القدس المحتلة - مصدر الإخبارية
تشعر المنظومة الأمنية الإسرائيلية بأن الولايات المتحدة والحكومة في تل أبيب تُقصيانها عن النقاشات الحاسمة المتعلقة بمستقبل قطاع غزة، خصوصًا بعد دخول اتفاق التهدئة حيّز التنفيذ. فـ"الخط الأصفر" الذي رسم كحدٍّ فاصل مؤقت بات يقترب من التحوّل إلى ما يشبه "جدار برلين لغزة": في شرقه تعمل واشنطن والدول الوسيطة على بلورة تصور شامل، بينما يبقى غربه المدمّر تحت سيطرة إسرائيل وحماس ومليوني فلسطيني يعيشون وسط واقع غامض.
وخلال الأيام الماضية فوجئت المؤسسة الأمنية بطلب أمريكي – بموافقة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو – يبدأ المرحلة الأولى من مشروع "غزة الجديدة"، ويقضي بإعادة إعمار المناطق الواقعة شرق الخط الأصفر، بدءًا من رفح التي دمّرتها الحرب، ثم مناطق أخرى شمال القطاع. وبعد الانتهاء من الإعمار ستنسحب القوات الإسرائيلية من هذه المناطق، لتنشأ عمليًا منطقتان: "غزة الجديدة" شرقًا، و"غزة القديمة" غربًا، حيث تبسط حماس سيطرة كاملة.
وفيما تدفع الولايات المتحدة باتجاه تنفيذ الخطة بسرعة، تبرز في إسرائيل مخاوف متزايدة. إذ تشعر القيادات الأمنية بأنها مستبعدة عن النقاشات السياسية، وبأن واشنطن تضع عبء "غزة القديمة" على الجيش الإسرائيلي وحده، رغم أنه لن يتمكن من تنفيذ عمليات عسكرية هناك، بل سيقتصر دوره على المهام الإنسانية.
كما ترفض الدول الوسيطة، وفي مقدمتها مصر، تحمل مسؤولية "غزة القديمة"، في حين يفضّل المستوى الأمني الإسرائيلي أن تُسند هذه المهمة للسلطة الفلسطينية، وهو خيار يعارضه المستوى السياسي. وفي ظل غياب قوة دولية مستعدة لنزع سلاح حماس أو إدارة القطاع الغربي، تتخوف الأجهزة الأمنية من أن تصبح إسرائيل عمليًا المسؤولة المباشرة عن سكان "غزة القديمة" دون أدوات فاعلة للسيطرة.
وتفيد تقديرات استخبارية بأن "غزة القديمة" – وتشمل غزة المدينة ومخيمات الوسط والمناطق المكتظة بالنازحين – باتت خاضعة بالكامل لحماس، دون وجود أي قوة محلية أو دولية قادرة على منافستها. كما يتنامى شعور داخل المؤسسة الأمنية بأن الولايات المتحدة أعدّت خططًا مسبقة بمشاركة دول مثل تركيا وقطر ومصر، دون إطلاع إسرائيل على تفاصيلها، وأن حماس وافقت على إعادة الرهائن بناءً على ضمانات سرية حصلت عليها.
وتشير مصادر أمنية إلى أن الاجتماعات مع المسؤولين الأمريكيين لا توفر إجابات واضحة، وأن الخطط تُحدَّد في مستويات سياسية عليا داخل واشنطن، بينما يُطلب من الجيش تنفيذ تعليمات استراتيجية دون مناقشة آثارها بعيدة المدى. ويصف ضباط إسرائيليون الوضع بأنه حالة "ارتباك عميق" في الميدان، حيث تتبدل التعليمات بسرعة، ويُطلب من الجيش خفض عملياته أو تعديل خطابه الإعلامي دون معرفة الأفق السياسي.
ومع تواصل الضغط الأمريكي لإظهار تقدم على الأرض – خصوصًا قبل زيارة دونالد ترامب – يزداد القلق الإسرائيلي من أن الخطة التي تُنفذ دون نقاش معمّق قد تقود إلى واقع جديد أخطر من الوضع الحالي، خاصة إذا انهار الاتفاق في ظل وجود قوات دولية داخل غزة.
وفي النهاية، لا تزال الأسئلة الجوهرية بلا إجابات: من يدير "غزة القديمة"؟ من يضمن وصول المساعدات دون أن تستولي عليها حماس؟ ومن يتحمّل مسؤولية الأمن إذا اندلعت أزمة إنسانية أو تفشّت الأمراض؟ وبينما تكتفي الحكومة بإبداء تعاطف لفظي، يشعر المسؤولون الأمنيون بأن إسرائيل تتجه نحو مأزق طويل الأمد قد يجعل نصف القطاع منطقة خارجة عن السيطرة.