شدد بطريرك القدس للاتين، الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا، على أن ما شهدته غزة خلال الحرب «لا يمكن ولن يُنسى»، داعيًا في الوقت ذاته إلى التطلع نحو المستقبل والعمل على إعادة بناء البيوت والمدارس والحياة، مؤكدًا أن الحضور والبقاء في غزة هو رسالة بحد ذاتها.
ووصل البطريرك، أمس الجمعة، إلى مدينة غزة برفقة النائب البطريركي العام المطران وليم شوملي ووفد من البطريركية اللاتينية في القدس، في إطار الزيارة الراعوية الميلادية السنوية إلى كنيسة العائلة المقدسة، وذلك قبيل حلول عيد الميلاد المجيد وفق التقويم الغربي.

وخلال لقائه أبناء الكنيسة، قال بيتسابالا: «لن ننسى ما حدث، لكننا ننظر إلى الأمام. سنعيد إعمار بيوتنا ومدارسنا، وسنبني من جديد حياتنا. نحن من هنا وسنبقى هنا، وفي هذا البحر من الدمار نسعى لأن نكون مثالًا للجميع على معنى البناء من جديد». وأضاف: «للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب أشعر بشيء من الراحة وأنا بينكم هنا».
وأكد البطريرك إدراكه لحجم المعاناة، خاصة في حياة الأطفال والمدارس والأنشطة اليومية، لكنه شدد على أن الأمل ما زال حاضرًا رغم قسوة الظروف، قائلًا: «حتى في هذا الظلام تبقى شعلة أمل». وأوضح أن غزة ليست وحدها، مشيرًا إلى أن الكنائس والمؤسسات والمسيحيين حول العالم يقفون متضامنين مع أهلها، معتبرًا أن ما قدمه مسيحيو غزة خلال الحرب كان «شهادة حية على الصمود والإيمان والرجاء وصلت إلى العالم كله».
وتوقف بيتسابالا عند معنى عيد الميلاد في هذا السياق، معتبرًا أن الوجود إلى جانب الناس هو جوهر الرسالة، وقال: «كنا هنا خلال الحرب، واليوم أكثر من أي وقت مضى علينا أن نبقى هنا، لأن هذا هو مصدر حياتنا». وختم بالتأكيد على أن «المحبة وحدها قادرة على الشفاء»، مشددًا على ضرورة شفاء القلوب قبل إعادة بناء الجدران، ومعلنًا أن جميع الكنائس ستبقى موحدة في مرافقة غزة وإعادة بناء الكنيسة والحياة فيها.

ويحل عيد الميلاد المجيد للعام الثالث على التوالي على قطاع غزة في ظل استمرار الحصار والعدوان، وما خلّفه من دمار واسع ومعاناة إنسانية غير مسبوقة. وذكرت البطريركية اللاتينية في بيان أن زيارة البطريرك، التي تستمر ثلاثة أيام، ستشمل الاطلاع على أوضاع الرعية والجهود الإنسانية والإغاثية ومبادرات إعادة التأهيل القائمة، إضافة إلى لقاء رجال الدين وأبناء الرعية للتعرف إلى احتياجات المجتمع، على أن يترأس قداس عيد الميلاد المجيد يوم الأحد في كنيسة العائلة المقدسة.
وأضاف البيان أن الزيارة تمثل انطلاقة احتفالات الميلاد في مجتمع يعيش ظروفًا بالغة الصعوبة، وتعكس عمق الروابط بين رعية غزة وأبرشية القدس، وتجدد التزام البطريركية اللاتينية بمرافقة المؤمنين بالصلاة والتضامن وإحياء الأمل.

وتشير المعطيات إلى تراجع عدد المسيحيين في قطاع غزة إلى نحو 700 مواطن خلال الحرب، بعد أن كان يقارب 1100 قبل اندلاعها، مع اضطرار العديد منهم للنزوح إلى الكنائس التي تعرضت بدورها لأضرار جسيمة جراء القصف خلال الفترة الماضية. كما سبق للبطريرك بيتسابالا أن زار غزة ثلاث مرات خلال الحرب، مؤكدًا في كل زيارة استمرار دعم الكنيسة لأبناء الشعب الفلسطيني ومساندتهم في هذه المحنة.

