قال جراح الأطفال التركي تانر قماجي، الذي تطوّع للعمل في مستشفيات غزة، إن ما شاهده هناك لا يمكن وصفه بالكلمات، مؤكدًا أنهم اضطروا في إحدى المرات إلى اختيار طفل لإجراء عملية جراحية له وترك آخر للموت بسبب نقص الإمكانيات ووجود غرفة عمليات واحدة فقط.
وفي حديث لوكالة الأناضول خلال جلسات "محكمة غزة" الرمزية المنعقدة في إسطنبول، قال قماجي إن ما يحدث في غزة ليس حربًا ضد فصيل مسلح، بل حرب شاملة ضد المدنيين.
وأوضح الطبيب التركي أن "إسرائيل لا تحارب حماس فقط، بل تحارب الأطفال والنساء، وتقتل الناس وتمنع الجرحى من الوصول إلى المستشفيات عبر قصف سيارات الإسعاف، كما تهدم المستشفيات نفسها لتمنع إجراء العمليات الجراحية".
وأضاف أن سلطات الاحتلال تمنع دخول المقومات الأساسية للحياة من ماء وغذاء وكهرباء ومواد تنظيف، واصفًا ما يجري بأنه "حرب إبادة مكتملة الأركان".
وتحدث قماجي عن تجربته في غزة التي استمرت أسبوعين في مارس/آذار 2024، قائلًا: "ما نراه على الشاشات لا يُمثّل حتى 1 بالمئة مما يجري هناك. نرى الجرحى والمشاهد المؤلمة لبضع ثوان، ثم نتابع حياتنا، لكن في غزة الألم لا يتوقف".
وتابع: "الطفل الذي فقد ساقه يعيش شهورًا من الألم. هناك أسر تعيش في ممرات المستشفيات تحت أغطية مؤقتة، وأخرى تسكن خيامًا مصنوعة من القماش، لا تجد الخبز ولا الماء. كنا نخيط الجروح على الأرض بسبب نقص الأسرة والنقالات".
وعن أصعب لحظة في حياته المهنية، قال الجراح التركي:
"وصل إلى المستشفى في الوقت نفسه طفلان، أحدهما مصاب في الكبد، والآخر بثقب في الأمعاء، لكن لم يكن لدينا سوى غرفة عمليات واحدة. كان علينا أن نختار أحدهما، وهذا يعني إنقاذ طفل وترك الآخر يموت. لم أتخذ في حياتي قرارًا أصعب من هذا".
وختم قائلًا:
"غزة ليست فقط جرحًا في الجسد، بل جرح في الضمير الإنساني. لم أختبر قرارًا أشد قسوة من أن تختار من يعيش ومن يموت".
يُشار إلى أن "محكمة غزة" هي مبادرة دولية مستقلة أُسست في لندن في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بمشاركة أكاديميين ومدافعين عن حقوق الإنسان، بعد ما وصفوه بـ"إخفاق المجتمع الدولي في تطبيق القانون الدولي في قطاع غزة".
وخلال عامين من العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، استُشهد 68,519 فلسطينيًا وأصيب 170,382 آخرون، معظمهم من النساء والأطفال، فيما دُمّرت نحو 90% من البنى التحتية المدنية في القطاع.