حين يصبح فصل الشتاء عدوًا.. نازحو غزة ينتظرون الفرج في خيام مهترئة

31 أكتوبر 2025 10:47 ص

سماح شاهين- مصدر الإخبارية

مع اقتراب فصل الشتاء، يتضاعف القلق في قلوب عشرات آلاف النازحين المنتشرين في أنحاء قطاع غزة، فالفصل الذي ينتظره الناس عادة بشوقٍ بات اليوم مصدر خوف، والبرد الذي يعلن قدوم الشتاء صار نذيرًا لمعاناة جديدة، وسط خيام هشة لا تصمد أمام الريح ولا تقي من الغرق.

في المخيمات، حيث تمتد الخيام المصنوعة من النايلون وأغطية الإغاثة، يعيش الناس أيامهم على أمل أن تمر العاصفة دون أن تقتلع ما تبقى لهم من ستر.

خيمة من بقايا الحياة

تجلس إيمان قديح، نازحة من خان يونس قرب مأواها الصغير الذي أقامته من قطع خشب وأغطية ممزقة، تقول بصوت متعب وهي تجمع بقايا الحطب: "نزحنا منذ شهور، واعتقدنا أننا سنعود بعد أيام، لكن الأيام صارت فصولاً لم يتبقَّ من بيتنا سوى الحجارة في الليل، لا نعرف كيف سنهرب من الرياح، والمطر يبللنا ونحن نغطي أطفالنا بالبطانيات القديمة".

تحاول إيمان إشعال النار في موقد بدائي صنعه زوجها من صفائح معدنية صدئة، لكنها تقول بحسرة لـ"شبكة مصدر الإخبارية": "حتى الحطب أصبح نادرًا، نحرق الكرتون وأحيانًا القماش البالي لنشعر بالدفء قليلاً".

شتاء لا يرحم

ومع اقتراب فصل الشتاء، يتضاعف قلق نرمين صيام والنازحين الآخرين في مراكز الإيواء، فالمطر الذي كان يومًا مصدر حياة، بات اليوم يهددهم بالغرق والبرد والمرض.

تتحدث نرمين وهي تنظر إلى السماء الملبدة بالغيوم كأنها تنتظر قدوم الشتاء، وتقول إن كل قطرة مطر أصبحت تُنذر بكارثة جديدة. “نخشى الليالي الطويلة حين يشتد البرد ويعلو صوت الريح، نخاف أن ينهار السقف فوق رؤوسنا أو تغمر المياه فراشنا كما حدث في العام الماضي".

وتخشى من أن يتحول الشتاء إلى فصل آخر من المعاناة اليومية، حيث يلتقي البرد مع الجوع، والمطر مع الخوف من المرض وانعدام المأوى.

في القاعات المكتظة، تتشابك أصوات الأطفال مع صفير الرياح، بينما تحاول الأمهات سدّ الفجوات في النوافذ بقطع قماش أو بلاستيك لا يقوى على مقاومة المطر.

 تقول نرمين لـ"شبكة مصدر الإخبارية": “كل ليلة نعدّ أطفالنا بأن الغد سيكون أفضل، لكن الغد يأتي أكثر قسوة الشتاء في غزة لا يعني المطر فقط، بل بداية فصل جديد من المعاناة”.

 الرياح لا تستأذن

في مخيم آخر على شاطئ دير البلح، يعيش سالم أبو مرزوق، رجل خمسيني فقد منزله وعمله معًا نصب خيمته من أكياس الدقيق القديمة وقطع من القماش.

يقول بصوت يغلب عليه الإحباط لـ"مصدر الإخبارية": "البحر كان مصدر رزقي، واليوم صار مصدر خوف الرياح القادمة من البحر تمزق الخيمة كل ليلة، والموج أحيانًا يقترب منا حتى نسمع صوته يهدر كأنه غاضب"؟

يضيف وهو ينظر نحو الأفق: "لا كهرباء، لا ماء نظيف، لا خيمة حقيقية. فقط صبر طويل وسماء لا ترحم".

أرقام تصرخ

تُظهر بيانات الأمم المتحدة أن أكثر من 190 ألف مبنى في قطاع غزة تضرر أو دُمّر منذ بداية الحرب، منها مئات المدارس والمراكز الصحية.

ووفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، لم يتبقَّ سوى 14 مستشفى تعمل جزئيًا في القطاع، فيما تكافح المرافق الطبية المتبقية لتقديم العلاج وسط نقص حاد في الوقود والمستلزمات.

من جهة أخرى، أفادت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان أن عمليات النزوح المستمرة فاقت 400 ألف حالة منذ أغسطس الماضي، مع تحذيرات من أن أي نقل قسري للسكان قد يرقى إلى "جريمة تطهير عرقي".

أزمة إنسانية تشتد مع البرد

معاناة النازحين تتجاوز فقدان المأوى؛ فهم يواجهون أيضًا نقصًا في مواد التدفئة والطعام والمياه، في ظل بنية تحتية شبه منهارة، ومع اقتراب العواصف، تتزايد المخاوف من انتشار الأمراض بين الأطفال وكبار السن داخل المخيمات المكتظة.

ورغم كل ما يحيط بهم من قسوة، يحاول النازحون الحفاظ على روح الحياة، في إحدى زوايا المخيم، يقيم الأطفال صفوفًا صغيرة من الكرتون، يلعبون ويدّعون أنهم في المدرسة يضحكون رغم كل شيء، كما لو أن الفرح مقاومة.

لكن مع حلول الشتاء فعليًا، تتزايد الحاجة إلى تحرك عاجل من المجتمع الدولي والمؤسسات الإنسانية لتأمين خيام مقاومة للمطر، ووسائل تدفئة ومياه نظيفة، وضمان الرعاية الصحية والنفسية للنازحين.

ففي غزة اليوم، الشتاء ليس فصلًا من فصول السنة فقط، بل اختبارًا جديدًا للإنسانية.

المقالات المرتبطة

تابعنا على فيسبوك