريقيا، ذكر المكتب أن جمعية المجد زودته مسبقًا بقائمة أسماء المسافرين والوثائق المطلوبة.
أما شركة Fly Yo، التي نقلت الغزيين من رامون إلى كينيا، فتشغّل رحلات مستأجرة يوميًا من مطار بن غوريون. وأكد مالكها زيف مييبيرغ صحة التفاصيل، لكنه قال إن شركته لم تتعامل مع أي جمعية، وإن وكيل سفر إسرائيليًا هو من حجز الرحلتين، رافضًا كشف هويته. وأوضح أنه حصل على الموافقات من السلطات الكينية.
وبالنسبة لشركة Global Airways، الشركة الأم لـLift، فأوضحت في بيان أن “وكيل سفر خارجي حجز الرحلات من نيروبي إلى جوهانسبرغ وأبلغ أن المسافرين ينوون البقاء لمدة تصل إلى 90 يومًا دون الحاجة إلى تأشيرة”. وأكدت أنها لم تعمل مع جمعية المجد. أما وزارة الدفاع الإسرائيلية فامتنعت عن التعليق.