وكالات - مصدر الإخبارية
فهرس المحتوى [إظهار]
ترامب وحماس: الغموض كأداة حكم
بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأسبوع مثنياً على حركة حماس لـ«حفظها النظام» في قطاع غزة، وأنهاه مهدداً بـ«الدخول وقتلها» إذا استمرت في «قتل الناس».
بالنسبة لمعظم القادة، قد يبدو هذا اضطراباً أو تناقضاً، لكنه بالنسبة لترامب تكتيك محسوب.
التناقض المقصود
تعامل ترامب مع إعادة بسط حماس سيطرتها في غزة يكشف في آنٍ واحد عن قوة وهشاشة نهجه.
حين بدأت الحركة بتصفية الفصائل المنافسة، كانت غريزته الأولى هي القبول العملي، إذ إن غزة تحتاج إلى سلطة ما لمنع الانهيار في ظل غياب أي استعداد دولي للتدخل.
ورأى أن السماح لحماس بـ«تطهير العصابات السيئة»، كما وصفها، ضرورة قبيحة.
لكن بعد ردود الفعل الإسرائيلية والأميركية الغاضبة، التي اتهمت حماس بارتكاب إعدامات ميدانية، قلب ترامب موقفه خلال 48 ساعة فقط، معلناً عبر منصة «تروث سوشيال»:
«إذا استمرت حماس في قتل الناس، فلن يكون لدينا خيار سوى الدخول وقتلهم».
ومع ذلك، فالتبدّل المفاجئ في مواقفه ليس ارتباكاً، بل جزء من منهج متعمد في إدارة النفوذ.
آلية النفوذ
ترامب لا يتقلب عبثاً؛ بل يستخدم التأرجح بين التساهل والترهيب كأداة للتحكم.
بهذا الإيقاع غير المتوقع، يُبقي جميع الأطراف – من حماس إلى إسرائيل – معتمدة على خطوته التالية.
فحماس ترى في «تفهمه المؤقت» درعاً مرحلياً، وإسرائيل ترى في تهديداته تأكيداً على دعمه المشروط.
في عالم ترامب، اللامتوقع هو القوة.
البراغماتية الترامبية
على عكس أسلافه، لا يؤمن ترامب بإمكانية إصلاح حماس أو تغيير سلوكها.
يتعامل معها كـ«قوة أمر واقع» يجب إدارتها مرحلياً لا أكثر.
تسامحه المؤقت معها هدفه حماية صورة الاتفاق الذي رعاه، فهو يريد وقف القتال ليُسجَّل ذلك باسمه، لا الدخول في تفاصيل من يحكم غزة لاحقاً.
في نظرته العقارية للسياسة الدولية، المستأجر السيئ أفضل من العقار الشاغر.
صورة القوة والسياسة الداخلية
انعطاف ترامب المفاجئ يخدم أيضاً حساباته الداخلية.
ففي الولايات المتحدة، يُكافأ الرئيس الذي يبدو «صارماً مع الإرهابيين».
التهديد بـ«الدخول وقتلهم» يُعيد إحياء علامته التجارية المعروفة: قوي، مباشر، لا يخضع للبروتوكولات.
إنه خطاب يرضي إسرائيل، ويرهب حماس، ويُقدّم ترامب كـ«المنقذ المسيطر».
لكن لهذه اللعبة ثمناً.
فإذا تبع كل تهديد انفتاح، وكل انفتاح تهديد، تتآكل الثقة، وتُفقد القدرة على الردع.
وما يمنحه النفوذ على المدى القصير، قد يُضعف موقعه على المدى الطويل.
الحساب الأعمق
وراء هذه الفوضى الظاهرية منطق بارد يقوم على ثلاث فرضيات أساسية:
-
يجب أن يسيطر طرف ما على غزة الآن، حتى لو كانت حماس.
-
الرئيس الأميركي وحده يملك ترف التسامح مع حماس يوماً وتهديدها في اليوم التالي.
-
زخم الاتفاق أهم من اتساق بنوده.
إنها نسخة سياسية من فلسفة ترامب التجارية:
«أبرم الصفقة أولاً، ثم اهتم بالتفاصيل لاحقاً.»
المخاطرة المقبلة
يراهن ترامب على أنه قادر على إدارة الفوضى بالكاريزما والخوف.
فإن أطاعت حماس، نُسب الفضل إليه؛ وإن تحدّته، وجد المبرر لاستئناف القوة.
في كلتا الحالتين، هو «الضرورة التي لا غنى عنها».
لكن الدبلوماسية التي تقوم على الغموض والارتجال نادراً ما تعيش طويلاً بعد رحيل صاحبها.
فالاتفاقات المبنية على الخوف لا تصمد بعد ذهاب الاستعراضي الذي فرضها.