عملاء وخونة: بعد التصويب على القضاء قيس سعيّد يحاصرٌ المجتمع المدني

خولة بو كريم – صحافية تونسية
هل يسعى قيس سعيّد فعلا لإصلاح ومحاسبة المخالفين من الجمعيات والمنظمات والبالغ عددها أكثر من 22 ألف جمعية؟ أم أن الهدف هو إحكام السيطرة على قطاع حيوي تحرَّر منذ ثورة 2011 ؟
أقولها هنا لابدَّ من اتخاذ نص يمنعٌ تمويل الجمعيات من الخارج…لأنهم في الظاهر جمعيات وهم امتداد لقوى خارجية، ولن نسمحَ أن تأتي هذه الأموال للجمعيات للعبث بالدولة التونسية و للقيام بالحملات الانتخابية تحت غطاء التمويلات الأجنبية.
هذه كلمات رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد في الرابع والعشرين من شباط( فبراير) الماضي، خلال خطاب تجاوزَ ثلاثين دقيقة ألقاه على مسامع وزرائه الصامتين.
وكأن سعيّد ما أن انتهى من توجيه سهامه نحو القضاء بعد صدور قرار رسمي بحلّ مجلسه الأعلى واستبداله بآخر مؤقت، حتى تفرّغ الآن بكل حزم للمجتمع المدني أو كما يقول أحد أنصاره، رمزي عطوي مدون وناشط سياسي، لـ”درج”: “صواريخ الرئيس جاهزة لتٌصيب هذه المرة جمعيات ومنظمات المجتمع المدني الغارقة في الفساد وفي التمويل المشبوه”.
حملة سعيّد بدأت على الجمعيات الناشطة في المجتمع المدني باتهام مؤسسات بأنها تتلقى أموالاً غير “شرعية” تصرف على الحملات الانتخابية وتوظف سياسياً من قبل خصومه، وكذلك استناداً إلى وجود شبهات فساد لبعض الجمعيات على غرار الجمعيات القرآنية التي تتهمها رئيسة الحزب الدستوري الحرّ عبير موسي بأنها تمول حركة النهضة وحملاتها الانتخابية وتشتري عبرها أصوات الناخبين من المهمشين ومن المؤدلجين في مختلف محافظات الجمهورية ، وأيضا هيئة الدفاع عن المغدروين شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذين اغتيلا في السنوات الأخيرة والتي تؤكد أنَّ “حركة النهضة ورئيسها راشد الغنوشي تلقوا تمويلات قطرية استخدمت لدعم الجهاز السري لحركة النهضة ولتنفيذ الاغتيالات السياسية”.
إلاَ أنَّ وضعَ كل الجمعيات والمنظمات في سلة واحدة يثير شكوكا مشروعة حول أهداف قيس سعيّد من غلق باب التمويل عن الجمعيات، وتوظيف ملف ضحايا الاغتيال خدمة لمصالحه السياسية ولتضييق الخناق على خصومه وعلى رأسهم حركة النهضة.
هل غاية سعيد فعلا الإصلاح والتعديل ومحاسبة المخالفين من الجمعيات والمنظمات والبالغ عددها أكثر من 22 ألف جمعية وفق آخر إحصائية لرئاسة الحكومة التونسية؟ أم أن الهدف هو إحكام السيطرة على قطاع حيوي تحرَّر منذ ثورة 2011 وأصبح للتونسيين/ات الحق في التنظيم وتأسيس الجمعيات بشكل يسمح لهم بالتعبير عن أنفسهم وتقديم خدمات تعجزُ الدولة التونسية في كثير من الأحيان عن تقديمها لمواطنيها. كما أنه يساهم في خلق آلاف فرص العمل وتوفير فرص نادرة للتعلم والتطور للشباب قد يعجزٌ القطاعين العام والخاص معاً عن توفيرها للشباب.
جاء في الفصل الأول من هذا المرسوم، أنه يضمن حرية تأسيس الجمعيات والانضمام إليها والنشاط في إطارها وإلى تدعيم دور منظمات المجتمع المدني وتطويرها والحفاظ على استقلاليتها.
المجتمع المدني التونسي على الرغم من كل الانتقادات اللاذعة التي توجه إليه من خارجه وحتى من محيطه نفسه، على قصور بعض من أدائه وفساد بعض الناشطين فيه إلا أنه يؤدي دوراً محورياً في خدمة أكثر الفئات هشاشة على غرار الأطفال والنساء المعنّفات والأشخاص ذوي الإعاقة، وكذلك حماية البيئة والمحيط وغيرها من الحقوق الانسانية المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الانسان.
كما أنه شكّل رافعة هامة خلال العشرية الماضية من أجل إصدار تشريعات تحررية اعتبرت عربياً وإقليميا رائدة في مجالها على غرار قانون “القضاء على العنف ضد المرأة” وقانون “القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري”، وقانون “النفاذ إلى المعلومة”.
علاوة على ذلك، أحدثت الجمعيات الإعلامية طفرة في المشهد الإعلامي التونسي وهي تشرف على تمويل المشاريع الصحفية المستقلة والمواقع الالكترونية الحديثة والتي تعمل في حقل مكافحة الفساد ونشر ثقافة الشفافية والمساءلة عبر تحقيقات استقصائية ذات قيمة ومضامين إعلامية ترتقي عن المضمون السائد المتكلس المقدم من بعض المنابر الإعلامية العمومية والرديئة ذات الغاية الربحية فقط ومن بعض وسائل الإعلام الخاصة