كتب أدهم شقير: ماذا تريدُ الصين من العرب؟

أقلام- مصدر الإخبارية

كتب د. أدهم شقير: تناقلت الأخبارُ زيارةَ الرئيس الصينيّ إلى الرياض، التي شهدت توقيعَ 35 اتّفاقيّةَ تعاونٍ في مختلف المجالات بإجمالي 110 مليار ريال سعودي (29.3 مليار دولار)؛ ما حدا بوليّ العهد السعودي بوصفِ هذه الزيارةِ بأنّها مرحلةٌ تاريخيّةٌ جديدةٌ من العلاقات مع الصين لها دلالاتٌ ومعانٍ مهمّة.

وعقد الرئيسُ الصينيّ خلال زيارته هذه ثلاثَ قممٍ منها الخليجية ومنها عربيّةٌ إسلاميّة، مما يساعد على بناء مرحلةٍ جديدةٍ من التحالفات الإقليميّة والدوليّة التي تغّير خارطة المنطقة، بحيث تتغيّرُ قبلة البلدان العربيّة لتصبح الصين بديلًا للولايات المتّحدة بالنسبة للعرب والسؤال: هل يمكنُ ذلك؟

بدايةً نشيرُ إلى أنّ الاحتفاء العربيّ بالصين ليس مجانيًّا، ولا نكايةً في الرئيس الأمريكي؛ إذ إنّ للعرب أهدافًا ورؤى من وراء إسراع خطى التقارب مع التنين الأسيوي، فالصينُ – كيانًا اقتصاديًّا هائلًا – تهمينُ على السواد الأعظم من الاقتصاد العالمي، لا شكّ وأنّها قادرةٌ على زيادة ترسيخ الاقتصاديّات العربيّة، لا سيما الخليجية الباحثة عن توطيد أقدامها عبرَ مضخّات التكنولوجيا الصينيّة التي باتت تمثّلُ ركنًا أساسيًّا في اقتصاديّاتِ المستقبل التي تبحثُ عنها الدول النفطيّة.

تبحثُ الدولُ الخليجيّةُ عن حاضنةٍ استراتيجيّةٍ بديلةٍ للولايات المتحدة التي أدّى انسحابُها من منطقة الشرق الأوسط ابتداءً من 2008، وحتى 2022، إلى حدوث تشقّقات وشروخ في جدار علاقتها مع أمريكا، التي كانت تتّسم بالقوّة والتحالف والتناغم على طول الخط.

يعي الصينيّون جيّدًا الذين لن يجدوا ظرفًا زمنيًّا كهذا لتحقيق حلم التمدد والخروج من الكماشة الأمريكيّة المفروضة عليهم، منذ عقود عبر التحالف مع اليابان وأستراليا والفلبين، وذلك من خلال منازلة الأمريكان في مناطق نفوذهم التقليديّة، وعلى رأسها الشرق الأوسط ومنطقة الخليج التي كانت تتعاملُ معها واشنطن كولايةٍ أمريكيّةٍ خاضعةٍ لسيطرة البيت الأبيض.

أما الصينُ فتحرصُ على تجنّب الولوج في فخ الشرق الأوسط الملتهب بالقضايا الحسّاسة حفاظًا منها على الحياد في مواجهة عصر الاستقطاب الذي قد يهددُ حلمها في أن تصبح القوة الاقتصاديّة الأكبر عالميًّا، فتركت السياسة للأمريكان والروس واكتفت هي بالاقتصاد.

إنّ حماية النفوذ الاقتصادي تتضمنُ نفوذًا عسكريًّا وسياسيًّا، ولذلك أعادت الصينُ النظرَ في السياسة الخارجية، وتحرّكت نحو الشرق الأوسط، بصفته مسألةَ أمنٍ قوميّ، كونه مورد الطاقة الآمن، حيث تستوردُ بكين نصف احتياجاتها النفطيّة من الشرق الأوسط، ويوجدُ بُعدٌ قوميٌّ وجيواستراتيجي لهذه المنطقة باعتبارها مفترقَ طرقٍ حيويًّا.

ولقد دعا الرئيسُ الصيني قادةَ دول الخليج خلال القمة العربيّة الصينيّة إلى بيع النفط والغاز لبكين باليوان؛ وذلك لإضعاف قبضة الدولار الأمريكي على التجارة العالميّة، ويسهمُ في تجييش الإقليم في مواجهة المعسكر الغربي.

في دراسةٍ سريّةٍ لمؤسّسة “راند” البحثيّة قالت: إنّ الشرق الأوسط لها أمنيّةٌ محوريّةٌ في اهتمامات الأمن القومي الصيني وبكين، بدأت بوضع خطّةٍ محكمةٍ للسيطرة على تلك المنطقة الحيويّة، وخلاصتها: أن الشرق الأوسط منطقةٌ ملتهبةٌ للغاية، ولا يمكن الولوج إليها من بوابة الاستقطابات أو الانحياز لأيٍّ من أطرافِ النزاع فيها، فلا بدَّ من التزام الحياد وتجنّب التزامات السياسيّة والحقوقيّة والتركيز على العامل الاقتصادي بوصفه الأرضية المشتركة التي يمكنها ضم الجميع.

وهكذا نجحت في كسب ولاءات الجميع على جانبي الخليج العربي وبين فلسطين وإسرائيل وسوريا وتركيا واستطاعت أن تقف على مسافاتٍ متساويّةٍ من كافةِ القوى الإقليميّة، فاحتفظتْ لنفسها بخصوصيّة تميّزها عن واشنطن واستفادت من خسائر أمريكا إقليميًّا وطبّقت الدرس جيّدًا. فالصينُ رغمَ قوّتها الاقتصاديّة الهائلة لا يمكنها بحالٍ من الأحوال أن تكون بديلًا للولايات المتّحدة التي لديها من أوراق الضغط والأدوات ما يمكنُ أن تقلب بها الطاولة، غير أن حرصها على عدم خسارة حلفائها يدفعها إلى إعادة النظر في سياستها الخارجية تجاهَ المنطقة، وهذا ما قد تظهرُ نتائجُهُ خلال الفترة المقبلة.

***

ماذا عن العربِ والتنمية؟ توضيح مطلوب

“أكثرُ من أي وقتٍ مضى، نحن بحاجةٍ إلى تغييرٍ هيكلي، تغييرٍ يضعنا على مسار التحوّل المنشود”.

تسجّلُ المنطقةُ العربيّةُ أعلى مستويات فوارق في الدخل في العالم، ورعاية صحيّة متدنيّة وتعليم غير جيّد ومستويات عالية من البطالة ومن عدم المساواة بين الجنسين.. هذه من العقبات “الهيكلية والمتجذرة” التي تمنع التحوّل إلى التنمية المستدامة الشاملة للجميع بحسب تقريرٍ أمميّ.

النمو والتنمية:
النمو هو زيادةٌ في الإنتاج الإجمالي في المجال الاقتصادي وزيادةُ الدخل القومي وزيادةٌ في كميّة السلع والخدمات المنتجة، أما التنمية فهي انعكاسُ النمو على السكان من حيث زيادة الدخل وزيادة الخدمات المقدّمة للأفراد والسكان على الصعيد الصحي والثقافي والمعيشي والرفاه الاجتماعي.

يقاسُ النمو عادةً بأرقامٍ ونسبٍ مئويّةٍ مثل النمو السكاني والنمو الاقتصادي اما التنمية فتقاس بمؤشراتٍ مهمّةٍ تعبّرُ عن ظاهرةٍ أو حالةٍ معينةٍ مثل مستوى الحالة الصحية والرعاية الصحية للسكان ومتوسط العمر المقدر للأشخاص عند الولادة ونسبة الأمراض المزمنة والأمراض المستوطنة. كما على الصعيد التعليمي يقاسُ متوسّط عدد سنين الدراسة للتلاميذ ومتوسط عدد الشهادات والإنجازات البحثيّة والعلميّة على هذا الصعيد.

أمّا على الصعيد الثقافي والإبداعيّ الأدبيّ والفنيّ تتّجه إلى قياس نوعيّة وعدد الأدباء والمثقفين والمبدعين وتطوّره، عبرَ فترةٍ معينةٍ وهذه مؤشرات لها دلالاتها.

أما على صعيد التنمية البشرية، فالمؤشّراتُ عادةً ما تدل على عدد الكوادر في العمل والإنتاج وعدد فرص العمل لكافة الكوادر في مختلف المجالات الصحية والعلمية والإنتاجية والزراعية وكافة الخدمات الضرورية ونوعية مؤهلات تلك الكوادر وتطوير الأداء العام ليصب في تحسين مستوى معيشة الناس ورفاهيتهم.

إنّ استمرارَ عمليّةِ التنميةِ يزيدُ من مكاسب الناس مع مرور الزمن ويحصل التطور والتقدم للمجتمعات على كافة المستويات.

أهداف التنمية
القضاء على الفقر
القضاء على الجوع
النمو الاقتصادي والشمول الاجتماعي
حماية البيئة
الصحة الجيدة وانقاذ الناس من الأمراض
التعليم الجيد وزيادة معدل الالتحاق بالمدارس
المساواة بين الجنسين
تأمين طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
تأمين العمل اللائق الذي يحقق نمواً اقتصادياً
الاستهلاك والإنتاج المسؤول والرشيد
تحسين مياه الشرب وصرف صحي جيد
الحد من أوجه عدم المساواة
إقامة بنى تحتية قادره على الصمود لإقامة وتشجيع الصناعة والابتكار
معوّقاتُ التنمية في الوطن العربي:
النزاعاتُ في المنطقة العربيّة أدّت إلى زيادةٍ في معدّلات الفقر المدقع.
اعتماد المنطقة العربيّة على استيرادِ الغذاءِ من الخارج.
تسجّلُ المنطقة العربية أحد أعلى مستوياتِ فوارقِ الدخل في العالم.
مستوياتٌ عاليةٌ في عدم المساواةِ بين الجنسين وتدني نسبة المشاركة الاقتصادية للمرأة وممارسة العنف ضدها.
تعاني المنطقةُ العربيّةُ من سوءِ نوعيّةِ التعليم والتفاوت في إمكانية الحصول عليه، وقلّة الإنفاق على البحوثِ والتطويرِ العلمي.
تغيّرُ المناخ، حيث إنّ الجفاف يلحق أضرارًا كبيرةً في المنطقة تؤثّر على الأمن الغذائي ويحد من توفر المياه ويهدّد إنتاج الثروة الحيوانيّة.
انعدامٌ للشفافيّة وتكافؤ الفرص
حدوثُ فسادٍ وتواطؤٍ بين الكثير من السياسيين في السلطة ورجال الأعمال وافتقار المساءلة وإهدار المال.
إنّ التنمية في العالم العربي تشكو من أعطابٍ بنيويّةٍ جرّاء عواملَ متداخلة، تعطل عملية الإقلاع السمة الغالبة للاقتصاديات العالم العربي هي أنها اقتصاديات ريعية، أو تحويلية، تشكو قلة التنافسية، وتقع في الغالب تحت سطوة أقليات حاكمة، أو قوى مرتبطة بهذه الأقليات، وتغلب عليها المحسوبية، مع ازدواجية بين قطاع مرتبط بالتوزيع العالمي، عصري، ومنغلق، وقطاع تقليدي غير منظم.

وما تزال بعض الدول العربية تشكو من مخلفات التجربة الاشتراكية، وما يطبعها من بيروقراطية ثقيلة (مصر، الجزائر، السودان ، سوريا، العراق). أما الخصخصة التي أُريد لها أن تكون رافعة، بالتخلص من مؤسسات غير فعالة، فقد أصبحت مجالاً لعملية المحسوبية والمحاباة لبعض النافذين أو ما يُعرف بالإنجليزية(Cronyism) .

وعلى المستوى الاجتماعي، يشكو العالم العربي من تهلهل السدى الاجتماعي، إذ ما تزال تطغى عليه الانتماءات الطائفية والعرقية. وقد أفضت هذه الدعوات الطائفية إلى حروب أهلية خلفت جراحاً، وما تزال ندوبها ماثلة (لبنان، الجزائر، سوريا، اليمن، ليبيا ، العراق).

ويشكو العالم العربي من ضعف الخدمات الاجتماعية من صحة وتعليم ومواصلات عمومية، ويعرف التعليم الجامعي تدنيًا مريعًا، يستفحل سنةً عن سنة.

أمّا على مستوى الحوكمة، فتنتفي قيم المسؤولية والمحاسبة، وتشكل الإدارة عبئًا أكثر من أن تكون رافعة.

ولا يتمتعُ القضاء بالاستقلاليّة، وهو ما ينعكس سلبًا على أوجه الحياة المجتمعية، ومنها تردد المستثمرين، ويضاف إلى ذلك ضعف مجال الحرية ممَّا ينعكسُ سلبًا على حرية التعبير والحس النقدي، وما يدفع بالتالي العناصر الجيدة إلى الهجرة، بحثًا عن فرص للشغل تستجيب ومؤهلاتها وطموحاتها، أو فضاء للحرية حيث لا تتعرض فيه للمضايقة، ممَّا يحرم بلدان العالم العربي من كوادر وطاقات بشرية هامة.

وتعيشُ البلدانُ العربيّةُ توتّرًا بينيًّا، يرجع إلى اختلافاتٍ أيديولوجيّةٍ أو توجّهاتٍ سياسيّة، أو مشاكل حدوديّة، أو حتّى أحلام توسعيّة، ممَّا يدفعها إلى سباق التسلح، وبذات الوقت تعيش الأنظمة العربية توتّرًا داخليًّا بسبب كبحها لقواها الحية.

العالمُ العربي يزخرُ بمؤهّلاتٍ جمّة، منها ثرواته الطبيعية (بترول، زراعة، مواد أولية) وموقعه الجغرافي المتميز في مفترق ثلاث قارات، وحيث أهم المعابر العالمية (جبل طارق، قناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز)، مع فئة عمرية شابة، لكن مؤهلاته أضحت لعنة، بسبب الأطماع الأجنبية وتدخلاتها وسوء التدبير.

لا يمكنُ للوضع الحالي أن يستمرّ؛ لأنّه ينذر بتسونامي، ذلك أنه إلى جانب المشاكل القائمة، أُضيفت مشاكل جديدة، مع الانكماش الاقتصادي العالمي، جراء جائحة كورونا، وضغط الشباب في سن العمل، ومشاكل الماء، والنعرات الطائفية. ولذلك يتحتم تجاوز طريقة التفكير القائمة إلى منحى جديد، أي تجاوز المنظومة الموروثة عن الاستعمار.

لكن ذلك ليس بالهين، إذ لا بد من تخفيف حدة التوتر، كما في كل حالة مَرضية قبل العلاج، وأولها تخفيف حدة التوتر الداخلي، بقبول الاختلاف السياسي وتدبيره سلميًّا، دون تخوين، أو لجوء إلى العنف، أو افتراء أو تحايل أو تشهير وتشنيع وتلفيق. وثانيها تخفيف حدة التوتر ما بين البلدان العربية، وتدبير الخلاف سلميًّا، وقد يتهيأ بعدها عنصر ثالث هو التعاون الإقليمي، ولئن فُتحت الحدود، بين الدول، وأزيحت التأشيرات، وقامت علاقات بينية سليمة، بناء على العقلانية الاقتصادية، فسيتولد عن ذلك قوة من شأنها أن تغير البنية الموروثة عن الاستعمار.

نقلًا عن مجلة الهدف الإلكترونية

اقرأ/ي أيضًا: كتب الطاهر المعز: مظاهر الانحدار الأمريكي البطيء