لماذا قتلت العصابات الصهيونية الوسيط الدولي فولك برنادوت؟

بقلم-عزيز حمدي المصري:
في مثل هذا اليوم من العام 1948 اغتالت العصابات الصهيونية الكونت فولك برنادوت وسيط الأمم المتحدة في قضية فلسطين ورئيس الصليب الأحمر السويدي.
يورد المؤلف السويدي يوران بورين في كتابه مقتل فولك برنادوت في الصفحة 142 اقتباسا من كتاب برنادوت “إلى القدس” قال فيه: تعرفت في حياتي على الكثير من معسكرات اللاجئين، لكني لم أر أبداً مشهداً أفظع مما شاهدته هنا في رام الله وطالب بعودة اللاجئين إلى ديارهم واستعادة أرضهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الخسائر والأضرار التي لحقت بهم.
وورد في الكتاب السويدي في الصفحة 111 ما ذكره المؤرخ الإسرائيلي إيلان بابيه بأن العصابات اليهودية الإرهابية المسلّحة قد دمرت حوالي (200) قرية ومدينة فلسطينية قبل إعلان تأسيس إسرائيل.
وأدت مطالبة برنادوت بعودة اللاجئين إلى ديارهم … وضم النقب إلى الدولة الفلسطينية.. ووقف اليهود تهريب السلاح من تشيكوسلوفاكيا.. إلى حملة من الحقد والكراهية قادتها الحكومة الإسرائيلية أدت إلى مقتله على ايدي عصابات شتيرن والذي كان يقودها آنذاك اسحق شامير.
وكشف تحقيق نشر في القناة السابعة الإسرائيلية قبل أعوام رفع السرية عن ملفات قديمة تثبت تورط بن غوريون في اغتيال برنادوت لأنه أراد اعطاء النقب للعرب وبالتالي عندما ينضم النقب للأردن سيكون تلقائيا تحت السيطرة البريطانية وهذا يهدد المصالح السوفيتية والاسرائيلية الجديدة فكان القرار بقتله واغتياله..
فكيف بدأت قصة الأمير السويدي برنادوت مع قضية فلسطين واغتياله على يد عصابة شتيرن الإرهابية، التي كان يقودها رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق اسحق شامير؟
على أثر تصاعد المجازر الجماعية التي قامت بها العصابات اليهودية الإرهابية المسلحة وبلغت 74 مجزرة جماعية على غرار مجزرة دير ياسين قبل تأسيس الكيان الصهيوني، قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن تعيِّن وسيطاً دولياً لتنفيذ قرار التقسيم وإحلال السلام في فلسطين واتخذت القرار رقم 186 بتاريخ 14 أيار 1948 وجاء فيه:
إن الجمعية العامة… تخوِّل وسيطاً تابعاً للأمم المتحدة في فلسطين، تختاره لجنة من الجمعية العامة مؤلفة من ممثلي الصين وفرنسا واتحاد الجمهوريات السوفييتية والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية سلطة للقيام بالمهمات التالية:
استعمال مساعيه الحميدة لدى السلطات المحلية والطائفية في فلسطين في سبيل: تشجيع إيجاد تعديل سلمي في مستقبل وضع فلسطين.
وطلبت الأمم المتحدة من الوسيط الدولي أن يرفع تقارير شهرية عن تقدم مهمته إلى مجلس الأمن الدولي والأمين العام للأمم المتحدة لرفعها إلى أعضاء الجمعية العامة.
واختارت اللجنة التي عينتها الأمم المتحدة من ممثلي الدول الخمس الكبرى، دائمي العضوية في مجلس الأمن الدولي في 20/5/1948 السويدي الكونت فولك برنادوت، وهو ضابط سويدي لعب دوراً في إنقاذ آلاف اليهود من الاضطهاد النازي.
وقد استطاع أن يحقق الهدنة الأولى في 11/6/1948 التي ساعدت القوات الصهيونية على استيراد كميات هائلة من الأسلحة والعتاد الحربي من تشكوسلوفاكيا والولايات المتحدة الأميركية، والتي أثرت تأثيراً مباشراً في المراحل اللاحقة على حرب عام 1948 لصالح القوات الصهيونية.
ونجح في مساعيه لدى الجانبين العربي والإسرائيلي بعقد مفاوضات في جزيرة رودوس في نهاية عام 1948.
وقدم مقترحاته الأولى للأمم المتحدة حول الوضع في فلسطين في 27/6/1948 لتطبيق قرار الأمم المتحدة رقم 181 ونصت النقطة التاسعة منها على حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى وطنهم واسترجاع ممتلكاتهم وتضمنت ما يلي:
لسكان فلسطين إذا غادروها بسبب الظروف المترتبة على النزاع القائم الحق في العودة إلى بلادهم دون قيد واسترجاع ممتلكاتهم.
وتضمنت مقترحاته حول حدود الدولة الفلسطينية والدولة اليهودية ما يلي:
1ـ ضم منطقة النقب بأكملها أو جزء منها إلى أراضي الدولة العربية.
2 ـ ضم منطقة الجليل الغربي بأكملها أو جزء منها إلى أراضي الدولة اليهودية.
3 ـ إعادة النظر في وضع مدينة يافا.
4 ـ ضم مدينة القدس إلى الأراضي العربية، أي إلى الدولة الفلسطينية.
ورفض زعماء الحركة الصهيونية مقترحات الوسيط الدولي الكونت برنادوت لأنها تعطي مدينة القدس ومنطقة النقب للدولة العربية الفلسطينية، وتنص على إنشاء ميناء حر في حيفا ومطار جوي حر في اللد (والمعروف حالياً بمطار تل أبيب)، واقترح إقامة اتحاد بين فلسطين وشرق الأردن.
كما رفض الأمين العام للجامعة العربية مقترحات برنادوت أيضاً، وأصر على عروبة فلسطين.
وبالمقابل أعلنت بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية تأييدها للمقترحات في حين عارضها الاتحاد السوفييتي.
كانت قافلة الكونت برنادوت وهي تسير في القدس الغربية التي احتلتها «إسرائيل» مؤلفة من ثلاث سيارات، وتحمل على مقدمتها علم الأمم المتحدة. وكان الكابتن الإسرائيلي هيلمان يجلس في السيارة الأولى وبرنادوت في السيارة الثالثة، وجلس بجانبه الكولونيل الفرنسي سيرو، رئيس المراقبين الدوليين في القدس.
مرت القافلة عن نقطتين إسرائيليتين للتفتيش داخل القدس الغربية المحتلة ولم تتوقف، لأن ضابط الارتباط الإسرائيلي هيلمان كان يطل برأسه من السيارة الأولى ليتعرف الحرس الإسرائيلي عليه، ومرت القافلة بدون توقف أو تفتيش.
وعندما كانت القافلة تسير في طريقها فوجئ الموكب بسيارة جيب إسرائيلية تقف في عرض الطريق.
وتحدث ضابط الارتباط الإسرائيلي هيلمان مع شخصين بجوار سيارة الجيب وأخبرهما بأنها قافلة الوسيط الدولي برنادوت. تقدم شخصان آخران وطلبا هويات الركاب في القافلة، وعندما عرفا شخصية الكونت برنادوت أطلقا عليه الرصاص من رشاشاتهم في صدره فمات على الفور، وأصيب الكولونيل الفرنسي سيرو بجراح خطيرة توفي على أثرها.
وحاول قائد المراقبين الدوليين الكولونيل بيغلي القبض على أحد القتلة فأطلقوا النار عليه وأصيب بجراح بالغة. وهكذا انتهت مقترحات برنادوت بمقتله.
ثبت فيما بعد أن القتلة هم من عصابة شتيرن التي كان يرأسها السفاح اسحق شامير، رئيس الوزراء الإسرائيلي فيما بعد، وهم:
1 ـ ناتان فريدمان يلين. 2 ـ يهوشع زيتلر. 3 ـ إسرائيل شهيب 4 ـ اسحق عايزرنتسكي 5 ـ جوشوكوهين. 6 ـ ستيلي غولدفوت.
وسادت موجة ألم وغضب واستنكار شديد في أوساط الدول الأعضاء في الأمم المتحدة وأعضاء مجلس الأمن الدولي، ولكن الصهاينة كعادتهم في التمويه والتضليل والكذب أعلن دافيد بن غوريون أن العملية الإجرامية التي قامت بها عصابة شتيرن المتمردة والخارجة عن القيادة الإسرائيلية باغتيال الكونت برنادوت “لاقت أشد الألم والاستنكار لدى الحكومة وأنها ستعاقب القتلة”.
وألقت الحكومة الإسرائيلية القبض على حوالي خمسين يهودياً منهم ناتان فريدمان يلين، قائد المجموعة المجرمة التي نفذت جريمة اغتيال الوسيط الدولي.
وأعلن بن غوريون أن المحكمة الإسرائيلية حكمت على القتلة بالسجن المؤبد لأن عقوبة الإعداد غير واردة في قانون «دولة إسرائيل» وسيقضي هؤلاء المجرمون حياتهم بين قضبان الزنازين.
وأمضى الإرهابيون اليهود عدة أشهر في السجن ثم أصدرت حكومة بن غوريون عنهم قراراً بالعفو. وكافأهم الشعب الإسرائيلي بانتخاب قائد المجموعة الإرهابية ناتان فريدمان كعضو في الكنيست في أول انتخابات إسرائيلية جرت عام 1949.
وعقد مجلس الأمن الدولي في 18 أيلول 1948 جلسة خاصة على أثر اغتيال الوسيط الدولي برنادوت وأعرب عن الصدمة العنيفة لاغتياله واتخذ القرار رقم 57 وجاء فيه:
“إن مجلس الأمن، وقد أصيب بصدمة عنيفة لموت وسيط الأمم المتحدة بفلسطين الكونت فولك برنادوت الفاجع، نتيجة عمل جبان يبدو أنه اقترفته جماعة مجرمة من الإرهابيين في القدس بينما كان ممثل الأمم المتحدة يؤدي مهمته سعياً للسلام في الأرض المقدسة، يقرر الطلب إلى الأمين العام إبقاء علم الأمم المتحدة منكساً مدة ثلاثة أيام”.