استُشهد لبنانيان، الأحد، جراء استهداف طائرتين مسيّرتين إسرائيليتين آلية مدنية من نوع "بيك آب" على طريق الصوانة – خربة سلم، وسيارة أخرى في بلدة حومين الفوقا جنوبي لبنان، في تصعيد ميداني جديد يعكس اتساع رقعة الاعتداءات الإسرائيلية على المناطق الجنوبية. وأكدت وزارة الصحة اللبنانية أن الغارة الإسرائيلية على حومين الفوقا أدت إلى استشهاد أحد المواطنين، وهو ثاني ضحايا القصف الإسرائيلي خلال اليوم ذاته.
وتزامن التصعيد مع لقاء عقده الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا مع وفد أميركي رفيع برئاسة نائب مساعد الرئيس الأميركي لشؤون مكافحة الإرهاب الدكتور سيباستيان غوركا، ضم ممثلين عن البيت الأبيض ووزارة الخزانة ومجلس الأمن القومي. وخلال اللقاء، شدد عون على أن “لبنان متمسك بخيار التفاوض لحل النزاعات، إلا أن هذا الخيار يتطلب مناخًا ملائمًا من الاستقرار ووقف الأعمال العدائية في الجنوب”. وأضاف أن الحكومة اللبنانية تطبق بدقة الإجراءات الخاصة بمكافحة تمويل الإرهاب وتبييض الأموال، مشيرًا إلى القوانين والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان والمشاريع التشريعية الجاري إعدادها، من بينها قانون الفجوة المالية الذي يهدف إلى تنظيم الوضع المالي في البلاد.
وأوضح عون أن الجيش اللبناني والأجهزة الأمنية يواصلون ملاحقة الخلايا الإرهابية وإحباط محاولات زعزعة الاستقرار، مؤكدًا أن لبنان يلتزم بتطبيق القرار الدولي 1701 الذي ينص على وقف الأعمال العدائية وانتشار الجيش اللبناني حتى الحدود الجنوبية. ودعا عون الوفد الأميركي إلى الضغط على إسرائيل لوقف اعتداءاتها المتكررة على الأراضي اللبنانية، ووقف خروقاتها الجوية والبرية المتواصلة، التي تشكل انتهاكًا صارخًا للسيادة اللبنانية وللقانون الدولي.
من جانبه، عبّر الوفد الأميركي عن دعم واشنطن الكامل لجهود لبنان في تعزيز الأمن والاستقرار، مؤكداً استعداد الولايات المتحدة لمساعدة الجيش اللبناني في بسط سلطة الدولة على كامل أراضيها، وإلغاء المظاهر المسلحة الخارجة عن إطار المؤسسات الرسمية. وتطرق اللقاء أيضًا إلى التعاون المالي مع صندوق النقد الدولي وإمكانية إنعاش القطاع المصرفي بما ينسجم مع المعايير الدولية.
ميدانيًا، واصلت الطائرات الإسرائيلية تحليقها المكثف فوق مناطق الجنوب اللبناني، بما في ذلك أجواء صور ومجرى نهر الليطاني والنبطية وإقليم التفاح. كما نفذت مسيّرات إسرائيلية ثلاث غارات على طريق الصوانة – خربة سلم، ما أدى إلى احتراق سيارة بالكامل واستشهاد سائقها على الفور. وشهدت المنطقة عمليات تمشيط كثيفة نفذتها قوات الاحتلال بالأسلحة الثقيلة في محيط بلدة علما الشعب، بالتزامن مع تحركات لآليات عسكرية إسرائيلية قرب بلدة عيترون.
وتشهد المناطق اللبنانية الجنوبية منذ أسابيع تصعيدًا إسرائيليًا متواصلًا، يتخلله قصف جوي ومدفعي شبه يومي يستهدف سيارات مدنية ومناطق زراعية، ما أدى إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى. وقالت الوكالة الوطنية للإعلام إن الغارات الأخيرة شملت بلدات برعشيت وشبعا وخربة سلم، وأسفرت عن دمار واسع في الممتلكات.
وتبرر إسرائيل هجماتها بأنها تستهدف مواقع لحزب الله، مدعية مقتل ثلاثة من عناصره في برعشيت وشبعا، غير أن مصادر لبنانية تؤكد أن معظم الضربات تطال أهدافًا مدنية لا علاقة لها بالنشاط العسكري، في ما اعتبره مراقبون سياسة "العقاب الجماعي" التي تنتهجها إسرائيل في لبنان كما في قطاع غزة.
ووفق تقارير لبنانية، نفذت إسرائيل خلال الشهر الأخير أكثر من 25 غارة على مناطق جنوبية، في خرق واضح لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، وسط استمرار احتلالها لخمس تلال لبنانية ومناطق حدودية أخرى. وتتهم تل أبيب حزب الله بإعادة بناء قدراته العسكرية وتهريب الصواريخ من سوريا، بينما يرى محللون أن هذه المزاعم تهدف إلى تبرير تصعيد عدواني متزايد يهدد بتوسيع نطاق الحرب في المنطقة.
وتتزامن هذه التطورات مع تحركات دبلوماسية دولية مكثفة لتفادي انفجار شامل على الجبهة اللبنانية، في ظل مؤشرات على أن واشنطن باتت أكثر إدراكًا لخطورة الانتهاكات الإسرائيلية وتداعياتها على الأمن الإقليمي، خاصة في ظل تزايد الأدلة على استهداف المدنيين والمنشآت المدنية، ما قد يشكل — بحسب منظمات حقوقية — جرائم حرب تستوجب المساءلة الدولية.