سماح شاهين- مصدر الإخبارية
مع دخول فصل الشتاء للعام الثالث على التوالي، يجد سكان قطاع غزة أنفسهم مجددًا أمام تحدٍ مزدوج، يتمثل في البرد القارس وانقطاع الكهرباء المستمر، الذي سببه تدمير الاحتلال الإسرائيلي لخطوط الطاقة الحيوية في القطاع، رغم الحاجة الفعلية لأكثر من 600 ميغاوات لتلبية احتياجات السكان.
هذا الواقع يفاقم معاناة الشباب العاملين بشكل حر عبر منصات العمل عن بُعد، الذين يعتمدون على ألواح الطاقة الشمسية لضمان استمرارية عملهم وتوفير الإنترنت، إذ يُعد توفر الكهرباء عاملًا حاسمًا لإتمام المشاريع وتسليم المهام في الوقت المحدد.
تروي دعاء الشرفا التي تعمل عن بعد لـ"شبكة مصدر الإخبارية"، أنها كانت تستمتع بالشتاء سابقًا، مستغلة أجواءه للعمل على حاسوبها في غرفتها، دون الحاجة للخروج إلى مساحات العمل المكلفة، حيث يتم استخدام المولدات الكهربائية وألواح الطاقة الشمسية.
لكن دعاء اليوم تجد نفسها مضطرة للتنقل بين الخوف من نفاد الشحن وانقطاع الكهرباء وبين تكاليف مرتفعة تصل إلى مئات الدولارات شهريًا، لتأمين مكان مناسب للعمل.
وتشير إلى أن فصل الشتاء يقلص ساعات العمل الفعّالة بسبب قصر النهار وضعف شحن الألواح الشمسية في الأيام الممطرة والغائمة، ما تضطر أحيانًا للتخلي عن مشاريع أو تأجيل تسليمها.
وتضيف أن تكاليف استخدام مساحات العمل ارتفعت من 70 إلى 150 دولارًا شهريًا، في حين لا يزال الاعتماد على الكهرباء الحكومية محدودًا أو معدومًا، ما يجعل الإنتاجية اليومية تتراجع بشكل ملموس، ويضاعف الضغوط الاقتصادية على العاملين.
ولا يُقاس حجم المعاناة بالبرد وحده، بل بالقيود اليومية التي يفرضها انقطاع الكهرباء على حياة المواطنين، حيث تتحول ساعات العمل إلى معركة مع الطبيعة والاقتصاد، ويصبح الحفاظ على استمرارية الدخل تحديًا لا يقل صعوبة عن مواجهة فصل الشتاء نفسه.
معاناة مضاعفة
ومع كل منخفض جوي يمر على قطاع غزة، تتجدد معاناة السكان بسبب أزمة الكهرباء المستمرة منذ سنوات، ومن بين المتضررين خالد النباهين، الذي بات يقضي ساعات طويلة في التنقل بين مناطق دير البلح وسط القطاع لشحن بطاريات هواتف عائلته، بالإضافة إلى البطاريات الصغيرة التي يستخدمها لتشغيل الليدات في الخيمة.
ويضطر خالد في ظل نقص الكهرباء المستمر إلى دفع أسعار مضاعفة لأصحاب محلات الشحن، ما يزيد من العبء الاقتصادي على عائلته وسط ظروف صعبة تعصف بمعيشة السكان.
ويشير خالد لـ"شبكة مصدر الإخبارية" إلى أن هذه هي السنة الثالثة التي يعاني فيها من صعوبة شحن الهواتف خلال المنخفضات الشتوية، دون أي حلول عاجلة من الجهات المسؤولة، مضيفًا: "باتت طلوع الشمس بالنسبة لنا حلمًا ننتظره لتخفيف معاناتنا اليومية".
ويعكس هذا الواقع حجم الصعوبات التي تواجه المواطنين في قطاع غزة، حيث تتحول أبسط الاحتياجات اليومية مثل شحن الهاتف أو تشغيل إضاءة صغيرة إلى تحدٍ يفاقم من الأعباء الاقتصادية والاجتماعية، ويؤكد استمرار الأزمة في الكهرباء على أن السكان يعيشون صراعًا يوميًا مع محدودية الموارد الطبيعية والقدرات التقنية المتاحة لهم.
تحديات يومية
وفي ظل استمرار أزمة الكهرباء في غزة، يتحول شحن الهواتف إلى تحدٍ يومي يفاقم معاناة المواطنين، ومن بين هؤلاء محمد أبو شقفة، صاحب كشك صغير في دير البلح وسط قطاع غزة، يقدم خدمة شحن الهواتف مقابل عائد مادي بسيط.
يوضح أبو شقفة لـ"شبكة مصدر الإخبارية" أن ارتفاع أسعار الشحن خلال المنخفضات الجوية يعود بشكل أساسي إلى غياب الشمس، ما يقلل كفاءة ألواح الطاقة الشمسية ويزيد الضغط على البطاريات، التي لا تتحمل تشغيل عدد كبير من الهواتف في وقت واحد.
ويشير إلى أنه يحاول قدر المستطاع تخفيف العبء على الناس، ويحد من عدد الهواتف التي يشحنها في الوقت نفسه، لضمان ألا ينقطع أحد تمامًا عن هاتفه، وهو أمر حيوي في ظل الظروف الحالية التي تجعل الاتصال بالإنترنت والمكالمات وسيلة رئيسية للتواصل والحصول على المعلومات.
ويضيف أبو شقفة: "أحيانًا أشعر بالضغط من كثرة الطلبات، لكن لا أستطيع تحميل البطاريات أكثر من طاقتها، لذلك أضطر لتحديد عدد الهواتف التي يمكن شحنها، وفي الوقت نفسه أحاول أن لا يخرج أي شخص خالي الوفاض".
وتسلط هذه الواقعة الضوء على الأثر اليومي لأزمة الكهرباء على حياة المواطنين، حيث تصبح أبسط الخدمات اليومية مثل شحن الهاتف معركة مع الطبيعة والتقنيات المحدودة، وسط ضغوط اقتصادية واجتماعية تضيف مزيدًا من التعقيد على واقع الحياة في غزة.