عزام عبدالكريم رشدي الشوا – مصدر الإخبارية
في ظلّ التطورات المتسارعة على الساحة الفلسطينية، ومع تصاعد الحديث عن خطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب كإطارٍ لوقف العدوان على غزة، فإنّنا نتابع بقلقٍ بالغ ما يبدو أنه قبولٌ فلسطينيٌّ وعربيٌّ ودوليٌّ رسميٌّ بالتعاطي مع هذه المبادرة.
ورغم تقديرنا لكل جهدٍ عربيٍّ ودوليٍّ يهدف إلى وقف نزيف الدم وإنهاء المأساة الإنسانية في غزة، فإنّ أيّ هدنةٍ أو تسويةٍ دائمة يجب أن تكون مرتبطة صراحةً بالاعتراف بحدود دولة فلسطين على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، باعتبارها الإطار القانوني والسياسي الذي يُعطي الهدنة معناها ومشروعيتها.
أما أي ترتيباتٍ خارج هذا السياق، فستُبقي الوضع هشًّا وقابلًا للانفجار، لأنها تتجاهل أساس العدالة وحقّ الشعب الفلسطيني في دولته المستقلة على كامل أرضه المحتلة.
إنّ أيّ خطة سلام أو هدنةٍ دائمة لا يمكن أن تكون على حساب الجغرافيا والسيادة والكرامة الوطنية.
فما يُطرح اليوم من مقترحاتٍ بتقليص مساحة القطاع من 550 كيلومترًا مربعًا إلى 360، واليوم ما نسمعه لا يتجاوز 280 كيلومترًا مربعًا، وتجريده من سلاحه وحقّه في الدفاع عن نفسه، يشكّل سابقةً خطيرةً تمسّ جوهر الحق الفلسطيني وتفتح الباب أمام تسوياتٍ مجتزأة تُهدّد وحدة الأرض والشعب.
وفي المقابل، إذا كان يُراد لغزة أن تكون منزوعة السلاح مؤقتًا ضمن ترتيبات الهدنة، فإنّ من الأوجب أيضًا المطالبة بنزع سلاح المستوطنين الموجّه ضدّ الشعب الفلسطيني، وذلك إلى حين إزالة المستوطنات بالكامل وفق التفاهمات الخاصة بالحلّ النهائي، لأن الأمن الحقيقي لا يتحقق بإضعاف طرفٍ واحدٍ، بل بإزالة أسباب العدوان وبسط العدالة على الأرض.
نؤكّد أن غزة ليست ملفًا إنسانيًا مؤقتًا، ولا كيانًا إداريًا منفصلًا، بل هي قلب الدولة الفلسطينية المنشودة، وركيزة توازنها الجغرافي والسياسي والسكاني.
وأيّ تسويةٍ تُغيب هذه الحقيقة أو تُرحّلها إلى مستقبلٍ غامض، إنما تُمهّد لصراعاتٍ جديدة، لأن السلام الناقص يولّد أزماتٍ مؤجلة.
كما نؤكد أن أيّ حلٍّ واقعي ومستدام يجب أن يتضمّن وجود شخصياتٍ وطنيةٍ نزيهةٍ وكفؤةٍ وكفاءاتٍ فلسطينيةٍ من غزة ومن مختلف أنحاء الوطن، تشهد لها الخبرة والانتماء، لتكون جزءًا من مكونات الحلّ والإشراف على المرحلة المقبلة، على أن تندرج هذه الشخصيات ضمن إطار الوفاق الوطني والرؤية الفلسطينية الجامعة، برعاية الحكومة الشرعية ومنظمة التحرير الفلسطينية، وبما يضمن وحدة القرار والسيادة الفلسطينية في غزة والضفة والقدس.
إنّنا إذ نُرحّب بأيّ جهدٍ دوليٍّ وعربيٍّ لوقف العدوان والإعمار، فإنّنا في الوقت ذاته ندقّ ناقوس الخطر:
لا يمكن بناء سلامٍ عادلٍ دون كرامةٍ وطنيةٍ حقيقية،
ولا يمكن إعادة إعمار غزة دون اعترافٍ بسيادتها كجزءٍ أصيلٍ من دولة فلسطين.
نحن نُريد واقعًا جديدًا يُنهي المعاناة ويفتح باب الأمل، لكننا نرفض أن يكون ذلك عبر تنازلاتٍ تُفرّغ الانتصار من معناه، أو اتفاقاتٍ تُبقي غزة خارج مشروع الدولة الفلسطينية الكاملة.
إن الاعتراف بحدود الرابع من حزيران عام 1967 ليس خيارًا تفاوضيًا، بل أساسٌ لأي سلامٍ عادلٍ ودائمٍ في فلسطين.