أكد محافظ سلطة النقد الفلسطينية يحيى شنّار، اليوم الثلاثاء، أن السلطة أعدّت مشروع قانون جديد يهدف إلى خفض استخدام النقد في التعاملات المالية، تمهيداً لبيئة مالية أكثر كفاءة وأماناً، ومواجهة مشكلة تكدس الشيقل الإسرائيلي في السوق الفلسطينية.
وأوضح شنّار، خلال لقاء صحفي عقد في رام الله، أن مشروع القانون أُعدّ بالتشاور مع الجهات الرسمية ومؤسسات القطاع الخاص، واستناداً إلى المعايير الدولية وتجارب دول لديها قوانين مماثلة، مؤكداً أن الهدف هو تشجيع التحول نحو وسائل الدفع الإلكترونية بما يخدم الأفراد والمؤسسات.
وأضاف أن مشروع القانون نُشر على الموقع الإلكتروني لسلطة النقد وعلى منصة التشريع التابعة لوزارة العدل، ودُعي الجمهور والقطاعات المختلفة لإبداء الملاحظات عليه قبل رفعه بصورته النهائية إلى الرئيس لإقراره.
سقف نقدي بقيمة 20 ألف شيقل
ينص مشروع القانون على منع الدفع النقدي في المعاملات التي تتجاوز قيمتها 20 ألف شيقل أو ما يعادلها بالعملات الأخرى، مع منح سلطة النقد صلاحية تعديل هذا السقف بالتنسيق مع وزارة المالية. كما يخولها تحديد حدود قصوى للقروض والهبات النقدية والمعاملات الحساسة، مثل العقارات والسلع الفاخرة، لضمان الشفافية ومكافحة غسل الأموال.
وأوضح شنّار أن 96% من الإيداعات النقدية بعملة الشيقل تقل عن 20 ألف شيقل، مما يجعل السقف المقترح متوافقاً مع طبيعة السوق الفلسطينية. كما أظهرت البيانات أن 81% من الإيداعات أقل من 5 آلاف شيقل، وأن 91% من الشيكات المتداولة تقل قيمتها عن 20 ألف شيقل.
خفض التكاليف والمخاطر
وبيّن المحافظ أن التعامل النقدي يتحمل تكاليف ومخاطر أمنية مرتفعة تشمل النقل والتخزين والتأمين، بينما يسهم الحد من النقد في تقليل هذه التكاليف وتنشيط الاقتصاد المنظم، مشيراً إلى أن دولاً عدة سنت قوانين مماثلة أسهمت في زيادة الدخل الضريبي وتحفيز النمو الاقتصادي.
ويتضمن مشروع القانون فرض غرامات مالية تتراوح بين 5% و15% من قيمة المعاملة النقدية المخالفة، مع مضاعفة العقوبة عند التكرار أو التحايل، إضافة إلى مهلة 6 أشهر لتوفيق الأوضاع قبل بدء التنفيذ، تحت إشراف سلطة النقد ووزارتي المالية والاقتصاد الوطني.
أزمة "تكدس الشيقل"
يأتي مشروع القانون في ظل أزمة متفاقمة تتمثل في تكدس نحو 15 مليار شيقل في المصارف الفلسطينية، نتيجة القيود الإسرائيلية على ترحيل العملة، ضمن سياسة وُصفت بأنها "خنق اقتصادي".
وقال شنّار إن سلطة النقد رحّلت 18 مليار شيقل خلال عام 2025، وتسعى لرفع سقف الترحيل إلى 30 مليار شيقل أو إلغاء "الكوتا" نهائياً، مشيراً إلى أن البنك المركزي الإسرائيلي ملزم قانوناً باستلام عملته.
كما حذر المحافظ من انتهاء الضمانات الإسرائيلية للبنوك المراسلة (هبوعليم وديسكونت) في نهاية نوفمبر الجاري، بعد تلقي المصارف الفلسطينية إشعارات بقطع العلاقات خلال 60 يوماً، وهو ما يهدد باضطرابات مالية خطيرة نظراً لأن التعاملات بين الجانبين تصل إلى مليارات الشواقل شهرياً.
اتصالات دولية لمنع التصعيد
وكشف شنّار أن سلطة النقد، بالتنسيق مع الرئاسة ورئاسة الوزراء، تواصلت مع أطراف دولية بينها وزارتا الخزانة الأميركية والبريطانية، ومجموعة السبع والعشرين والبنك المركزي الإسرائيلي، لحث الجانب الإسرائيلي على تحويل أموال المقاصة الفلسطينية المحتجزة والبالغة 13 مليار شيقل، وتجديد الضمانات الخاصة بالبنوك.
متانة القطاع المصرفي
واستعرض شنّار مؤشرات القطاع المصرفي حتى الربع الثالث من 2025، مشيراً إلى أنه يتمتع بالاستقرار والمتانة، حيث بلغت كفاية رأس المال 17.1% مقارنة بالحد الدولي الأدنى البالغ 10.5%. كما بلغ إجمالي الأصول 27.6 مليار دولار، وودائع العملاء 21.2 مليار دولار، والتسهيلات 12.8 مليار دولار، مع نسبة ديون متعثرة لا تتجاوز 5.4%.
وفي قطاع غزة، أوضح أن محفظة التسهيلات بلغت 973 مليون دولار والودائع نحو 4.9 مليار دولار، مؤكداً أن سلطة النقد تعمل على إعادة تفعيل الخدمات المصرفية فور تثبيت وقف إطلاق النار، إذ تعمل حالياً 9 فروع ومكاتب مصرفية في القطاع.
واختتم شنّار بالقول إن القانون الجديد يشكل خطوة استراتيجية نحو اقتصاد رقمي منظم وأكثر أماناً، ويساعد في تقليل الاعتماد على النقد وتعزيز الشفافية والاستقرار المالي في فلسطين.