الشتاء العربى القاسى.. مآسٍ وآفاق

أقلام _ مصدر الإخبارية

بقلم/ علاء شلبي

شهدت المنطقة العربية العديد من المآسي والأحزان في فصول الشتاء، والتي شهدتها طوال السنوات التسع الأخيرة، اتصالًا بأزمات اللجوء والنزوح التي تموج بها بلدان المنطقة، وشكلت أزمة لدول الجوار الأوروبي.

جاءت المآسي في صيغ مؤلمة، من خلال أطفال وافتهم المنية في برد الشتاء، في مخيمات اللجوء، أو خلال محاولة أسرهم اصطحابهم في رحلات الموت عبر المتوسط، فضلًا عن الواقع المؤلم في مخيمات النزوح وسط تلاعب الأطراف الدولية والإقليمية المتنافسة بقضايا المساعدات الإنسانية وتوفير الممرات لوصولها.

تقدر المصادر المتنوعة أن عدد اللاجئين والنازحين في المنطقة العربية وحدها يقارب نصف أعداد اللاجئين والنازحين عبر العالم.. وفى تقدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان أن التقديرات الرسمية وشبه الرسمية لا تفي بحقائق الوضع القائم. فعلى سبيل المثال، تقدر الدولة المصرية أعداد المهاجرين الفارين إليها بنحو ستة ملايين نسمة، فيما يتجاوز عدد اللاجئين المسجلين لدى مفوضية الأمم المتحدة للاجئين الثلاثمائة ألف فقط، أى بنحو خمس بالمائة من التقدير الرسمي المصري الذى تعكسه حقائق الحياة، ليس في القاهرة الكبرى وحدها، بل الذى امتد لأقاليم شمال الدلتا وشمال الصعيد بكثافات ملحوظة تظهر جلية في الأنشطة التجارية والإنتاجية لتجمعات الضيوف العرب والأفارقة.

ورغم أن الواقع لا يبدو أنه يتكرر بذات المظاهر في بلدان أخرى، لكن عمليات الرصد توضح أن نحو المليونين تم استيعابهم في بلدان خليجية فى صورة عمالة مهاجرة، ونحو الأربعة ملايين يتوزعون بين لبنان والأردن، ومئات الآلاف في ليبيا التي تشهد اضطرابات ونزاعات فيما يبدو أنه يرتبط باستخدام مهربى الاتجار بالبشر للأوضاع فيها كدولة معبر.

وبالرغم من كل جهود التسوية المبذولة للصراعات عبر الإقليم، فلا يُرجِّح أىٌّ من المراقبين انزواء هذا الصراعات في المدى المنظور، وهو ما يرتبط بضعف الإرادة السياسية المحلية والأجنبية في الامتثال لمقتضيات التسوية السلمية، ما يعنى بالضرورة أن الأزمات ستتواصل، ومعها أزمات اللجوء والنزوح.

وفى وقت مبكر قبل ثماني سنوات، طرحت منظمات مدنية عربية إنشاء آلية إغاثة إنسانية عربية لاستيعاب اللاجئين العرب الذين تتزايد أعدادهم في المنطقة، وطرحت المنظمة العربية لحقوق الإنسان على جامعة الدول العربية مبادرة في هذا الصدد، انبنت على المساهمة الكبرى لخمسة بلدان عربية في دعم جهود العمل الإنساني العالمي، وتبنت القمة العربية في الكويت في العام 2014 هذه المبادرة، غير أنه يبدو أن التعقيدات السياسية التقليدية حالت دون تفعيل القرار بالشكل المناسب رغم جهود التخطيط.

وفى العام 2016، وضع الأمين العام للجامعة المبادرة على قمة جدول الأعمال العربي خلال القمة في موريتانيا، لكنها لم تجد طريقها للتنفيذ رغم الجهود المبذولة من جانب الأمانة العامة للجامعة.

ومنذ ذلك الوقت، يثور الاعتقاد بأن أعداد ضحايا النزاعات بين لاجئين خارج ديارهم ونازحين داخل أوطانهم قد تضاعف، فضلًا عن تضاعف أعداد المعوزين الذين يحتاجون للمساعدة لتدبير احتياجاتهم المعيشية.

ودون خوض في الأزمات التي شهدها اللاجئون صوب أوروبا على الحدود في اليونان والمجر وأوكرانيا.. وغيرها، فإن الوضع الصعب الذى يعانيه نحو نصف طالبي اللجوء فى معسكرات احتجازهم في أوروبا لفترات تجاوز الثلاث السنوات يشكل واحدًا من المآسي، خاصة مع رفض السلطات في تلك الدول السماح لمنظمات المجتمع المدني بزيارة تلك المعسكرات، سواء بهدف تفقدها أو للتعرف على أوجه المساعدة الضرورية التي يمكن المساهمة في تغطيتها.

وتعد التوجهات في بعض الدول الأوروبية نحو إعادة طالبي اللجوء قسرًا إلى بلدانهم بمثابة نزع غطاء الحماية عنهم، ويشكل تحديًا يجب التفاعل معه.

ومع التعقيدات المركبة التي تكتنف سبل وآليات معالجة الأزمة، فإن الحلول تبقى بدهية وواجبة ومستحقة، وفى مقدمتها أن يكون الجهد الموجه لتسوية النزاعات أكثر جدية وإخلاصًا، سواء لوقف النزيف أو للحد من إطراد أزمات النزوح واللجوء.. يليه وضع خطط عملية جادة قابلة للتحقيق لتلبية الاحتياجات الإنسانية، مع اقتراح الحلول التي تسمح بمعالجة الأزمات وبناء التفاهمات التي تضمن تكامل وتناغم الجهود، وهى أمور ممكنة عبر ترتيبات ذات طبيعة فنية.

وفى هذه النقطة على وجه التحديد، يبقى طرح إنشاء وتفعيل آلية إغاثة عربية إقليمية الطرح الأجدر والأقرب للتنفيذ، وتقديم الحلول الضرورية على المستويين القريب والبعيد.

إن إحدى أسوأ النتائج التي يدركها الجميع حال التخاذل عن توفير الحلول ستكون مزيدًا من المآسى، ومزيدًا من العنف، وأجيالًا جديدة من الإرهابيين.