في إنجاز علمي جديد، أعلن فريق من علماء الحفريات المصريين عن اكتشاف نوع جديد من التمساحيات القديمة في صحراء مصر الغربية، يُعد الأقدم بين أسلاف التماسيح البحرية، ما يعيد رسم خريطة تطور هذه الكائنات التي عاشت قبل نحو 80 مليون عام.
ونُشرت تفاصيل الدراسة في The Zoological Journal of the Linnean Society، حيث كشفت النتائج أن إفريقيا، وبالتحديد مصر، كانت مهداً لتطور التماسيح البحرية التي انتشرت لاحقاً في مختلف القارات.
النوع الجديد الذي أطلق عليه اسم “واديسوكس كسابي” ينتمي إلى عائلة “الديروصوريدات”، وهي مجموعة من الزواحف المنقرضة كانت تهيمن على البيئات الساحلية والبحرية في عصور ما قبل التاريخ. تميزت هذه الكائنات بخطم طويل وأسنان رفيعة حادة مكّنتها من اقتناص الأسماك والسلاحف البحرية.
وأوضح الباحثون أن الحفرية، التي عُثر عليها في واحات الخارجة وباريس، تضم جمجمتين جزئيتين وأجزاء من خطمين لأفراد متفاوتي الأعمار، مما أتاح دراسة مراحل النمو والتطور في هذه السلالة. واستخدم الفريق تقنيات تصوير مقطعي محوسب ثلاثي الأبعاد للكشف عن أدق التفاصيل التشريحية، بما في ذلك بنية الجمجمة والفكين وآليات العض.
وأظهرت الدراسة أن “واديسوكس كسابي” كان كائناً بطول يتراوح بين 3.5 و4 أمتار، يشبه التمساح الحديث شكلاً، لكنه يتميز بخطم أطول وأسنان حادة تتكيف مع الصيد في البيئات البحرية الضحلة التي كانت تغمر شمال إفريقيا في ذلك الوقت.
وقالت الدكتورة سارة صابر من جامعة أسيوط، الباحثة الرئيسية في الدراسة وعضو فريق “سلام لاب” بجامعة المنصورة، إن الكائن الجديد يختلف عن أقاربه المعروفين بعدد من السمات الدقيقة مثل ارتفاع فتحات الأنف وموقع الفكين، وهي مؤشرات على انتقال تطوري تدريجي من الحياة البرمائية إلى البحرية الكاملة.
وأوضحت النتائج أن هذا النوع يمثل أحد أوائل أسلاف “الديروصوريدات”، مما يدعم فرضية أن إفريقيا هي الموطن الأصلي لهذه السلالة قبل أن تنتشر نحو آسيا والأميركيتين.
وأكد الدكتور هشام سلام، أستاذ الحفريات بجامعة المنصورة والمشرف على البحث، أن الاكتشاف يمثل خطوة محورية في فهم تطور الزواحف بعد انقراض الديناصورات، مشيداً بدور الباحثين المصريين في قيادة المشروع باستخدام أحدث التقنيات العالمية.
أما الباحث بلال سالم من جامعة أوهايو، فأوضح أن التحاليل التطورية تضع “واديسوكس كسابي” على قاعدة شجرة نسب التماسيح البحرية، مؤكداً أن الصحراء الغربية المصرية لا تزال تخفي كنوزاً أحفورية قادرة على إعادة كتابة تاريخ الحياة على الأرض.
وشدد الفريق العلمي على أهمية حماية مواقع الحفريات من التوسع العمراني والزراعي، داعين إلى دعم الأبحاث الميدانية التي تثبت أن مصر ليست فقط مهد الحضارات، بل أيضاً مهد الحياة القديمة التي شكلت ملامح كوكب الأرض.
واختتمت الدراسة بالتأكيد على أن “واديسوكس كسابي” ليس مجرد تمساح منقرض، بل شاهد علمي حي على تاريخ تطور الزواحف، ودليل جديد على أن العلوم المصرية تسهم في إثراء الفهم العالمي لتاريخ الأرض والتنوع البيولوجي القديم.