أول متطوع

أقلام _ مصدر الإخبارية
بقلم المختص بالشأن الإسرائيلي: مهران ثابت
السفارة الأوكرانية في “إسرائيل” نشرت، مساء يوم السبت، إعلانًا تدعو فيه الإسرائيليين إلى التطوع في الحرب ضد روسيا.
وقد أعلن الجندي “ل” من الجيش الإسرائيلي استعداده لتلبية النداء ليكون بمثابة أول متطوع، قائلاً: “لا يمكنني أن أبقى غير مبال بما يحدث للبلد الذي يعيش فيه والداي وجدي وجدتي”.
هذا الخبر قد يعدُّه البعض عاديًا ولكنه في نظري ليس كذلك بل يتعين التوقف عنده كثيرًا؛ إذ أنه يعد مؤشرًا خطيرًا بالنسبة للكيان، يتعلق بإحدى المشاكل الكبرى التي ما انفكت الصهيونية تخشى ظهورها في يوم من الأيام، ألا إنها “إزدواجية المواطنة والولاء”.
فالصهيونية كما نعلم قامت بجلب كتل بشرية يهودية من بلدان ذات أعراق وقوميات مختلفة ومتباينة، من أرجاء العالم، مراهنةً على أنها سوف تصهرهم في بوتقة مؤسسات إسرائيل ليكونوا يهودًا إسرائيليين وحسب.
صحيح أن كثير من اليهود في “إسرائيل” ظلوا متمسكين بجنسياتهم الأخرى ويظهر ذلك في تقاليدهم وعاداتهم وأعيادهم التي جلبوها معهم من بلدانهم الأصلية، وأيضاً يتجلى ذلك في العنصرية إزاء بعضهم البعض في التعاملات الحياتية اليومية، وكذا في المظاهرات الداعمة لبلدانهم الأم في الأحداث السياسية المختلفة، كما حدث مساء السبت في ساحة “هبيما” في تل أبيب عندما تظاهر الآلاف من الإسرائيليين الذين كان أغلبيتهم من أولئك ذوي الأصول الأوكرانية، تنديداً بالغزو الروسي لأوكرانيا. وهذا طبيعي ومتوقع ويمكن استيعابه.
لكن ما لا يمكن استيعابه بالنسبة لقادة إسرائيل هو أن يعرب أحد الجنود في الجيش الإسرائيلي عن رغبته بالتطوع للقتال بجانب الجيش الأوكراني ضد الجيش الروسي. إذ إن المؤسسة الرسمية في إسرائيل التي ما فتئت تراهن عليها الصهيونية في صهر جميع اليهود وتحويله إلى شعبٍ واحد هي مؤسسة الجيش الإسرائيلي! ذلك الرهان خَسِر في أول امتحان حقيقي له، فهذا اليهودي الذي يخدم في الجيش الإسرائيلي تحركت مشاعر الحنين والولاء عنده تجاه بلده الأم أوكرانيا التي ما زالت تعيش فيها أسرته، حسب اعترافه.
أيضًا من زاوية أخرى، نلاحظ أن السفارة الأوكرانية وجهت دعوتها للإسرائيليين على الإطلاق دون تحديد؛ فهي تعرف أن الرسالة لن تضل طريقها نحو الجمهور المستهدف، وهم الإسرائيليون من أصل أوكراني.
ومن اللافت كذلك -في السياق ذاته- أن السفارة الأوكرانية قامت بحذف الإعلان بعد ساعات قليلة من نشره على الفيسبوك، بحسب جريدة هآرتس العبرية.
وما يغلب على ظني، ولست أجزم بذلك، أن سبب الحذف يُعزى إلى أن المستويات العليا في دولة الكيان وتحديدًا مجلس الأمن القومي طالب بحذف البيان لأنه يمثل ببساطة تهديدًا للأمن القومي الإسرائيلي، وقد استغرق حذفه ساعات بعد أن تم إقناع السفارة الأوكرانية بأن إسرائيل تتفهم المحنة التي تمر بها أوكرانيا ولكن البيان يتسبب بمشاكل لإسرائيل”. وإلا لماذا جرى حذفه؟
وليس من شكِّ أن ما قامت به السفارة الأوكرانية لا يعدو عن كونه تخبط المأزوم، وكذا محاولة بائسة منها للضغط على الحكومة الإسرائيلية لإحراجها كي تلبي طلب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي (من أصل يهودي) بأن تلعب إسرائيل دور وسيط بين روسيا وأوكرانيا، في القدس، وقد كانت إجابة رئيس الحكومة الإسرائيلي نفتالي بينيت على ذلك ضبابية غير واضحة، وفق ما كشفت عنه هيئة البث الرسمية في إسرائيل “قناة كان”.
فالسفارة الأوكرانية وأي جهة أوكرانية رسمية أخرى يعلمون جيدًا أنه حتى لو استجاب جميع الإسرائيليين الأوكرانيين منهم أو غيرهم للتطوع في القتال بجانب أوكرانيا ما رضيت إسرائيل بذلك بأي حال من الأحوال.
ما أردت أن ألفت إليه هو أن إعلان السفارة الأوكرانية المحذوف أقلق دولة الكيان كونه يعبث بأمور تعتبر من الطابوهات لديه وهو ازدواج المواطنة والولاء.