تسابق الإدارة الأميركية الزمن لإنجاح صفقة غزة التي أعلنها الرئيس دونالد ترامب في 29 سبتمبر 2025، محدداً مهلة حتى الخامس من أكتوبر لقبولها من جانب حماس، قبل أن تدخل حيز التنفيذ في العاشر من الشهر نفسه.
لكن ما وراء هذه الصفقة أبعد بكثير من مجرد اتفاق لوقف النار — إنها ركيزة السياسة الخارجية لترامب في ولايته الثانية، واختبار حاسم لنهجه القائم على “فن الصفقات”.
فهرس المحتوى [إظهار]
- 0. 1 أولاً: رهان ترامب على إرثه السياسي المبكر
- 0. 2 ثانياً: إعادة تشكيل النظام الإقليمي
- 0. 3 ثالثاً: معضلة الرهائن
- 0. 4 رابعاً: هشاشة الصفقة
- 0. 5 خامساً: التزام عسكري أميركي
- 0. 6 سادساً: المقامرة الكبرى
- 0. 7 سابعاً: النفوذ عبر إعادة الإعمار
- 0. 8 ثامناً: الورطة الإسرائيلية
- 0. 9 تاسعاً: نافذة زمنية ضيقة
- 0. 10 عاشراً: منع حرب إقليمية شاملة
- 1 الخلاصة:
أولاً: رهان ترامب على إرثه السياسي المبكر
بالنسبة لترامب، الفشل في غزة ليس مجرد إخفاق دبلوماسي، بل تهديد مباشر لعلامته السياسية التي صاغها حول قدرته على عقد الصفقات المستحيلة.
لذلك دفعت الإدارة الأميركية بثقلها الكامل في المفاوضات، وأوكلت المهمة إلى كبار المسؤولين وعلى رأسهم نائب الرئيس جي. دي. فانس الموجود حالياً في إسرائيل.
يعتبر ترامب الصفقة قضية شخصية، نجاحها يعادل إثبات صحة نهجه الكامل في السياسة الخارجية والتفاوض.
ثانياً: إعادة تشكيل النظام الإقليمي
تسعى واشنطن عبر الصفقة إلى إعادة ترتيب موازين القوى في الشرق الأوسط.
تحت ضغط تركي ومصري وقطري، وبعد ضربات إسرائيلية في لبنان وإيران وقطر، أُجبرت حماس على القبول بالإطار العام للصفقة.
وتدرك الولايات المتحدة أن لديها فرصة تاريخية لخلق شرق أوسط جديد يخلو من سيطرة الجماعات المسلحة ويعزز نفوذ الشركاء العرب المعتدلين.
الصفقة السعودية تمثل الركن الاقتصادي والسياسي الأبرز، إذ تتضمن اتفاق تطبيع بين الرياض وتل أبيب، وميثاق دفاع أميركي–سعودي، واستثمارات سعودية تقدر بـ600 مليار دولار داخل الاقتصاد الأميركي خلال أربع سنوات — رهان اقتصادي ضخم يُسوّق كإنجاز رئاسي مبكر لترامب.
ثالثاً: معضلة الرهائن
تُعد قضية الرهائن أحد أعقد الملفات داخل الصفقة.
إسرائيل تتهم حماس بالمماطلة في تسليم رفات الرهائن، فيما ترد الحركة بأن الدمار الهائل يعوق العملية.
كل تأخير يزيد الضغط الداخلي على حكومة نتنياهو، خاصة مع إصرار 70٪ من الإسرائيليين على أن تحرير الرهائن أولوية تفوق استمرار الحرب.
واشنطن تستخدم هذا الملف كأداة ضغط مزدوجة على الطرفين.
رابعاً: هشاشة الصفقة
الهجوم الأخير الذي أودى بحياة جنديين إسرائيليين في غزة أعاد هشاشة الوضع إلى الواجهة.
إسرائيل ردت بغارات جوية، لكنّ الطرفين أكدا التزامهما بالاتفاق تحت ضغط أميركي مباشر.
تعرف واشنطن أن أي انزلاق ميداني قد يطيح بالإطار الهش، لكنها تراهن على أن ضغط ترامب الشخصي كفيل بالحفاظ على الهدوء النسبي.
خامساً: التزام عسكري أميركي
أنشأت القيادة المركزية الأميركية مركز تنسيق مدني–عسكري في إسرائيل يضم نحو 200 خبير أميركي في النقل والتخطيط والهندسة.
هذه المشاركة الميدانية المحدودة لكنها رمزية للغاية تشير إلى أن واشنطن مستعدة لوضع “جلدها في اللعبة” — أي التزام مادي ومعنوي يجعل فشل الصفقة إحراجاً وطنياً لا يمكن احتماله.
سادساً: المقامرة الكبرى
رغم ما تحقق، تظل الصفقة مليئة بالتناقضات.
فحماس وافقت على تسليم إدارة غزة لهيئة تكنوقراطية مستقلة وإطلاق سراح الرهائن، لكنها لم توافق على نزع السلاح أو التخلي عن نفوذها الأمني.
تراهن واشنطن على قدرتها على فرض هذه البنود لاحقاً عبر ضغط عربي وتمويل مشروط بإعادة الإعمار.
إنها مقامرة عالية المخاطر تتطلب توازناً دقيقاً بين الجزرة والعصا.
سابعاً: النفوذ عبر إعادة الإعمار
من يموّل إعادة بناء غزة سيمتلك نفوذها السياسي.
الولايات المتحدة تسعى لأن تكون القوة المنظمة لمرحلة ما بعد الحرب عبر لجنة تكنوقراطية فلسطينية مؤقتة.
التمويل الخليجي والغربي سيُدار وفق رقابة أميركية لضمان أن لا تعود حماس للسلطة.
إعادة الإعمار هنا ليست مساعدة إنسانية فقط، بل أداة لتشكيل مستقبل القطاع لعقود قادمة.
ثامناً: الورطة الإسرائيلية
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعيش مأزقاً حقيقياً.
اليمين المتطرف بقيادة إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش يهددان بإسقاط الحكومة إذا مضت الصفقة قدماً.
لكن الانسحاب الأميركي أو انهيار وقف النار سيُفقد نتنياهو دعم ترامب — وهو ما لا يستطيع تحمّله سياسياً.
واشنطن تستخدم هذه الورطة كرافعة ضغط لانتزاع تنازلات إسرائيلية إضافية.
تاسعاً: نافذة زمنية ضيقة
يعرف ترامب أن الوقت جوهر اللعبة.
الضغط الدولي يتصاعد مع الكارثة الإنسانية التي أودت بحياة أكثر من 67 ألف شخص في غزة، وفق تقارير أممية تصف ما يجري بأنه إبادة جماعية.
ترامب يريد إنجازاً سريعاً في بداية ولايته قبل أن تتآكل قدرته السياسية بفعل الخلافات الداخلية أو الانتخابات الإسرائيلية المبكرة.
عاشراً: منع حرب إقليمية شاملة
بعد الهجمات المتبادلة بين إسرائيل ولبنان وإيران وقطر، تخشى واشنطن من انفجار إقليمي واسع.
تعتبر صفقة غزة الفرصة الأخيرة لتثبيت الاستقرار وفتح الباب أمام مشاريع اقتصادية كبرى مثل اتفاق التطبيع السعودي–الإسرائيلي ومشروع الغاز القطري، وهما إنجازان يطمح ترامب لتقديمهما كدليل على “عودة القيادة الأميركية إلى الشرق الأوسط”.
الخلاصة:
الضغط الأميركي لإنجاح صفقة غزة ليس دبلوماسية تقليدية، بل رهان شخصي واستراتيجي يجمع بين طموح ترامب السياسي، ومصالح واشنطن الاقتصادية، وحسابات الأمن الإقليمي.
إنها مقامرة كبرى على أن الضغط المكثف، والتنسيق العربي، والإرهاق المتبادل يمكن أن ينتج سلاماً دائماً حيث فشلت كل المحاولات السابقة.
أما الفشل، فليس مجرد خسارة سياسية، بل خطر حقيقي بانزلاق الشرق الأوسط نحو حرب شاملة لا يمكن السيطرة عليها.