شادية الغول: إعلان المجاعة في غزة.. أزمة إنسانية تكشف عجز النظام الدولي

د.شادية الغول – مصدر الإخبارية

في 22 أغسطس 2025، أعلنت الأمم المتحدة رسميًا وقوع مجاعة في محافظة غزة، وفقًا لتقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، وهو الإعلان الأول من نوعه في الشرق الأوسط. هذا التطور المأساوي لا يعكس فقط تدهور الأوضاع الإنسانية، بل يكشف أيضًا عن اختلالات بنيوية في النظام السياسي الإقليمي والدولي تجاه واحدة من أطول الأزمات في العصر الحديث.

التقرير الأممي حدد أن أكثر من نصف مليون إنسان في غزة يواجهون خطر الموت جوعًا، مع توقع توسع نطاق المجاعة إلى دير البلح وخانيونس بحلول نهاية سبتمبر، في حال استمرار الحصار وانعدام التدخل الفعال.

أسباب المجاعة: حصار ممنهج أم عجز دولي؟

المعايير التي حددها التقرير لتوصيف “المجاعة” تحققت بشكل كامل:

  • 20% من الأسر محرومة من الحد الأدنى للغذاء.
  • 30% من الأطفال يعانون سوء تغذية حاد.
  • معدل وفيات يتجاوز حالتين يوميًا لكل 10,000 شخص.

لكن الأرقام وحدها لا تروي القصة كاملة؛ الأزمة ليست كارثة طبيعية، بل نتاج سياسات ممنهجة تستهدف التحكم في الغذاء كأداة ضغط سياسي. استمرار الحصار وتقييد الحركة والموارد خلق بيئة لا يمكن للسكان فيها تأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة، وسط غياب حل سياسي وازدواجية في مواقف المجتمع الدولي.

أسطورة “البضائع التجارية”: صورة إعلامية بلا مضمون

روّج الاحتلال الإسرائيلي لصور الشاحنات التي تدخل غزة على أنها دليل على “انتفاء” المجاعة. لكن الحقائق الميدانية تفند هذا الخطاب:

الكميات التي دخلت لا تلبي سوى جزء ضئيل من الاحتياجات، بينما يقدر الحد الأدنى المطلوب بـ62 ألف طن شهريًا.

طبيعة البضائع تُظهر انتقائية واضحة؛ إذ سمح بسلع غير أساسية مثل المشروبات الغازية والحلويات، بينما مُنعت المواد الحيوية كالحبوب والبروتين وحليب الأطفال.

ارتفاع الأسعار حوّل أي سلع متاحة إلى رفاهية بعيدة عن متناول الأسر التي فقدت مصادر دخلها بالكامل.

الأهم أن المساعدات نفسها تخضع لآليات توزيع مشوهة تسمح بالفساد، في ظل منع المؤسسات المعتمدة مثل الأونروا من أداء دورها الإغاثي.

هذه الحقائق تؤكد أن النقاش حول “دخول البضائع” يُستخدم أداة لتسويق صورة زائفة، في حين أن المؤشرات الصحية—وليس صور الشاحنات—هي المعيار الحقيقي للحكم على وجود مجاعة.

الأبعاد الإنسانية: جيل ينهار أمام العالم

غزة اليوم ليست مجرد أزمة غذاء، بل انهيار مجتمع كامل. الأطفال، الذين يشكلون غالبية السكان، يقفون في قلب المأساة:

  • 30% منهم يعانون سوء تغذية حاد يهدد حياتهم على المدى القريب.
  • غياب الأغذية العلاجية وحليب الأطفال يزيد من احتمالات الموت والإعاقات الدائمة.
  • معدلات الوفيات اليومية تعكس تحول الجوع إلى أداة قتل صامتة.

هذا الوضع يخلق جيلًا محطّمًا صحيًا ونفسيًا، ما يعني أن التداعيات لن تتوقف عند حدود غزة، بل ستمتد لعقود في شكل أزمات اجتماعية وسياسية أوسع.

انتهاكات القانون الدولي: صمت يعادل التواطؤ

إغلاق المعابر، منع المساعدات، والتحكم في دخول الغذاء والدواء لا يمكن تفسيره إلا كأدوات حرب. وفق القانون الدولي الإنساني، ما يحدث في غزة يشكل خرقًا صارخًا:

  • اتفاقية جنيف الرابعة (1949): تلزم قوة الاحتلال بضمان إمدادات الغذاء والدواء للسكان.
  • النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية: تجويع المدنيين عمدًا جريمة حرب.
  • قرار مجلس الأمن 2417 (2018): يجرم استخدام الجوع كسلاح.

استمرار هذه السياسات في ظل غياب ردع دولي يثير تساؤلات عميقة حول فعالية النظام القانوني الدولي وقدرته على حماية المدنيين في النزاعات المعاصرة.

ماذا بعد؟ خيارات المجتمع الدولي أمام اختبار أخلاقي

المجاعة في غزة لا تمثل فقط كارثة إنسانية، بل امتحانًا سياسيًا وأخلاقيًا للعالم. المطلوب ليس المزيد من بيانات الإدانة، بل خطوات عملية:

  1. فتح ممرات إنسانية آمنة تحت رقابة دولية.
  2. تمكين الأونروا والمنظمات الأممية من استئناف عملها دون قيود.
  3. إدخال عاجل للأغذية العلاجية وحليب الأطفال.
  4. فرض هدنة إنسانية لتمكين عمليات الإغاثة.
  5. آليات لمساءلة من يعرقل المساعدات وفق القانون الدولي.

ما يحدث في غزة ليس نتيجة كارثة طبيعية أو نقص عالمي في الغذاء، بل نتيجة خيارات سياسية محسوبة، حيث يتحول الغذاء إلى سلاح، والإنسان إلى ورقة تفاوض. إعلان المجاعة ليس مجرد وصف للوضع، بل شهادة على فشل المجتمع الدولي في حماية أبسط الحقوق الإنسانية. وإذا لم يتحرك العالم الآن، فإن غزة لن تكون سوى البداية لأزمات مماثلة في مناطق أخرى، حيث يصبح الجوع لغة السياسة الجديدة.